رَسَائِل الْأَيَّام لِبَعْضِهَا

رَسَائِل الْأَيَّام لبعضها  

 

 

كَانَ الْيَوْمُ متململا ضَائِق الصَّدْر فَاقِد لحيويته ضَجِر ،

يَغْلِبُه النُّعَاس رَغِم أَنَّهُ فِي سَاعَاتُه الْأُولَى 

 وإذا بساعي الْبَرِيد يُدَس لَهُ مِنْ تَحْتِ البابِ رِسَالَة ،   

دَبَّ فِي جَسَدِهِ بَعْضًا مِنْ نَشَاط ، ذَلِكَ الَّذِي ينتاب الشَّخْص 

 حين يَرَى شَيْئًا مغلفا كَطِفْل يُحَاوِل تَخْمِينٌ مَا بِدَاخِلِهِ 

 وإحيانا فُضُولِه يَدْفَعُه لفتحه وَمَعْرِفَة محتواه أَمْسَك الظَّرْف وَقَام بتقليبه وَإِذَا بِعِبَارَة تَقُول رِسَالَةً مِنْ الْأَمْسِ ! ! !

 تعجب الْيَوْمَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تُوَاصِل بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الأمْس الْغَائِب وتسائل ياترى مَاذَا كُتِبَ لِي ذَلِكَ الأمْس 

 الذي لَم يَرَانِي وَلَم يعرفني قَطّ ؟ ! ! 

 فتح الرِّسَالَة وَبَدَأ يَقْرَأ ، 

 إلى الْيَوْم : 

اعْلَمْ أَنَّك تتعجب مِن بقاياي هُنَا فِي بِضْعَ كَلِمَات 

 ولكن لَا تُعْجَبْ سيمر بِك ذَات الْأَمْرُ الَّذِي عشته وغبت عَنْهُ وَاعْلَمْ أَنَّك ضَجِر وتحاول أَنْ تُحَدِّثَ تَغَيُّرًا مُخْتَلِفًا عَنِّي ، 

 تحاول أَنْ تَبْحَثَ عَنْ وَسَائِل تَقْضِي بِهَا تِلْكَ ٢٤ساعة وَأَنْت راضِي عَنْ نَفْسِك ، وَلَكِنْ يَا نُسْخَتِي الْمُكَرَّرَة مَعَ اخْتِلَافِ بَعْض الرتوش سَوَاءٌ رَضِيتُ عَنْ نَفْسِك أَوْ سَخِطَ عَلَيْهَا أَنْت مَاضِي لَا مَحَالَةَ وسيحل محلك غَد جَدِيدٌ وَهُوَ بالأساس يَوْمٍ مُكَرَّرٍ 

 ولكن يَخْدَعَ نَفْسَهُ بِالْأَلْقَاب والنعوت ، 

أَخْبَرَنِي هَل اخْتَلَفَت دقات الثواني  

أَوْ صَوْتَ نبضات السَّاعَة أَوْ الشُّرُوق وَالْغُرُوب ، 

اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، أَظُنُّ أَنَّ الْوَضْعَ كَمَا تَرِكَتِه وَسَيَبْقَى بَعْدَ أَنْ تَتْرُكَهُ أَنْتَ كَذَلِكَ ، 

نَحْنُ يَا شبيهي لَا نُحْدِثَ تَغَيُّرًا وَلَا نتغير نَحْن زَمَن ثَابِت 

 أولئك الَّذِي يتسابقون مَعَنَا هُمْ مِنْ يغيرهم الزَّمَن 

 رغم تَشَابَه تِلْك التغيرات مَات وَوَلَد ، أَكَل وَجَاع ، مَرَض ، وَشَفَى ، سَافَر ، وَسَكَن ، حُزْن وَفَرِح ، دَرْسٌ وَجَهِل ، نَجَح وَفَشِل كُلُّهَا تُعِيد ذَاتِهَا وَتَتَكَرَّر وَلَكِن يَخْتَلِفُ مِنْ يَأْتِي لِيَسْكُنَهَا تَمَامًا كَمَا حَدَّثَ مَعَك . 

 الجديد وَالْأَوَّل وَالْبِدَايَة لَدَى أَحَدُهُم قَدِيمٌ وراحل ومنتهي لَدَى الْآخَر ، الْفَرْقَ أَنَّ أَحَدَهُمْ سَبَق الْآخَرِ فِي الْمَسِيرِ وَتَلَاه الْآخَرِين تَمَامًا كتلاحقنا كَأَيَّام خَلْف بَعْضُنَا نُدُورٍ فِي ذَاتِ الدَّائِرَة ونظن أَنَّ هُنَاكَ جَدِيدٍ لَا أُرِيدُ أَنْ أصيبك بالتشاؤم 

 ولكنها الْحَقِيقَة تِلْكَ الَّتِي يَهْرُب مِنْهَا الْجَمِيعِ لِأَنَّ فِي مواجهتها فَقَد الشَّغَف فِي إكْمَالِ المشوار ،   

لَا أَعْلَمُ لِمَاذَا أَكْتُبَ لَك تِلْكَ الْكَلِمَاتِ فِي دقائقي الْأَخِيرَة وَلَكِنِّي كُنْتُ بِأَمْس الْحَاجَة لِتَرْك مَا تَوَصَّلَت إلَيْهِ مِنْ إستنتاجات 

 فالكتابة تَمْنَحُنَا فِرْصَة تَدْوِين تجربتنا مَعَ آخِرِ مَشَاعِر لَنَا فِي الْوُجُودِ ، فالأموات لَا يَسْتَطِيعُونَ سَرْد تجربتهم مَعَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُمْ لَا يَعُودُونَ أَبَدًا ، لِذَلِك بَقِيَتْ تِلْكَ الضَّفَّة مُعْتَمَّة الْمَلاَمِح نُحَاوِل فَقَط تَخَيَّلَهَا رَغِم أَنَّ مَنْ غَيْرِ الْمُمْكِنِ تَخَيَّل مَالًا تُعْرَف وَمَا تَجْهَلُه تَمَامًا !  

كُلُّ مَا أنْصَحُك بِهِ لَا تَفَكَّرَ كَثِيرًا وَلَكِنَّ فَقَط عِش كَثِيرًا وَتَمَتُّع بدقائقك الَّتِي لَا تَعُودُ وَلَا تَفَكُّرٍ بِي ، وَبِمَا سَيَأْتِي بَعْدَك 

 لانك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ فَإِنَّك لَا تِحْيَى سَاعَاتِك أَنْتَ بَلْ تَجْعَلُهَا امْتِدَادًا لِي أَوْ تَخْطِيط لِغَيْرِي ،   

أَرْجُو أَنْ تَأْخُذَ كَلَامِي عَلَى مَحْمَلٍ الجِدِّ وقد( قِيل أَسْأَل مُجَرَّب وَلَا تُسْأَلُ طبيب) 

 اتمنى لَك أَوْقَات مُمَتَّعَة إلَى أَنْ أَلْقَاك ، نسختك الْقَدِيمَة الأمْس . 

تَسَمَّر الْيَوْمَ مِنْ رِسَالَةِ الأمْس ،

 وبدأ يَدُورُ عَلَى نَفْسِهِ ويتسائل إنْ كُنْت أَنَا هُوَ

 ولكن بِزَمَن مُخْتَلَفٌ وَمَنْ سَيَأْتِي بَعْدِي أَيْضًا أَنَّا بِزَمَن مُخْتَلَفٌ فَلِمَاذَا نجزء مِنْ بَعْضِنَا لِمَاذَا نشتت ؟ ؟ 

لِمَا لَا نَكُونُ سَرْمَدا لِلنِّهَايَة بتعاقب لَيْلٍ وَنَهَارٍ ؟ ؟ ! ! ! 

 هل نَحْن هَكَذَا فَقَط لقوانين الْحِسَاب وَمَعْرِفَة الْمُدَّة أَلْزِمْنِيه الَّتِي يَقْضِيهَا كُلُّ إنْسَانٍ وَكُلُّ كَائِنٌ حَيّ هُنَا ! ! ؟ 

 أم لإتاحه فِرْصَة أَنْ يَخْدَعَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ بغدا يَوْم جَمِيل

 او غَدًا إنَّا لَنْ أَكُون كَالْأَمْس ! ! 

وَلِكَي يَمْحُو أَيَّامِه بأيامة كَوَهْم مِنْهُ أَنَّهُ بَدَأَ مِنْ جَدِيدٍ ! 

وَكَأنَ أَمْسِ لَمْ يَكُنْ ! ! ؟ وَكَيْفَ ذَلِكَ وَكُلُّ إنْسَانٍ هُوَ نِتَاج أَيَّامِه وَصَنَع أَمَسَّه وَلَوْلَا الأمْس لَمَّا كَانَ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ ! ! !   

هَل حِين يَبْدَأُ مِنْ جَدِيدٍ يَسْتَرْجِع تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي مَضَتْ فِي عِدَادِ عُمْرَة ! ! 

أَمْ هِيَ ذَهَبَت وَلَن تَعُود وَاحْتَسَبَت كَثَمَن لِمَا تَعَلَّمَهُ مِنْهَا وعاشه فِيهَا مِنْ سَاعَاتِ ! !   

أَيُّهَا الأمْس لَقَد أَدْخَلَتْنِي بمتاهات مُتَفَرِّقَة 

 ما كَانَت رِسَالَتَك تِلْك نَصِيحَة بَلْ كَانَتْ صَفِيحَة ساخنة تتكوى ساعاتِي عَلَيْهَا ! !   

لاَبُدَّ أَنْ أُضِيفَ عَلَى تجربتك لَا أُرِيدُ أَنْ أُعِيد كِتَابِه ذَات الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَرْسَلْتهَا لِي لأبعثها لنسختنا المحسنه (الغد ) ! 

 سوف الْحَقّ رِسَالَتَك بِمَا أَوَدّ أَنْ أَكْتُبَ لِلْغَد لِكَي يُسَجِّل هُو بِدَوْرِه رِسَالَتِه الْجَدِيدَة لِمَا يَلِيهِ . 

 إلى الْغَد : 

إنِّي أَسْمَعُ عَنْك كَثِيرًا ، وَلَم ألتقيك قَطّ ! 

لَقَدْ قِيلَ لِي إنَّنِي كُنْت فِي أَحَدِ الْأَيَّام ذَاك الْغَد ، 

 وحين وَصَلَت كُنْتُ يَوْمًا لَا أَحْمِل لَقَبٌ الْغَد وكأننا نطرد 

 خلف سَرَابٌ كُلَّمَا اقْتَرَبْنَا مِنْك اِبْتَعَدْت ، 

وجميعنا لَقَبٌ بِك ماعدى ذَلِكَ الْيَوْمِ الاول  

الَّذِي تواجدنا فِيهِ عَلَى وَجْهِ الزَّمَان ، 

لَقَد أرفقت مَع كلماتي رِسَالَة أَرْسَلَهَا الأمْس لِي 

 وودت اطِّلَاعِك عَلَيْهَا لِأَنَّ عَلَى ضَوْءُهَا سَوْف اُكْتُب كلماتي الْأَخِيرَة لَك لَمْ أَكْتُبْهَا فِي آخِرِ ثَوَانِي تواجدي عَلَى حِسَابِ الزَّمَنِ بَلْ تَعَمَّدَت أَنْ أَكُونَ فِي وَهَجِ ساعاتِي فِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ إِنِّى هُنَا لَا أَشْعُرُ بِالْخَوْفِ مِنْ قَرُبَ الرَّحِيل لِأَنِّي حِين لَفْظُه أَوَّل ثَوَانِي كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ بِدَايَة يَعْقُبُهَا نهاية  

وَكُلّ نِهَايَةٌ تَلِد بِدَايَة وَهَكَذَا ، 

لَقَدْ قَالَ الأمْس أَنَّنَا متشابهون وَلَا أُنْكِرُ كَلَامِه 

 ولكننا نَخْتَلِف لَيْس بِالسَّاعَات بَلْ بِمَا يَدُور بِنَا مِنْ أَحْدَاثِ تَصْنَع اخْتِلَافًا لِزَمَن أَخَّرَ رُبَّمَا ايقاعنا السريع ، 

 يجعلنا نَشْعُر أَنْ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَنَا وَلَكِن أَمْس قَبْلَ سَنَةٍ يَخْتَلِفُ عَنْ الْغَدِ بَعْدَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ ،   

الْفَرْقَ لَيْسَ بِنَا بَلْ مِنْ خلالنا يُحَقِّق لَوْلَا فِرْصَة وُجُودَ الْإِنْسَانِ بِالْغَد لِمَا أَنْجَز لِمَا ثَابَر لِمَا تَفَوَّق لِمَا تَوَقُّد بِشُعْلَة الْأَمَل رَغِم حَرَائِق الْأَلَم قَدْ لَا نشكل فِي ساعاتنا اخْتِلَافًا وَقَد نتكررر مُنْذ آلَاف الْأَزْمِنَة والعصور وَلَكِن يَكْفِينَا أَنَّنَا سَبَبٌ لِمُسَبِّب ، وَدَافِعٌ لِغَيْرِنَا وَأَهَمّ مَا فِي الْأَمْرِ هُوَ تقيمك أَنْت لساعاتك وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَعْنِي شَيْئًا جَدِيدًا لسواك ، فَيَكْفِيَك إِنَّك تُشْعِر أَنَّ تِلْكَ الدَّقَائِقِ أَنْتَ مِنْ صَنَعَهَا وَأَنَّهَا جَدِيدَةٍ لَمْ يَسْبِقْ لِأَحَدٍ أَنْ عَاشَهَا إِلَّا بِكَ وَمَعَك وَفِيك ، الْإِمْضَاء نسختك السَّابِقَة الْيَوْم وَاَلَّتِي حِين ستستلم الرِّسَالَة سَتَكُون الأمْس !   

وَكَان الْحَيَاة بمجملها عِبَارَةٌ عَنْ رَسَائِل مُتَبَادَلَة مابين كُلُّ أَرْكَانِهَا ومكوناتها مِنْهَا مَا يُكْتَبُ وَمِنْهَا مَا يَسْتَشْعِر !

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٨ ص - عاهد الزبادي
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١١:٠٠ م - Mohamad Choukair
ديسمبر ٩, ٢٠٢١, ٣:٣٢ م - بلقيس محمد
نوفمبر ٢٥, ٢٠٢١, ٤:٥٨ م - وريد فواز
About Author