الاقتصاد المعرفي والاختراع

الاقتصاد المعرفي والاختراع

د.م/ هبة الرحمن أحمد

Hebatalrahman11@yahoo.com

hebatalrahman11@gmail.com

استشاري علوم المواد وتطبيقاتها

 

عرف الاقتصاد المعرفي مع بداية الخليقة وقبل أن يعتبره الإنسان علم له أسس وقواعد فمنذ آلاف السنين لم يكن الإنسان القديم يستعمل من المواد إلا ما يجده حوله  من الأشياء كالعظام والعشب والحجر الصوان  وتدريجيا أصبح الإنسان أكثر مهارة في التعامل مع المواد التي وهبها له الله عز وجل منحة من الطبيعة ‘ فقام بنحتها وتشكيلها لتوفير مستلزمات حياته اليومية

وحينها كان الاقتصاد المعرفي قاصرا علي المصادر الطبيعية الموجودة في البيئة المحيطة

حدثت الطفرة الهائلة في تطور البشرية وفي تطور اقتصادها المعرفي باكتشاف النار حيث أصبحت الوسيلة المثلي لصنع مواد أكثر فائدة فقد وجد الإنسان أن تسخين بعض أنواع الصلصال علي النار يكسبها صلابة واستفاد من ذلك في صناعة المواد الفخارية بأنواعها وأشكالها المختلفة وهو عصر ظهور علم السبائك وتخليق المواد وتقنيات التصنيع بأنواعها المختلفة. وفي العصور الوسطي ظهر علماء المسلمين بفكرهم المستنير وحثهم الديني الذي ينظر إلي ضرورة نشر العلم بشكل واسع كهدف ديني سامي قبل أن يكون هدفا اقتصاديا أو علميا أو سياسيا حيث نظر المسلمين باختراعاتهم وابتكاراتهم وفنونهم وآدابهم إلي الاقتصاد المعرفي و كأنه عبادة مفروضة عليهم بنشرها وتعميمها

وعلي خطي المسلمين اهتدي علماء عصر النهضة في أوربا إلا أن النزعة الدينية الإسلامية لم تكن هدفا لهم حيث اتسم هذا العصر بفصل الدين عن الدنيا والنظر للتقدم المعرفي نظرة دنيوية مادية محضة ولا شك وإن خلا هذا العصر من النظرة الإنسانية إلي الاقتصاد المعرفي إلا انه أسهم إسهاما فعليا في تطور البشرية حيث نقلها من عصور ها الوسطي والبدائية ووضعها بجدارة علي مشارف العصر الحديث.

وفي العصر الحديث تطور علم الإدارة وأصبح له قواعد ثابتة وأسس علمية يتبعها ومن ثما أصبح للاقتصاد المعرفي أسس وقواعد علمية يدرس ويعرف بها وأصبح احدي دعائم النظم الإدارية والاقتصادية الحديثة. والطفرة في الاقتصاد المعرفي في العصر الحديث ارتكزت علي ثلاثة محاور أساسية اكتشاف البترول واللدائن وما أحدثه من طفرة في علم المواد مما سمح بإيجاد مواد حديثة فائقة القدرة مكنت الإنسان من غزو الفضاء وقادت بدورها للركيزة الثانية في تطور الاقتصاد المعرفي إلا وهي التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصالات الذي يعد أساسا للتقدم المعرفي وتسهيل العمليات الاقتصادية حيث أن ظهور تقنية عمل الحواسيب الالكترونية وتطورها . ثم ظهور حواسيب المستقبل وتطورها والاستفادة من مميزاتها والية عملها في كافة الاختراعات الحديثة الذي أصبح معظمها يعمل بواسطة الحواسيب الآلية ويواكب التطورات المستقبلية المتوقعة أمام هذه التكنولوجيا الواعدة والذي أسهم بدوره في سرعة تطبيق الاختراعات والابتكارات ففي العصور المنصرمة كانت تمر السنوات والعقود ما بين ظهور الاختراع وتطبيقه وتعميمه أما في ظل تقنيات الاتصال المتقدمة وتطور أساليب تنفيذ الاختراعات أصبح تطبيق الاختراعات لا يستغرق إلا سنوات معدودة مما دفع بعجلة التقدم ورفاهية البشرية إلي الوثوب وثبات واسعة غير معهودة في مجال الاقتصاد المعرفي. وتأتي الركيزة الثالثة من ركائز تطور الاقتصاد المعرفي متمثلة في الطاقة النووية والليزر والإشعاع وظهور أنواع وأصناف الطاقات المتجددة لتحل محل الطاقات التقليدية تباعا. إن توفير الطاقة بسبل ميسرة أسهم بدوره في دفع الاقتصاد المعرفي دفعة غير مسبوقة في تاريخه حيث أدي إلي أن تصبح التقنيات الحديثة في متناول كافة شعوب الأرض علي اختلاف مستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية.

والآن يمكننا التمعن في مستقبل الاقتصاد المعرفي وما يمكن أن يحققه من طفرات في المستقبل القريب ولكننا لا يمكننا غض الطرف عما يكتنف منظومة الاختراع من قصور عالمي فكيف يمكننا التحدث عن تطور الاقتصاد المعرفي ومنظومة الاختراعات العالمية والحماية التقنية والصناعية يشوبها الكثير من القصور في مناحي عديدة فليس هناك منظومة حماية عالمية للاختراعات حتي الآن فقد استحدثت المنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة WIPO   مجموعة مكاتب للفحص الدولي في كافة أرجاء المعمورة ليتم فحص ومراجعة الاختراعات طبقا لمعايير دولية محضة من الجدة والخطوة الإبداعية ، حيث يشترط أن يكون الاختراع جديدا غير مسبوق في عناصر حمايته وكذلك يتسم بالإبداع والتطوير والبعد عن النمطية والقابلية للتطبيق الصناعي، ولكن منظومة الحماية للاختراعات تعد قصيرة الأجل 20 عاما قياسا بحقوق الملكية الفكرية الاخري التي تمتد مدي الحياة في أحيان وتصل لأكثر من 50 عام في أحيان  أخري ، ناهيك عن أن الحماية تكون محلية في الدولة التي يقوم فيها المخترع بتسديد الرسوم السنوية مما يشكل إجحاف شديد لحقوق المخترع فكيف يتم تقييمه طبقا لمعايير دولية دقيقة وموحدة ويتم حمايته طبقا لمعايير مادية محضة تتوقف علي قدرته علي سداد الرسوم في عدد من الدول دون غيرها.  ومن المشكلات الهامة التي تواجه المخترعين وتضع القصور في منظومة الاختراعات العالمية التي هي أساس تقدم البشرية عدم وجود مكاتب براءات في العديد من الدول كما أن منظومات الحماية تختلف من دولة لدولة حسب نظمها السياسية والاقتصادية والقوانين الوضعية المتبعة.

إن النظرة المستقبلية لرفاهية البشرية وتطور اقتصادها المعرفي يجب أن تشمل في المقام الأول أليه عالمية للتعامل مع الاختراعات والابتكارات وبرامج الحاسوب في كافة أصقاع المعمورة تكفل حرية وحماية الإبداع لكل البشر أيا أن كانت جنسياتهم أو دياناتهم أو انتماءاتهم العرقية فلقد أصبحنا في ظل نظام العولمة نحيا في عالم صغير وان ترامت أطرافة يسعى لهدف واحد إلا وهو النمو المتسارع لاقتصادياته في ظل تطور الابتكارات والاختراع.

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles