مأزق الإنسانية

في أحد الأحياء كان هناك عصفورين زوجين "عنتر" وزوجته "وندا" التي ترقد على البيض منذ أسبوع بينما يخرج "عنتر" كل يوم ليؤمن لزوجته الحبيبة الغذاء المناسب، وفي صباح يوم مشمس كان عنتر كعادته يبحث عن الطعام وإذ به يجد قطعة خبزٍ صغيرة ملقاة على الشارع فرح بها وذهب نحوها بسرعة وما أن أخذها بمنقاره حتى التصقت به وبدأ يحاول التخلص منها ولكن حتى بعد أن استطاع أن يطير بعيدًا عنها كانت قد سدت منقاره ملتصقة في كل شيء يحاول الاقتراب منه بغية التخلص منها، حاولت وندا مساعدة عنتر ولكنها علقت هي الأخرى بقطعة الخبز المشؤومة حتى ماتا العصفورين المساكين ضحية قطعة الخبز المزيفة، بعد عدة ساعات من موتهما وجد جسديهما الصغيرين رجل يمشي في الشارع وقال لزوجته مازحًا " انظري لقد ماتا بينما يحاولون مضغ العلك!".

لقد أدركنا منذ دروسنا الأولى في المدرسة أن الإنسان يختلف عن جميع الكائنات بالعقل!

ولكننا لم نكن نعيش بالشكل الذي يناسب هذا العقل، العقل الذي من خلاله نستدل على الحكمة في الرحمة وعلى شعاع النور في الظلمات وعلى كونٍ عظيم كان وما زال الإنسان أعظم منه بدرجات، إذًا ما هو العقل الذي يمكننا التمتع به ولكننا لا نفعل ذلك أبدًا..!

علاقة العقل بالإنسانية؟

من الطبيعي أن تكون العلاقة بين العقل والإنسانية طردية إيجابية ذات أفعال حقيقية مرضية للضمير البشري، فالإنسان هو الكائن المعجزة يختلف عقله عن بقية الكائنات بوجود الإدراك والتحليل والمنطق والتخيل والأهم من كل ذلك هو وظيفة معالجة المشاعر والانفعالات وتحويلها إلى مواقف وأفعال وقرارات جازمة، وعلى مر العصور استطاعت الأجيال البشرية من تعلم قدرة عقلها على فعل ما هو أكثر من الصيد والتكاثر فبدأت تنتج وتستخدم الكون لمصالحها، وبدل من أن يجمع العقل البشري العالم بصورة واحدة جعله يتفكك إلى مجتمعات ذات انتاج عالي وانتاج منخفض يقود هذا التصنيف العنيف النفوذ والمال بدلًا من الإرادة والقوة العقلية.

وزاد جشع الإنسان إلى الحد الذي جعله يستخدم أخاه الإنسان ليخدم مصالحه، بعد أن استخدم الكون كله! ولم يتوقف الأمر هنا بل أصبحنا نعيش في حرب العقول والإنتاج بتطرفٍ جعلنا ننسى أنفسنا وبدل من أن تكون العلاقة طرديةً بين العقل والإنسانية أصبحت عكسيةً تمامًا، يمكننا القول بأننا عشنا على هذه الأرض آلاف السنين دون أن نستخدم عقلنا بإنسانية، بل استخدمناه لكل ما هو مؤلم ومؤسف وقاتل للإنسانية فأصبحنا في أبسط تصرفاتنا نؤذي ولا نصلح فبغض النظر عن رحمتنا الواجبة اتجاه الحيوانات إلا أن العلك الذي علق بمنقار الطائر لم يكن الاستخدام الوحيد الخاطئ للعقل البشري بل إن هناك الكثير من العلك الذي قتل أفرادًا أبرياء أيضًا وكثيرًا من الناس باتت تموت أو تسبب الموت تمامًا كما مات الطائر وزوجته بسبب استهتار في قيمٍ من المفترض أنها أساس الإنسان، وذلك لأن كثيرًا منا أصبح يفكر مثل هذين العصفورين دون استخدامٍ لقواه العقلية ودون أن يرتقي ليكون إنسانًا.

ما هو مأزق الإنسانية؟

مأزق الإنسانية هو حالنا اليوم، حال الأقلية التي تبكي على مشاهد الظلم والقتل والتعذيب، إنه تجنبك من معرفة أخبار شخص ما لأنك تدرك أنها قد تجعلك لا تنام ليلًا!الإنسانية اليوم يا أصدقائي هو الشعور الذي يقطع أوتار قلبك ويزيد شعورك بالعجز لا أكثر.

كم نتمنى لو نحمي الكثيرين من التنمر أو الفقر أو التشرد أو الزواج المبكر أو الخطف والقتل والظلم، كم نتمنى لو أن أطفال العالم كله يضحكون وشبابه يزهرون ونساؤه يحتوون، لا قولٌ ينفع في زمن أصبحت فيه الإنسانية مأزق يبتر قدرتنا على أن نستخدم عقولنا فنقضي أعمارنا ضحايا العقول المدبرة منطويين على أنفسنا نقع كل لحظة في مأزق الإنسانية.

للأسف لن يفهم ذلك إلا القليل.

#مأزق_الإنسانية

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author

إنسانة في عامها الرابع والعشرين كاتبة وأخصائية طفولة لدي اثراء جيد في العديد من المواضيع والتي أفضل مشاركتها مع الآخرين من خلال موهبتي الكتابية.