المشهد التونسي بين شعبوية البطن و شعبوية العقل

 

 

 

 

 

 

 

 

المشهد التونسي 

بين شعبوية العقل و شعبوية البطن 

 

 

مقال للكاتب

محمد المطماطي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

13 أكتوبر 2019

 تونس إنتخب رئيسها الجديد

قال الشعب كلمته 73% من الناخبين صوتوا لقيس سعيد رئيسا للبلاد مايقارب ثلاثة ملايين ناخب نصر ساحق نزل على اثره الشعب في كامل انحاء البلاد احتفالا ، نصر أعتبر عند الاغلبية نصر للثورة بداية تحقيق لاهدافها التي كادت تندثر مواصلة المسار الثوري عزل و إقصاء للمنظومة السابقة عقاب لمن تداول السلطة نعم هذا أمر رائع حدد الشعب مصيره عاقب من يجب معاقبته و ثار بالصندوق هذه المرة لكن هل هذا النصر فعلا لبنة أخرى في بناء هذه الديمقراطية الناشئة ؟ دعنا ندرس هذا النصر من زاوية أخرى نصر يعتبر ساحق ما يقارب ثلاثة أرباع أصوات اجتمعت على شخص الرئيس الجديد احتفلات النصر التي قامت في كامل انحاء البلاد من شمالها إلى جنوبها التي أعادت إلى انظارنا مشاهد 2011 هتافات الجماهير مناشدتها مدحها و ربما اجلالها للرئيس الجديد اعتبره البديل و استمرار الثورة اعتباره الخيار الامثل النظر إليه بصفة المنقذ هو الرجل المستقل الوطني الذي لم يتحزب يوما و عاش بين الناس هو الفقير نظيف اليد و التاريخ الذي لم يتواطئ في منظومة الستون عاما قد يكون أغلب هذا الكلام صحيح لكن دعنا ندرس خطاب الرجل من جهة أخرى فخطابه هو الذي أدى إلى نظرة الجماهير هذه منذ البداية اجزم الرجل أنه متزهد في السلطة انما هو نداء الواجب الذي دفعه إلى الترشح جعل من نفسه الفقير الذي يهتم بالآلام الفقراء المثقف الذي يعلم مشاغل المثقف و اهتماماته الموظف الأستاذ المعلم الذي اشتغل في قطاع التعليم الملم بمشاكل القطاع بجمبع مستوياته العالم بوضع المعلم و المتعلم الثوري الذي يطالب و يطمح و يعمل على تحقيق اهداف الثورة و استكمالها النخبوي المتكلم بعربية صحيحة و نطق سليم وكلام قد يبدو للبعض صعبا لا يفهم فيخلق الاعجاب بمتكلمه هكذا صور نفسه لنا هكذا جعل من نفسه شعب في جسد واحد هكذا استفز مشاعر التونسي البسيط المتعلم و المثقف و الففير هكذا جعل الجميع يجتمعون عليه بعد أن استفز مشاعر الناس بشعارته و حبه للشعب و البلاد باصراره على إرادة الشعب و حكم الشعب و هكذا أيضا استفز ذكاء التونسي بكلامه الصعب للبعض و الدال على الثقافة و العلم و المعرفة الا متناهية فيخلق الإعجاب الإحساس بأن قائله أعلى و أسمى و أذكى نعم هذا ماقام به قيس سعيد في حملته الانتخابية هكذا روج سعيد لنفسه خطاب شعبوي يحرك المشاعر لا العقول شعبوية نخبوية هكذا خلق سعيد منهجا جديدا في الشعبوية نعم هي شعبوية نخبوية سقطت فيها النخبة و العامة جعلت من النخبوي يحس بردائته أمام هذا المتكلم و جعلت من العامة تقدس الشخص و تجله لقربه منهم فهم بحاجة لهذا القائد إبن الشعب القريب منه لكن لنجزم أن صعود سعيد صعود للشعبوية يجب أن ننظر للوضع الراهن في تونس إن كان ملائما لصعود تيار شعبوي في البلاد فالشعبوية مثل الجرثومة في جسم الإنسان تحتاج إلى وضعية ملائمة لتنشأ و تعيش منذ مايقارب تسع سنوات عاشت البلاد وضعا اجتماعيا و اقتصاديا مترديان وهو بلا شك نتيجة سنوات قبل 2011 هو نتيجة ستون عام لا ثماني سنوات إلا أنه بات واضحا في هذه السنوات فقد كان مخفيا لا يعلم به أحد مما جعل وضوحه و بروزه يمثل صدمة للمجتمع و تضاعفت الصدمة على مدى الثماني سنوات السابقة بسبب استمرار الوضع بل و تفاقمه فنسبة التضخم وصلت إلى حدود 7% البطالة بنسبة 15% نسبة مديونية 76% ومازالت في إرتفاع كل هذه المؤشرات تدل أن الاقتصاد منهك و المجتمع يعاني الفقر و الجريمة الواظحة للعيان و تردي جودة الخدمات العمومية و الوضع المعيشي كل هذه الظروف تجعلنا نتذكر ألمانيا الثلاثينات و روسيا القيصيرية سنوات الحرب العالمية الاولى ايطاليا العشرينات كل هذه البلدان مرت بما نحن فيه نعم وربما اتعس و كلها شهدت صعود تيارات شعبوية و أسست إلى دكتاتوريات هذه المرحلة من تاريخ أي شعب في التاريخ هي مرحلة البحث عن فارس منقذ و مخلص قائد و زعيم وطني فهي مرحلة مليئة بالخوف الخوف ليس من الدولة و السلطة فقد فقدت هيبتها إنما خوف الشعب على نفسه و بعض مكتسباته التي ناضل عليها و ضحى في سبيل تحقيقها فيكون أول مخاطب للشعوب حول مخاوفها و ممثلا نفسه حاميا للشعب و مقدراته و ثروته و ثورته يكون زعيم الأمة و قائدها آنذاك و منقذها في نظر الجماهير و أكبر برهان على أن تونس في مرحلة الشعبوية و تأليه الحاكم و صناعة الدكتاتور بتمجيده و مدحه و الثناء عليه و على خصاله و هذا ما تعيشه تونس هو الفائز الثاني في الدور الأول كذلك نجح بسبب الشعبوية و هذا واضح للجميع فكان الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية بين قوتين شعبويتين شعبوية نخبوية انتصرت لشمولية خطابها الشعبوي و شعبوية صوت لها ربع الناخبين وهو رقم ضخم كذلك مليون ناخب إلا أنها فشلت فالقروي لم يجعل من خطابه يلمس جميع الاطياف كما فعل سعيد و في الحالتين هو انتصار للشعبوية و ربما بناء لدكتاتورية بأوصاف مغايرة عن سبقاتها محترمتا للدستور و قانون الاغلبية دكتاتورية شرعية أسست على الشعبوية ككل الدكتاتوريات و جماهير بالملايين تحي و تقدس و تجلل و تعظم الحاكم المخلص و هذا ما شاهدناه منذ بداية صعود سعيد و حتى نصره فتونس إذا صارت في بداية دكتاتورية جديدة دكتاتورية الاغلبية الوجه المظلم للديمقراطية حيث خلق الوضع المناسب لصعود مثل هذا التيار و بدأت أصوات الشعبوبة و الديماغوئية تبان و تتصاعد فإنتخابات بين قوتين شعبويتين و نصر بالاغلبية المطلقة و تعظيم و تمجيد للحاكم الجديد من كل أنحاء البلاد و بدأ شعب يصنع دكتاتور آخر بمواصفات أخرى فيكفينا تشخيصا و خلقا للحاكم النرجسي المتفرد فعلى الشعب أن يكف عن تغذيته لنرجسية الحاكم و ليبدء هذا الشعب في تحديد مصيره و بناء بلاده بالعمل فهو صاحب الحل و العقد

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author