زيارة متحف

 

 

 لَقَد وَجَّهْت لِي دَعْوَةٌ مِنْ صَدِيقِهِ مَقْرَبَة

 

 لِزِيَادَة مَتْحَف مِنْ نَوْعِ خَاصٍّ فَهِيَ تَعْلَم جَيِّدًا كَم أَهْوَى تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَكْتَرِثُ لَهَا أَحَدٌ وَلَا يلاحظها أَحَدٌ ، تِلْكَ الْأُمُورِ الْبَسِيطَة والعَفْوِيَّة الَّتِي أَجِدْ فِيهَا الْكَثِيرِ مِنْ الْعُمْقِ الَّذِي لَا يَرَاهُ الْآخَرِين ، تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي تَتَمَثَّل فِي ذَلِكَ البُرْعُم الصَّغِيرِ الَّذِي يَلْتَقِطُ أَوَّل أَنْفَاسَه فَوْقَ سَطْحٍ الأَرْضِ ، تِلْك الفراشة الَّتِي تَدَاعَب وجنات الزَّهْرَة ، تِلْكَ الْقَطْرَةُ الَّتِي تتزحلق عَلَى سَطْحٍ البتلات ، تِلْك الْوَرَقَةِ الَّتِي تتمرجح عَلَى كُفُوفٌ الرِّيح ، ذَلِك الْقَمَر الَّذِي يتلصص مِنْ خَلْفِ الظَّلَامُ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ ضَوْءَهُ يَفْضَحَه ! 

 

كَان الْمُتْحَف بعنوان( قُلُوب تَرْوِي حكاياتها) 

 

حِين إسْتَلَمْت الدَّعْوَة َسحرني ذَلِك الْعُنْوَان وَأُخِذَت أتَخَيَّل كَيْف سَيَكُون الْمَكَان ؟ ! كَيْف ستروي قُلُوب متحجرة لا حَيَاة فيها قَصَص نبضات أحاسيس كَانَت تَعْزِف قصصها ؟ ! هَل بِالْفِعْل سَأجِدٌ تَفَاصِيل الْحِكَايَات مَرْسومَةٌ عَلَى مَلامِحِ تِلْك الْقُلُوب ! ! 

 

إتصَلَت صديقتي لِتَتَأَكَّد مِنْ أَنَّ الدَّعْوَةَ وصلتني ولتعرف ماهُو قراري هَل سأتي أَمْ لَا ؟ ! 

 

صديقتي : آلُو كَيْفَ حَالُك آيَتِهَا الْوَرِيد 

 

وَرِيد : الْحَمْدُ لِلَّهِ بِخَيْر وانتي كَيْف أصبحتي ؟ 

 

صديقتي : بِخَيْر كُنْت أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَك هَل وَصَلَتْك الدَّعْوَة ؟ وَهَل ستقبلينها ؟ ! 

 

وَرِيد : وكأنك لَا تَعْرِفِين رَأْيِي آيَتِهَا الماكره انتي ارسلتي أَمْرًا أبْحَث عَنْه مُنْذُ مُدَّةٍ فَقَد شَعَرْت بجمود قَلَمِي وَأَبْحَثُ عَنِ أَمْرٍ يُعِيدُ لَهُ طَاقَتِه وَرَغْبَتَه فِي الْكِتَابَةِ ، وَعُنْوَان الْمُتْحَف سحرني قَبْلَ أَنْ أزُورُه ! وَأَرْجُو أَنْ يُحْمَلَ هَوِيِّه الْعُنْوَان ، وسأكون هُنَاكَ فِي الْمَوْعِدِ وَكُلِّيّ شَوْقٌ لِذَلِك اللِّقَاء 

 

صديقتي : كُنْتُ أَعْلَمُ وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أتأكد 

 

سَيَكُون يَوْمًا مُمَيِّزًا إلَى اللِّقَاء حَتَّى ذالك الْيَوْم الْمَوْعُود 

 

كَوْنِي بِخَيْر 

 

وَرِيد : وانتي كَذَلِك 

 

فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي سَبَقَتْ مَوْعِد زيارتي للمُتْحَف لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَنَامَ فَهَذِه عَادَتِي حِينَ يَكُونُ لَدَى مَوْعِد لَا يَهْنَأُ لِي لَا نَوْمَ وَلَا وَقْتَ قَبْلَ أَنْ أَنْجَزَه وَأرْتَاح وَلَيْس فَقَط فِي الْمَوَاعِيد الَّتِي تَحْتَاجُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ ذَلِكَ يُحَدّثُ قَبْلَ كُلِّ عَمَلٍ أُرِيد إِنْجَازِه صَغِيرًا كَانَ أُمَّ كَبِيرًا فالقلق يلازمني حَتَّى أتخلص مِن مهامي الَّتِي عَلَى قَائِمَةٌ يُومِئ ، ! 

 

ذَهَبَت دُون نَوْمٍ مِنْ أَجْلِ اللِّقَاء مَعَ الْكَثِيرِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي سَهِرَت اللَّيْل أُحَاوِل تَخَيَّلَهَا ، وَهَا أَنَا أَكْمَل التَّصَوُّرَات الْأَوَّلِيَّة للمتحف أثناء طَرِيقِي إلَيْه، وَصَلَت لِلْمَكَان الْمُحَدِّد وَنَزَلَت مِن سيارتي وَوَجَدْت صديقتي بإنتظاري عِنْد البوّابة الرَّئِيسِيَّة لِلْمَكَان ! ! 

 

صديقتي : صَبَاحِ الْخَيْرِ 

 

أَظُنُّ أَنَّكَ كَالْعَادَة لَم تَنَامِي حَتَّى الْآنَ ! ! 

 

وَريد : صَبَاح النُّور 

 

عَادَة وَطُبِع!!!! لَا جَدِيد 

 

دَخَلْنَا مَعًا للمتحف 

 

وَقَفْتُ أَمَامَ الْمَدْخَل الَّذِي يَكْشِفُ لِي مِسَاحَة كَبِيرَةً مِنْ ذَلِكَ الْمُتْحَف 

 

كَانَت الْقُلُوب موَضَوعة بِشَكْل فاتِن خَلْف زُجَاج والضوء مسلط عَلَيْهَا وَكَانَت الْأَنْوَار متفاوتة الْأَلْوَان 

 

تَقْرِيبًا كَانَ الْمَكَانُ مُزْدَحَم بِجَمِيع الْأَلْوَان بَلْ كَانَتْ هُنَاكَ إندماجات لأَلْوَان لَم يكتشف لَهَا اسْم حَتَّى الْآنَ! وَلَمْ تَعْرِفْ مَاهِيَةِ ذَلِكَ الإندماج إنْ كَانَ بَيْنَ لَوْنَيْن أَوْ أَكْثَرَ ! ! 

 

كَانَت الْأَرْضِيَّة رخاميةبيضاء لَهَا نفوش بِاللَّوْن الزُّهْرِيّ بالونين الْفَاتِح وَالْأَكْثَر عَتَمَة كَالْخُيُوط الرَّفِيعَةِ الَّتِي تَبْدَأُ وتتشابك فِي ، مَكَان لتتفرع فِي أخرِ فتلتقي فِي مَنْطِقِهِ وُضِعَ فِيهَا طَاوَلَه زجاجية لِعِرْض قَلْبِ مَنْ تِلْكَ الْقُلُوب 

 

وَعَلَى الْجُدْرَان شمعدانات اكرستالية 

 

كُنْتُ أَشْعُرُ وَأَنَا أَسِيرٌ فِي هَذَا الْمُتْحَف وكأنني فِي مَنَام 

 

كَان كَالْحَلَم الَّذِي تَجَسُّدِه الأفلام والمسلسلات بإستخدام الضَّبَاب الْأَبْيَضُ عَلَى الْمَشْهَدِ لَكِنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَكَانَ كَانَ يُشْبِهُ الغيمه مِنْ نَقَاءِ وَهُدُوء وَإنْسِجَام محتوياته مَعَ بَعْضِهَا تَنَاغُم اللَّوْن وَالضَّوْء وَالْتَحَف ! وكأن المكان فؤاد كبير يحمل في جوفه تلك القلوب! 

 

وَهَا أَنَا عَيْنٍ بِعَيْنٍ مَعَ أَوَّلِ قَلْب أَشَار لِي قَلْبِي عَلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ ، تَأَمَّلْت تَفَاصِيلَه كَانَ لَوْنُهُ يَميلُ لِلْبَيَاض وَيَنْعَكِس عَلَيْه طَيْف اللَّوْن البينك بِدَرَجَتة الخافته الَّتي توحِي لَك بالنعومه الْفَائِقَة ، ويمنحك الْإِحْسَاس بملمس الْوُرُود 

 

وَأَنَا أَبْحُر مَع مَلاَمِحِه تَغَيَّرَت ملامحي ونبرة صَوْتِي وشعرت إنِّي أمَام طِفْل صَغِيرٌ وَتَحَدَّثَت مَعَه بِذَات اللُّغَةِ الَّتِي أَتَحَدّث بِهَا مَعَ الْأَطْفَال ! ! 

 

صديقتي لَاحَظَت هَذَا الْأَمْرِ وأستغربت طَرِيقَة تَفاعُلِي وَقَالَت وَرِيد مَاذَا يُحَدِّث مَعَك ! ! وَكَأَنَّك تتكلمين مَع طِفْل وَلَيْس تُحْفَةً فَنِّيَّةً ؟ 

 

وَرِيد : شَعَرْتُ أنِّي إمَام قَلْب يُحْمَلُ مِنْ بَرَاءَةِ الطُّفولَةِ الْكَثِير وَمَن مَلاَمِحُهَا الْأَكْثَرِ لَمْ أَتَعَمَّدِ ذَلِك التَّفَاعُل هُوَ حَدَثٌ مَعِي مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ! ! كُلِّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْقَلْب يُحْمَل صِفَةٌ طُفُولِيَّة حَتَّى الْأَلْوَان تُشْبِه مَلْمَس الْأَطْفَال ولدرجه إنِّي شَمَمْت عطرهم ! 

 

وكالعادة فِي الْمَتَاحِفِ يَكُونَ هُنَاكَ بِطاقَةٌ تعريفيه تَوَضَّح فَكَرِه النَّحَّات ومشاعره وَالرِّسَالَة الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يُوَصِّلَهَا بِهَذَا العَمَلِ الفَنِّيّ ! بالاضافه إلى حقبته الزمنه! 

 

إقْتَرَبَت صديقتي مِنْ تِلْكَ البِطاقَة وَفِي أَثْنَاءِ قِرَاءَتِهَا كَانَتْ مَعَالِمَ الدَّهْشَة تَعْلُو وتعلو مَلاَمِحُهَا 

 

فَسَأَلْتُهَا مَاذَا هُنَاك ؟ ! 

 

فَقَالَت : آيَتِهَا الْوَرِيد كَم أَن حدسك وإستشعارك لِتِلْك التُّحْفَة مبهر ومدهش ! 

 

لَقَد كُتَب فِي هَذِهِ البِطاقَة 

 

أَن النَّحَّات حَاوَل بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ مَشَاعِرِ وأحاسيس أَن يجسد الطُّفُولَة بِهَذَا الْقَلْب وَأعْتَقَدَ أَنَّهُ اسْتَطَاعَ أَنْ يَفْعَلَهَا فأنتي شعرتي بِذَلِكَ دُونَ أَنْ تطلعي عَلَى مَا جَاءَ فِيهَا ! ! 

 

َوريد : وَلَكِن ماهي الرِّسَالَةِ الَّتِي أَرَادَ إيصَالِهَا ؟ ! هَل يَعْنِي أَنَّ هُنَاكَ قُلُوب تَتَّصِفُ بِصِفَاتِ الطُّفُولَة وَلَا تَكَبَّر أَبَدًا ؟ ! أَمْ أَرَادَ أَنْ يَعَبرَ بَنا مِنْ الْبِدَايَة، مِنْ الرّبِيعِ حَتَّى يوصلنا للخريف!! 

 

أعْتَقِدُ أنِّي مُسْتَعْجَلَةٌ ومتسرعة كعادتي عَلَي أَنْ أَكْمَلَ زيارتي وَبَعْدَهَا تتضع الرَّسَائِل أَكْثَر فَأَكْثَر ! ! ! 

 

إنتقلت أَنَا وصديقتي لِمَكَانٍ آخَر َلتحفه أُخْرَى 

 

هَذِهِ الْمَرَّةِ كَانَ الْقَلْبُ مُضْطَرِبٌ الْأَلْوَان يُحْمَل اللَّوْن وَنَقِيضِه يَشِع بِاللَّوْنِ الأحْمَرِ الْمَشْرِق المتداخل مَع اللَّوْنَيْن الْأَصْفَر والبرتقالي ، أَحْسَسْت بِالْحَرَارَة وَكَأَنِّي أَقِف إمَام جَذْوَةٍ مِنَ نَارٍ ! ! ! 

 

حِين تَأَمَّلْت ذَلِكَ الْقَلْبَ لَمْ أَسْتَطِعْ تَحْدِيدٌ وَصْفٌ دَقِيق لَهُ كُنْت فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِي رَغِم سُطُوع طَاقَتِه وتوهجها لَكِن أَجِد صُعُوبَةً فِي تَحْدِيدِ صِفَةِ هَذَا الْقَلْبِ وَلَكِنْ تِلْك الْحِيرَة صِفَةٌ أساسية فِي مَرْحَلَةٍ عَمَرَيْه لِلْإِنْسَان وَهِيَ مَا يُسَمَّى السِّنّ المحير فَقُلْت لصديقتي هَذَا الْقَلْبِ الْمُرَاهِق ! ! 

 

التَّائِه بَيْنَ مُفْتَرِقٍ الطُّرُقِ يُرِيدُ أَنْ يمْشِيَ كُلِّ الطُّرُقِ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ ! ! 

 

هَذِهِ الْمَرَّةِ أَسْرَعَت صديقتي لِقِرَاءَة البِطاقَة التَّعْرِيفِيَّة 

 

وَكَأَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تكتشف الْإِجَابَة الصَّحِيحَة وهاهي تصعق للمرة الثَّانِيَة ! ! ! 

 

صديقتي : أَجَابَه صَحِيحِه كَم أنتي عَمِيقَةٌ لِدَرَجَة مخيفه

 

 وَرِيد : أَنَا لَسْت عَمِيقَةٌ لَكِنِّي فَقَط أَحَسّ بِكُلّ مِصْداقِيَّة واحاول رَبَط هَذَا الْإِحْسَاس مَعَ بَعْضِ الْمَعْلُومَات الْمُخْتَزِلَة لَدَى وَأَحْيَانًا أُصِيب وَبَعْض الْمَرَّات أَخْفَق وَلَكِنْ مَعَ الْبَشَر لاَ أَعْتَقِدُ أنِّي اِمْتَلَك تِلْك الْمَهَارَة فَهِيَ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي الْإِحْسَاس بِالْعِبَارَات َاللوحات والمنحوتات ! ! 

 

صديقتي : أوليست تِلْكَ الْأُمُورِ خَاصَّة بإحساس مِن أَبْدَعَهَا فأنتي تُصَلِّين لعمقهم مِنْ خِلَالِ إبداعاتهم ! 

 

َوأثناء حَدِّثِينَا عَنِ الإِحْسَاسِ وَصَدَّقَه وَتَوَهُّمُه ! 

 

أستدعتني تُحْفَة بَعِيدَة كَانَت منطفأة ووحيدة وَقَد لَاحَظَت مُنْذ دُخُولِي لَمْ يَتَأَمَّلْ تَفَاصِيلِهَا أَحَدٌ ، أَوْ رُبَّمَا لَمْ يلحظها أَحَدٌ ! 

 

وَقَفْت أَمَامَهَا شَعَرْت بوخزة فِي صَدْرِي ، وتسارعت نبضات قَلْبِي ، وأثْقَلَت أنفاسي ، وَشُرِعَت برغمة بالتثاؤب لَيْسَ الَّذِي بِسَبَب النُّعَاس أَوْ الضَّجَرِ بَلْ بِسَبَبِ الإخْتِنَاق وَقِلَّة الأوكسجين وغرورقت عَيْنِاي بالدموع…وشحب وَجْهِي ! ! 

 

صديقتي : وَرِيد مَاذَا حَدَثَ هَلْ انتي بِخَيْر لِمَاذَا جَسَدِك يَرْتَجِف وَوَجْهُك فَرَّ مِنْهُ لَوْنُ الدَّمِ ! ! 

 

كَانَ الْقَلْبُ شاحبا يُحْمَل شُقُوقًا بَعْضِهَا

 

سَطْحِي وَبَعْضُهَا غَائر ، كَانَ الْقَلْبُ مُقَسِّمًا لأشلاء وَكَانَت حَواف تِلْك الْأَشْلَاء مُسَنَّنَة ، رَائِحَة شِوَاء وَصَوْت جناجر ، كانت تلك الشقوق بعضها ممتلئ بلون السماء النيلي المائل للزرقة وبعضها باللون الفيروزي كان تلك الخطوط تبعث للروح السلام ورَغِم كُلّ تِلْك الْمَلاَمِح كَانَ ذَلِكَ الْقَلْب مُبْتَسِما لَمْ أَسْتَطِعْ إلَّا أَنْ اِبْتَسَم لَه ودموعي تَنْسَكِب عَلَى مَلامِحِ تِلْك الابْتِسَامَة، تِلْك الابْتِسَامَة الَّتِي أَعْرِفُهَا جَيِّدًا هِي ذُرْوَة الْحُزْن وَبُلُوغ الْأَلَم الْمُضْحِك ! ! 

 

جَرْجَرَت صديقتي قَدَمَاهَا لِتَرَى مَاذَا كُتِبَ بِتِلْكَ البِطاقَة ! ! 

 

وَقَالَتْ هُوَ مَا وصفتي ياوريد قَلْب الطَّيِّبِين الَّذِي يُحْمَلُ مِنْ الْأَوْجَاع مَا يَحْمِلُ وَلَكِنَّه يَهْزِم مِن أَرَادُوه مُنْكَسِرًا مَخْذُولًا خَائِبًا بإبتسامه النَّصْر رَغِم كُلّ تِلْك الْهَزَائِم ! ! 

 

وَقَفْت كَثِيرًا أمَامِه تحاورت مَعَه بَلَغَه الْإِحْسَاس ذَرَفَت الدُّمُوع مَعَه وَأَخْبَرْتُه كَمْ هُوَ جَمِيلٌ وَلَكِن لابُدَّ لَهُ مِنْ أَنَّ يَتَعَلَّمَ مِنْ تِلْكَ الْأَوْجَاع لَا يُمْكِنُ لِلْقَلْب أَنْ يَبْقَى طِفْلًا هُوَ أَيْضًا يُكَبِّرُ مَعَ مُرُورِ الْآلَام والخيبات هُو يَسْقُط وَيُجَرَّح نَفْسِه أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا أُخْرَى يَطْعَن مِنْ الظُّهْرِ وَأَحْيَانًا يَطْعَن مِنْ الْأمَامِ بِكُلِّ بُرُود وَبِلَا اكْتِرَاث لنزفة لايوجد قَلْب يَبْقَى طِفْلًا حَتَّى الْأَطْفَال أَنْفُسَهُمْ فِي هَذَا الزَّمَنِ قُلُوبِهِم مَجْرُوحَة وكبرت قَبْل أَوَانِهَا ! 

 

بَعْدَ تِلْكَ التُّحْفَة لَمْ أَسْتَطِعْ الْمُوَاصَلَة وَقُرِرْت إنْهَاء الزِّيَارَة وَالعَوْدَة لِلْمُنْزَل وَلَكِن صديقتي إقْتَرَحَت أَخَذ وَقْت اسْتِرَاحَة وَتَجْدِيد للطاقة وَالذَّهَاب لِتَنَاوُل القَهْوَة وَجَدْتَ أَنَّ رَأْيِهَا مُنَاسِبٌ لِأَنِّي لَمْ أَعْطَى الْمُتْحَف حَقَّهُ فِي مُشَاهَدَة زواياه الْمُخْتَلِفَة ! 

 

وَهَا نَحْنُ نَعُود مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ أَنْ وَازَنْت طَاقَة مشاعري وَعَدْت لطبيعتي ، 

 

هَذِهِ الْمَرَّةِ وَقَفْت بِشَكْل عَشْوائِيٌّ بِلَا إخْتِيَارٍ مِنِّي ، وَلَا اسْتِدْعَاء مِنْ تِلْكَ التُّحْفَة 

 

تِلْك التُّحْفَة كَانَت لامِعَة بِشَكْل مُلْفِت ومبالغ فِيه وَرَغَم ذَلِكَ كَانَتْ أَلْوَانُهَا باهِتَةٌ وَحِين تَأَمَّلْت تَفَاصِيل الْقِطْعَة الفَنِّيَّة وَجَدْتَ أَنَّ النَّحَّات تَرَك جَانِب يُصَلّ لعمق تِلْك المنحوته كَانَ فَارِغًا مَجوفًا ، تسائلت بَيْنِي وَبَيْنَ ذَاتِيٌّ تَرَى هَلْ يُرِيدُ أَنْ يَعْكِسَ فَكَرِهَ أَنْ هُنَاكَ قُلُوب متصنعه لمالِيس فِيهَا تَلَمَّع ظَاهِرِيًّا و لَكِنَّهَا جَوْفَاء مِنْ الْعُمْقِ ! 

 

لَمْ تَكُنْ صديقتي مَعِي لِذَلِكَ لَمْ تَقْرَأ البِطاقَة التَّعْرِيفِيَّة وَأَنَا اسْتَمْتَعْت بِذَلِك لِأَنِّي لا أريد إثْبَات شَيّ لِنَفْسِي بَلْ كُلُّ مَا أَفْعَلَهُ هُو أَنِّي أَفْضَلُ مُحَاكَاة مَا أَشَاهِدٌ وإحساسي بِه وَفْق رَؤيَتِي الْخَاصَّة وَلَيْس بِالضَّرُورَةِ أَنَّ تَكُونَ متطابقه مع حَقِيقَة شُعُور وَفِكْر مبدعين تِلْك الْفُنُون الَّتِي أشاهدها ! 

 

هَذِه التُّحْفَة الْخَامِسَة 

 

حِين وَقَفْت أَمَامَهَا شَعَرْت بِالْغَضَب والتوتر وتقطب حاجباي وزم فَمِي وشعرت أَن أَنْفَاسَا حَارَّة تَخْرُجُ مِنْ أَنْفِي تَمَامًا كَالثَّوْر الهائِج وهاهو وَجْهِي يَنْدَفِع إِلَيْهِ الدَّمَ دُفْعَةً وَاحِدَةً 

 

لمحت تَعَابِير وَجْهِي صديقتي وَأَسْرَعْت بالإقتراب مَنى ، 

 

وَرِيد مَاذَا هُنَاك لِمَاذَا انتي ثَائِرَةٌ مِنْ الَّذِي أَغْضَبَك ؟ ! 

 

وَرِيد : أنْظُرِي لِهَذِه التُّحْفَة 

 

لَهَا وَجْهَانِ مُتَنَاقِضَان الْأَوَّل يَتْلُون عَلَى حَسَبِ اللَّوْنِ السَّاقِطَ عَلَيْهِ أَمَّا الْآخَرُ فَهُوَ أَمْلَس كحجارة سَوْدَاء مَصْقُولَةٌ لَا أَثَرَ لِلِّين فِيهَا ، 

 

صديقتي : فُهِمَت الْآن سَبَبٌ غَضَبِك أَنَّهَا تُحْفَة آيَتِهَا الْوَرِيد 

 

دَائِمًا تنفرير مِنْ أَصْحَابِ الْقُلُوب السَّوْدَاء وَالْوُجُوه المتلونه وتشتعلين غَضَبًا مِن إدعاءاتهم وَتَمْثِيلُهُم الْمُتْقِن وَتَعَاطُف أَصْحَاب الْقُلُوب الطَّيِّبَة مَع دُمُوعُهُم الَّتِي تُشْبِهُ دُموعُ التَّماسِيحِ ! واستغلالهم لِكُلّ شَيّ مِنْ أَجْلِ مَصَالِحِهِم وافتقارهم لِلضَّمِير وَالْأَخْلَاق وَالْمَبَادِئ ! 

 

وَرِيد : مَا كُنْت اعْتَقَدَ أَنَّ الْقُلُوبَ ترْوِي تَفَاصِيل الْحِكَايَات 

 

وَأنَّ الْعَيْنَ لَيْسَت وَحْدَهَا مِنْ يُخْبِرُ الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ الْإِحْسَاس الْمَغْمُور دَاخِلٌ لَوْحَات ومنحوتات

 

أَوْ كَلِمَات أَوْ حَتَّى مَعْزُوفَة مُوسِيقِيَّةٌ 

 

لَمْ أَكُنْ اعْلَمْ أَنَّ الْقَلْبَ يُحَدَّد طُبِع وَطَبِيعَةٌ ذَلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي يَحْمِلُهُ وَإِن الْقَلْبُ هُوَ بِطاقَةٌ التَّعْرِيف بِالرُّوح الَّتِي نتعامل مَعَهَا وَلَيْس الْجَسَد 

 

الْيَوْمَ أَنَا حاورت الصَّمْت هَذَا الصَّمْت الَّذِي تُحُدِّثَ مَعِي عَنْ الْكَثِيرِ وَاَلَّذِي أوصلني لِلْأَكْثَر 

 

هَذَا الصَّمْت هُوَ مِنْ قِيلَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ ذَهَبٍ 

 

وَبَعْض الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيدٍ يَصْدَأ ويتأكل مَعَ مُرُورِ الزَّمَنِ 

 

هَذَا الصَّمْت الصَّادِق الْحَقِيقِيِّ الَّذِي لَن يُغَيِّرْه زَمَن 

 

فِي هَذَا الْمُتْحَف يَا صديقتي 

 

تَعَلَّمْت أَن للْألوَان صَوْت و َرائحة وملمس وللأشكال صِفَات وملامح وَمَعَانِي تمنحك رُؤْيَة الصُّورَةُ وَاضِحَةً بِلَا تَجْمِيل 

 

تَعَلَّمْت أَن بِالْفِعْل تِلْك الْمُضْغَة إنْ صَلَحَتْ صَلَحَ كُلِّ شَيِّ مِنْ الْإِنْسَانِ وَفِي الْإِنْسَانِ وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ كُلِّ شَيِّ ! 

 

لِذَلِك مازالَت الْحَيَاة تَثْبُت صَدَق مقولتي 

 

أَنَا أَشْعَر إذَا أَنَا مَوْجُودٌ 

 

الْوُجُود الْجَمِيل بِلَوْنِه وَشَكْلِه الأجمل 

 

الْوُجُودَ هُوَ قَلْب يُحْمَل بَيَاض نواياه وَرَغَ

 

م أَنَّهُ يَتَأَلَّمُ مِنْ الْحَيَاةِ وَالْبِشْر لَكِنَّهُ لَا يُؤْذِي أَحَدَ ، وَيَصِرّ عَلَى أَنَّ يَرْسُم الْفَرَح عَلَى وُجُوهٍ الْقُلُوب بِكُلّ حُبّ !

 

 

 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٨ ص - عاهد الزبادي
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١١:٠٠ م - Mohamad Choukair
ديسمبر ٩, ٢٠٢١, ٣:٣٢ م - بلقيس محمد
نوفمبر ٢٥, ٢٠٢١, ٤:٥٨ م - وريد فواز
About Author