اعْلَمْ عزيزي طالبَ اللغة العربية أنّ الأفعال المعروفةَ في العربية، الماضيَ و المُضارعَ و الأمرَ، إنّما هي أفعال اشتقاقية صرفية، وأنّها لا تدلُّ بالضرورة علىٰ الزمن الحقيقيّ المُرادف لها.
أمّا قولُنا أنّها أفعالٌ اشتقاقية صرفيّة، فمعناهُ أنّ تقسيمها جاء بناءً علىٰ أوزانها الصرفيّة، لا علىٰ الأزمنة الدالّة عليها، ودليلُ ذلك أنّ اثنين من أصل ثلاثةٍ من هذه الأفعال سُمّيَت بناءً علىٰ ميزانها الصّرفي، لا علىٰ الزمن الدالّة عليه، فالفعلُ المُضارعُ - والمُضارَعَةُ في اللغة تعني المُشابهة - سُمّيَ كذلك لأنّه يضارعُ - أي يُشابهُ - اسمَ الفاعل المشتقَّ منه في عدد حروفه وترتيب حَرَكاتِهِ وسَكَناتِهِ.
و فِعلُ الأمرِ سُمّي كذلك لأنّهُ يدُلُّ "في صيغته" علىٰ الطلب -أو قُلْ علىٰ الأمر- وهُنا تلاحظ أنّك قد تأتي بفِعْلٍ مُضارعٍ يدلّ على الطلب أو على الأمر، كقولك: (لِتَعْلَمْ ذلك) أو قولك: (فَــلْــتَــكُــنْ جـادّاً في كلامك) إلّا أنّك لا تُسمّيه "فِعْلَ أمْر"، لأنّ التسمية أصلاً كانت بناءً على الوزن الصرفي للفعل، ففي تعريف الفعل الأمر جاءت كلمة "في صيغَتِهِ" تأكيداً لذلك، أي تأكيداً على أنّ صيغته ذاتها هي الدالة على الأمر، وليس معناه فقط.
و دَليلُ ذلك أيضاً الاختلافُ الواضحُ بين الزمنِ الصرفيّ للفعل والزمنِ الحقيقيّ له. فأنت مثلاً تقرأُ قوله جَلّ و علا: (و كان اللهُ غفوراً رحيماً)، أو قوله تعالى: ( إنّ الله كان علياً كبيراً)، وتُعْرِبُ (كانَ) فعلاً ماضياً ناقصاً، وتَعْلمَ في الوقت ذاته أنّ الزمنَ الحقيقيَّ الذي يدلُّ عليه الفعلُ هو الماضي الأزليّ، والحاضرُ، والمُستقبلُ الأبديّ، ولا يُمكنك أنْ تقصد معنىً غير ذلك، بل تقصدُ أنّ الله تعالىٰ - جلّت صفاتُهُ - كان، ولازالَ، وسيظلُّ غفوراً رحيماً.
أَمّا ما يُعلّمُ للناشئة، فهو من باب تيسير تعلّم اللغة عليهم، وتسهيل إدراكهم لهذه الأفعال، وتقسيماتها، وعندما يتخصًصون في اللغة، فإنهم يُرشَدون إلى حقيقة هذه الأفعال.
You must be logged in to post a comment.