تجليات الحزن في شعر تيسير السبول

سيرة الشاعر تيسير السبول

ولد الشاعر الأردني تيسير سبول في 23 من كانون الثاني عام 1939م، في الطفيلة، الواقعة في جنوب الأردن، تحديداً في صحرائه التي تتميز بكثرة ينابيعها، كان عدد أفراد عائلته كبيرةً، وقد تزوج والده ثلاث نساء، وكانت أمه هي من أنجبت العديد من الأبناء، درس الابتدائية في الطفيلة بامتياز، ثمّ أنهى الثانوية في مدرسة كلية الحسين بعمان عام 1957م، كانت توجهاته الأدبية تنبثق رويدًا قبل دخوله إلى جامعة دمشق لدراسة الحقوق، فقد كان يكتب القصة القصيرة وقصائده الغزلية وينشر أعماله في مجلة الحائط، وقد كانت ميوله إلى السياسة أيضًا تتجلّى عليه، خصوصاً شعوره بالانتماء والولاء لوطنه، وفي هذا المقال سيعرض تجليات الحزن في شعر تيسير السبول.

أعمال الشاعر تيسير السبول

عاش الشاعر تيسير السبول في دمشق حياة مليئة بالتجارب التي تفيض بالأحداث، حيث إنه انتسب لحزب البعث ثم انسحب منها لعدة أسباب، كما أنّه قد تزوّج من الدكتورة مي اليتيم، وأنجب منها طفلين، وفي عام 1963م سافر إلى البحرين مع زوجته ليحصل على وظيفة له غير أنّ الإقامة لم تُرقْ له فعاد إلى الأردن، وعمل في مكتبة الجامعة الأردنية لمدة وجيزة، إذ ارتحل إلى المملكة السعودية ليجد فرصة عمل في إحدى المصارف هناك، في عام 1964م عاد إلى الأردن لينضم في عمل بالإذاعة، ثم استمرّ في تقديم برنامجٍ أدبيٍّ له الذي سمّاه بالجيل الجديد، تعرّف على العديد من الأدباء الذين عملوا معًا في الإذاعة، كما صدر فيها ديوانه أحزان صحراوية، وعمل في كتابة القصص والمقالات الإذاعية، ونشر روايته الوحيدة أنت منذ اليوم عام 1968م التي فازت بجائزة الجريدة لأفضل رواية تعالج الواقعة المريرة، ففي صبيحة الخامس من حزيران عام 1967م، وقعت تلك الواقعة وسقطت الضفة الغربية، بما فيها الجولان وسيناء في أيدي جيش الاحتلال الصهيوني، حيث تسببت الهزيمة بإصابة الأمة العربية صدمة وجدانية لا تشفي غليل الشاعر تيسير السبول، فضلًا عن احتواء الشاعر تيسير سبول بالمشاعر الثورية والقومية الجياشة التي كانت تتدفق في عروقه وجبينه، فقد كان السقوط بمثابة نهاية حلمه وآماله الكبرى، ليصبح غريبًا بلا ملامح، لا يدري ما البداية وما النهاية، ويتراءى له الشيء الوحيد وهو النهاية التراجيدية: أنْ ينتحر.

تجليات الحزن في شعر تيسير السبول

يبدأ استعراض تجليات الحزن في شعر تيسير من خلال قراءة ديوانه الشعري أحزان صحراوية، وعليه، فإنّ الشاعر يستهلّ بقصيدته المسماةُ بـ "مرحبا"، إذ يقول في مطلعها:

 رغم أنّ الحبّ ماتْ

 رغم أنّ الذكريات

''لم تعد شيئًا ثمينًا''

ما الذي نخسرُ إنْ نحن التقينا؟

ابتسمنا وانحنينا

 وهمسنا: مرحبًا....

''ومضينا''..

يعبّر الشاعر فيما سبق عن حبّه الذي انتهى بالموت، يائسًا حزينًا وغير مبالٍ عن الذكريات التي لم تعد شيئًا يذكر، ويستفهم نفسه بطريقة لا توحي بأنه يكترث عن هذا الحب الذي وصفه بأنّه قديم، وكان مجّرد خرافة، إذ يقول الشاعر:

''نحن كفنّاه بالصمت''

لا يقصد الشاعر الكفن هنا بالغطاء الذي يلبسه الميت حين تقوم جنازته، وإنما قصد الإيحاء الذي يتعلق بالشعور إلى الفقدان الجذري الأبدي الذي لا نظير له في نفسه سوى الموت، وتلا الفعل كلمة الصمت، أي: جثّة ميتة لا تتكلم ولا يصدر منها صوتًا أو ساكنًا، ويمكن أن تكون الضغوطات النفسية التي تعكّر مزاج الشاعر ليحوّل حبّه إلى كتلة من الصمت.

وفي قصيدته ثلاث أغنيات للضياع، يقول فيها ت.السبول:

 ظلام

عيناك ظلام

عيناي ظلام

عبثٌ أنْ نصنع ضحكتنا

ما جدوى - ما جدوى البسمهْ؟

والقلب تغلّفه الظلمهْ

إن الإحباط والقنوط الذي يعيشه الشاعر؛ يصفه باللون الأسود، أي: الظلمة، التي تحجب ضوء الشمس فلا ينير التفاؤل الأبيض النقيّ بيئة الشاعر، معناه أن الليل لا ينجلي ولا يأتي النهار عليه، ويعتقد الشاعر أن الابتسامة لا طائل لها لقلب يحيطه العتمة، ولا تتركه الكآبة والضبابية المتجهمة، فهذه الكلمات جاءت تعبر عما يختلج الشاعر من الحزن الشديد، فقد غزاه من كل جانب، حيث إنّ طموح الشاعر وآماله كانت تسعى لما هو أسمى، مهرولاً وراء حلم عظيم، وعندما تلاشى سعيه أراد الموت، إذ لم يجد من بعده معنىً لوجوده! فيقول في قصيدة من مغترب:

 صديقتي

كل العيون هاهنا حزينهْ

فالحزن قد غزا المدينهْ

جنوده الأقزام قد تسلقوا البيوت

وحطّ في آفاقنا سكوت

تشي الوجوه هاهنا

بأننا نموت

لا تشفقي - صديقتي

يقتاتُنا السأم

برقةٍ ودونما ألَم

كما يقول الشاعر في قصيدته التي سمّاها بالرّعب:

 - ياليت الليل بدون نهار

- نخب الورعين مع الكفار

- فرغ الكأس

وتداعت جدران في الرأس

هنا يمكن التخييل لصورة الشاعر وهو في حالة الانهيار والتراكم؛ الإحساس الذي يتأتى بعدما يصير مخمورًا واحتسائه الكأس إلى أن يصبح فارغًا، ورأس الشاعر يضجّ بآلام الصداع، وقد ادّعى بأنها كالجدران التي لا تتحرك، وهذا يدل على أن ألمه لا نهاية له، إلّا بموته، ليكون آخر أبياته الشعرية الوداعية التي قالها قبل انتحاره، منها:

''سأسقط، لا بُدّ، يملأُ جوفي الظلام''!!

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author