عندما يتحول حب الوطن إلى انتماء عنصري !

الوطن هو تلك الجنة الغنّاء في أذهاننا .. هو تلك الأرض التي التي قطعنا على ثراها أميالاً و جمع خطوات .. تنفسنا من هواءه حيناً و شربنا من ماءه و تنعمنا بخيراته أحياناً عدة ، و حينما ابتعدنا عنه حاصرتنا ليالٍ من شوقٍ حارّ إلى نسماته و ضحكاته .. كبرنا نردد نشيده في كل يوم جديد .. و نتغنى بأهازيج الفخر به و المحبة له في مدراسنا .

أما في أوقات الشدة فكلنّا جنود من أجل أمنه و سمُوّه .. و إن تجرأ أحدهم على التعرض بالأذى لذرة من ترابه فسيواجه وحوشاً شرسة لا تقبل الإنهزام .. يحاربون العدو بالسلاح و الكلمة العالية ..

من أجل تلك الأرض الطيبة هم يفعلون الكثير .

و لكن مع كل تلك المعاني السامية ، هناك بعض الأخلاقيات و السلوكيات المستهجنة التي تتخلل إلى نفوس بعض الأفراد تحت مسمى حب الوطن و الدفاع عنه ، و لكنها لا تمت له بصلة في الواقع .

من تلك التصرفات السيئة هو ما نشاهده مراراً على مواقع التواصل الإجتماعي من تبادل للشتائم بين الأشخاص من مختلف الجنسيات و أيضاً استخدام الألفاظ النابية و التعابير المسيئة لوصف شعوب معينة أو ثقافات بعينها و هي عين الجهل و التعصب في أي مجتمع و أخصّ بالذكر مجتمعاتنا العربية التي بدأت تنتشر فيها هذه الظاهرة على نطاق واسع على صفحات الإنترنت على الرغم مما يجمعنا من وحدة اللغة و التاريخ المشترك لكثير منّا .

أما من زاوية أخرى فهناك بعض من الأشخاص ممن ينتهجون منهجاً آخر في الإساءة للآخرين عبر السخرية و مشاركة "النكات" التي تستهزئ بقيم و صفات بعض الشعوب و وصفهم بأوصاف لا تليق بهم متذرعين بذلك إضحاك الآخرين و نشر الفكاهة بين الناس ، و لا يَعُون بذلك التأثير الذي من الممكن أن تحدثه مثل تلك التصرفات .

فمن النتائج الواضحة لتلك السلوكيات الهوجاء ، ما نراه من مناوشات و خلافات تنشأ بين الناس نتيجة للأفكار المغلوطة التي تتم مشاركتها على أنها حقائق تخص بلداناً و قبائل بعينها ، كما أنها من الممكن أن تؤدي إلى نشوء كراهية غير مبررة و نبذ للآخر و عدائية في التعامل مع من يخالفه في الرأي أو الدين أو العرق أو الموطن .. و هذا لا يعود بالنفع لا على صاحبه و لا على الوطن .

فلذلك وجب التأكيد على أهمية نبذ مثل هذه التصرفات و الإرتقاء بمستوى التفكير بعيداً عن هذه الرجعية التي تعترض سبيل التطور و تخالف متطلبات عصرنا الحالي الذي يشهد عولمة واسعة في شتى مجالات الحياة و من ضمنها العولمة الثقافية التي تسعى إلى تعزيز العلاقات الإجتماعية و دعم التبادل الثقافي و التواصل الحضاري بين مختلف شعوب العالم مما يساهم في النهوض بهذا العالم إلى آفاق التقدم و الرقي .

و لا بد أن يعي المستخدم لمنصات التواصل الإجتماعي  مسؤوليته كممثل لأخلاقياته و قيم وطنه أمام أناس من مختلف دول العالم ، ربما هم ليس لديهم المعلومات الكافية عن البلد التي ينتمي إليها و لا عن شعبها ، فيستمدّون تلك المعلومات منه و من غيره ممن ينتمون لهذا البلد ، فيجب أن يكون خير سفير لبلده من خلال هذه المنصات و أن يعلم جيداً أن الإختلاف في الثقافات و في وجهات النظر لا يجب أن يولّد معه خلافات و معارك ، بل إن ذلك لا يمنع الإستماع للآخرين و محاولة تقبل كل تلك الإختلافات التي بينهم ، فالأصل في البشر هو الإختلاف ، و لا بد من التعايش معه .

و لا تنس !

حب وطنك .. دافع عنه بكل ما أوتيت من طاقة .. و لا تنس قول رسولنا الكريم عندما سُئِل : " أَمِن العصبية أن يحبّ الرجل قومه ؟ فقال ﷺ : "لا ، و لكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم" .

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٢ ص - عبد الفتاح الطيب
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١٢:٤٤ م - Sarora Fayez
مارس ١٠, ٢٠٢٢, ٩:١٨ ص - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١١:٠٩ م - Dr. Shahad
About Author

كاتبة محتوى و صاحبة مدونة صمت الضمير .. أحب العبث بالقلم أحياناً .. و أقدّر هذه اللغة العظيمة لأبعد مدى ..