الشخص الأخير على سطح الأرض

فتح عينيه معًا، كان في العادة يستيقظ رويدًا رويدًا ريثما يستوعب كينونته ويتذكر كل شيء، لكن هذه المرة كانت مختلفة، لقد أضاءت عيناه فجأة، وحين فتحهما أحس بصداع فظيع يطرق على رأسه، تآوه واتكأ ليجلس على الأريكة..نظر حوله بطريقة بطيئة محاولًا إبتلاع المشهد، كانت شقته كما هي، بطلائها المتقشر وهيئتها الرثة لسبب ما كان سعيدًا بذلك لكنه سرعان ما كشر باستغراب، يذكر جيدًا أنه ترك التلفاز يعمل ليلة أمس حين غط في نوم عميق دون أن يدرك ولا أحد يعيش معه بالشقة.

همهم مع نفسه ثم حرك كتفيه دون اهتمام، ربما قام بإغلاقه ونسيّ ذلك، بخطواتٍ رتيبة وخالية من الحماس اتجه ناحية الحمام راغبًا في الإنتعاش بتأثير المياه الباردة، حين خرج وشعره يقطر بللًا بدأ يستوعب في أمرٍ غريب. كان هنالك شيء ناقص في الصورة التي يراها أمامه لكنه لا يستطيع أن يضع إصبعه على موضع الإختلاف، مرة أخرى حرك كتفيه دون اكتراث وذهب إلى المطبخ، تناول كرتونة الحليب من باب الثلاجة ليغلقها بقدمه، رفعها عاليًا ثم شربها كلها بنفسِ واحد..ليس هنالك أفضل من الحليب بعد حمامٍ بارد، بالنسبة له كان ذلك قمة الرفاهية، ركل العلبة بتسديدة دقيقة لتسقط بداخل سلة المهملات، ابتسم مع نفسه وخرج نحو الصالة، في اللحظة التي وضع قدمه خارج المطبخ، سقط الاستيعاب فوق رأسه، عاد بسرعة وفتح باب الثلاجة، أغلقه، فتحه، أغلقه مجددًا ثم فتحه. كما توقع، كانت الإضاءة فيها لا تعمل، لا بل إن الكهرباء لا تعمل في المنزل كله..هذا ما كان يبدو غريبًا إذن.

حدث نفسه بفتور وبعثر شعره، كان متأكدًا بأنه قام بدفع فاتورة الكهرباء لهذا الشهر، فكر في إحتمالية كونه عطل ما وزفر بإنزعاج، هو لا يملك المال الكافيّ لمثل هذه الأحداث الغير المتوقعة!

منزعجًا ركل الهواء أمامه ليتناول ساعة يده ومحفظته ثم يهم بالخروج من الشقة، صفع الباب خلفه بقوة وركض في الدرج، ما إن وصل الشارع حتى خفف من سرعته وصارت خطواته متباطئة، مرة أخرى باغته ذلك الشعور مجددًا، هنالك خلل في الصورة..هذه المرة لم يستغرق الكثير من الوقت لمعرفة الخطب، فالشارع كان خاليًا من السيارات بل حتى المارة، كان العالم صامتــًا تمامًا لا شيء يسمع سوى صوت أنفاسه، يشهق ويزفر، يشهق ويزفر، حذائه يضرب الأرض والرياح تعبث بشعره الطويل.
بدأ الدندنة باغنية ما حتى وصل إلى وجهته، سوبر ماركت في زاوية الشارع، كان الباب مفتوحًأ وهذا أمر غريب فمن المفترض أنه يملك النسخة الوحيدة من المفاتيح، دخل إلى المحل بحذر وهو يمشي دون إصدار أي صوت، كانت المفاجأة أنه كما هو، لا شيء سُرق أو حُرك، فقط الباب مفتوح، كما أنه كان خالٍ كذلك.
ما خطب العالم اليوم؟
سأل نفسه أخيرًا بعد أن غاص الإدراك في عقله عميقـًا، هل أعُلن في الأخبار بالأمس أن إعصارًا أو نيزكـًا سيضرب المدينة لهذا نزح الجميع خارجها؟ ...قلب عينيه على غباء الفكرة وأخذ موقعه خلف الكاشي، أخرج من جيبه هاتفه وصندوق علكة ليتناول منها واحدة بنكهة الفراولة، كعادته بعدها ضغط على قناة الردايو في هاتفه لكن لا صوت خرج سوى خشخشات مريبة، قطب، أغلق التطبيق ثم فتحه مجددًا ولكن لا فائدة ما يزال صوت الخشخشات الرتيب هو كل ما يصدر منه، حاول تغيير القناة لكن النتيجة كانت واحدة، أغلقه وزفر لاعنـًا حظه السيئ، نهض من كرسيه وإتجه نحو الباب، كان الشارع على حاله، خالٍ تمامًا ويبعث على الريبة.
وقف هناك يتأمل الفضاء الممتد أمامه ليتذكر أمرًا ما. فبالأمس، حين غط في النوم كان يشاهد في فلمٍ عن رجلٍ يستيقظ صباحًا ليجد نفسه وحيدًا على سطح الأرض. ابتسم، فقد راقت له هذه الفكرة كثيرًا، عاود الجلوس في مقعده خلف الكاشير ثم أخرج دفترًا..
شرع بعدها في كتابة قائمة بالأشياء التي يرغب في فعلها، بدءًا من غزوه لإحدى محلات التسوق الكبيرة وأخذ ما طاب ولذ له.
قهقه، شاعرًا بالنشوة، لطالما كان يحلم بإمتلاك جزيرة معزولة في المحيط الكاريبي ولكن لا يبدو أنه يحتاج إلى ذلك بعد الآن. فهاهي الحياة تبتسم له...
وهاهو يتقبل هديتها بإمتنان.

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author