هدر الكفاءات

هدر الكفاءات

كثيرا ما نجلس معا او نتواصل هاتفيا، وبعد السلام والسؤال عن الحال يبدأ الحديث تلقائيا: ما آخر أخبارك؟ وما هي التطورات لديك على صعيد العمل؟ فأول ما يكون من الطرف الآخر تنهيدة طويلة يعقبها عبارة: الأمور على ما هي عليه، لا جديد، وهنا يَرُدُّ الآخرُ السؤالَ نفسه إلى الأول،فيجيبه بالطريقة نفسها والهيئة ذاتها (تنهيدة، ولا جديد).

هذا هو المشهد لدى الكثيرين من خريجي الدراسات العليا في وطننا الحبيب، ولا سيما حملة شهادة (الدكتوراه)، فالكثير من طلبة الدكتوراه لا يعملون أو أنهم يشغلون وظائف لا علاقة لها بتخصصهم، أو لا توازي الدرجة العلمية سواء على مستوى الكفاءة أو على مستوى الدخل المادي، وهذه الحالة أصبحت ظاهرة في مجتمعنا، وأكثر ما يؤلم فيها أنها تنطوي على هدر للكفاءات، فالخسارة الحقيقية تتمثل في أن خريج درجة الدكتوراه الذي لا يجد عملا او لا يعمل في مجال تخصصه سيفقد تدريجيا العلم الذي حصله، لأن ابتعاده عن مجال تخصصه، يجعله مع الوقت بعيدا عن المعارف التي حصلها، مهما حاول البقاء متصلا بها، ونسمع بين الحين والآخر من يقول في هذا السياق : ولماذا لا يجتهد على نفسه ويستمر في البحث والتطوير فيبقى بذلك متصلا بمجال تخصصه؟

وللإجابة على هذا السؤال لا بد من أن نُقِرَّ بحقيقة هامة وهي أنَّ الرخاء الاقتصادي غير متاح للجميع، وأنَّ خريج درجة الدكتوراه الذي لم يأخذ فرصته الحقيقية ليتفرغ لعمل البحوث ومتابعة الندوات والمجلات وغيرها من معززات الثقافة ومحفزات التفكير - يحتاج الى وقت وجهد ومال، وهو بالكاد يتدبر أموره سواء على مستوى العمل او الأسرة، لذلك سيكون من الصعب عليه أنْ يحقق ذلك بالصورة الفضلى التي تضمن استمرار تدفق المعارف، وتنمية المهارات، وبناء القدرات.

أما عندما يكون ذلك الخريج في بيئته الطبيعية وهي الجامعة فإنه ابتداءً يقوم بالدور الأول له وهو التدريس للطلبة الجامعيين، وهو بذلك سرعان من يتفاعل مع محيطه ويشارك في كل نشاطاته وفعالياته؛ لأن طبيعة عمله ومكانه يحتم عليه الانخراط في نشاطات جلها يدور في فلك واحد وهو مجال تخصصه، وهذا بدوره ينهض به وبعلمه ويزيده، وينفع به غيره،ويبقى يحثه على الاجتهاد والبحث المستمر.

وحتى يكون الطرح ذا فائدة فانه لا يكفي بان نعرض هذه المشكلة بل لا بد من وضع بعض المقترحات التي ربما تساعد في توجيه حاصب القرار لإيجاد حلول لها، ومن تلك المقترحات، أن تنظم الجامعات قوائم بأسماء الخريجين من حملة درجة الدكتوراه وحسب تخصصاتهم، وتقوم بتوزيعهم على الجامعات لتدريس بعض المساقات فيها حتى يبقى الخريج متصلا بتخصصه.

ومنها ايضا أن يكون هناك مكتب خاص في وزارة التعليم العالي يكون من مهامه السعي الى تسويق هذه الكفاءات في الداخل والخارج، ويعنى برسم الخطط التي تضمن المحافظة على هذه الكفاءات واستثمارها بالشكل الافضل، كما يتبنى عقد الندوات والدورات لهذه الفئة بشكل مستمر لتحقيق التطوير النوعي لها.

لا شك ان الحلول والمقترحات كثيرة ولكن نحتاج الى من يطلبها ويسعى في تحقيق ما من شانه أنْ يخفف من حجم هذه المشكلة في الوقت الحالي ويضمن عدم تفاقمها في المستقبل، فنحن في هذا الوطن العزيز في حاجة الى المحافظة على هذه الفئة من أبناء الوطن؛ لأنها ثروة لا ينبغي هدرها أو التفريط بها، وهذه الثروة لم تتحقق بسهولة وانما عانى اصحابها الامرين في سبيل تحقيقها، فبذلوا الوقت والجهد والمال، وآن الأوان أن يقطفوا ثمرة جهدهم، وأما هذا الواقع الصعب لهذه الفئة نطالب المعنيين بأن يقفوا موقفا جادا متخذين القرارات التي من شأنها أنْ تبدد هذه المشكلة وتعيد الأمور إلى نصابها.

د.فايق الجبور 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٤٥ ص - Asma
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٤٨ ص - مستشار دكتور حسام عبد المجيد يوسف عبد المجيد جادو
مارس ٥, ٢٠٢٢, ١٠:٤٦ م - Sarora Fayez
فبراير ١٤, ٢٠٢٢, ١١:٥٥ ص - راجية الجنان
سبتمبر ١٢, ٢٠٢١, ٢:٢٧ ص - Maher
About Author