التفكير الرغبوي

كان الإغريق يعتقدون بأن الأجرام السماوية تدور حول الأرض بمدارات كروية تامّة. وهذا الاعتقاد ذو منزع جمالي، فالشّكل المستدير هو أكمل الأشكال وأكثرها تماماً، الأمر الذي يحقّق أقصى تناغم مع الكوسموس بحسب الفلسفة اليونانية القديمة، وظلّ هذا الاعتقاد سائداً في الفيزياء الكلاسيكية إلى أن جاء يوهانز كبلر في القرن السابع عشر وأثبت أن مدارات الكواكب إهليجية يظهر في طرفيها قليل من الانبعاج أو التفلطح (باستثناء كواكب الزُّهرة ونبتون وبلوتو التي تتمتّع بمدارات دائرية تقريباً).

 

ينساق البشر طبيعياً إلى الاعتقاد بصحّة تلك المقولات التي تتناغم مع إحساسهم بالجمال أو تنسجم مع خبراتهم العاطفية وهو ما يدعى في الأوساط العلمية والفلسفية بمغالطة التفكير الرغبوي أو التفكير الرغائبي أو التفكير بالتمنّي (wishful thinking)، ومعناه اتخاذ آليّات تفكيرية تعمد إلى نِشدان العاطفة وتحفيز الرّغبات الداخلية بدلاً من التفكيرعلى أسس منطقية وعقلية وعلمية (أو باختصار : أنا أتمنى أن س صحيح إذن س صحيح) والصواب هو (س صحيح لأن الأدلّة والبراهين تشير إلى أن س صحيح).

 

كثير من النظريات التي تتلقاها المجتمعات العلمية بالقبول هي بمثابة صدمات وجودية متتالية تخلخل يقينيّاتنا الكبرى وتنبئنا بتغيّر حادّ في موقعنا بالنسبة إلى الكون وأحداثه، صدمات تنقلنا من نقطة المركز إلى أي نقطة أخرى على الكوكب، وتنقلنا من مستوى الذّات إلى مستوى الموضوع، مثلاً نظرية كوبيرنيكوس في مركزية الشمس التي أزاحت الأرض من مركزها، ونظرية دارون في التطوّر تعزو سائر التنوّعات الحيوية التي يعمر بها كوكبنا إلى سلف مشترك واحد وتضع البشر في نفس المرتبة التطورية مع باقي الأنواع فلسنا أسياد الكون كما نعتقد، ونظرية فرويد إذ ترجع كلّ تصرفات الإنسان وسلوكيّاته إلى طبقات تحتية من اللاوعي واللاشعور.

 

ختاماً أقول إن الحقائق تتوضّع في انعزال مطلق عن تقييماتنا الجمالية ولا تعبأ بالتحسين والتقبيح إطلاقاً، الحقيقة هي الحقيقة مهما كانت صادمة وبشعة وجافّة، والوهم هو الوهم مهما كان مطمئناً ومريحاً ومدغدغاً للمشاعر وباعثاً للأحلام والمُنى والوعود الكاذبة.

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٥٤ ص - Salma karam
يناير ١٧, ٢٠٢٢, ٢:٢٢ ص - Bayan Adel
نوفمبر ٢١, ٢٠٢١, ٨:١٠ ص - MOHAMMAD AJWAD
نوفمبر ١٤, ٢٠٢١, ٨:٠٧ ص - MOHAMMAD AJWAD
About Author