شهر رمضان المُبارك الذي أراده الله جل عُلاه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار والسمو الروحي والتسامي الإنساني ... ولم لا وقد اقترن ذكره بالذكر الحكيم بالقُرآن الكريم: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) البقرة: 185.
فالصوم في اللغة علي الإمساك يقال فلان صام عن الكلام أي صمت، وفي الشريعة الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المُفطرات من طلوع الفجر الصادق إلي غروب الشمس مع نية الصوم في نهار لا يُحرم صومه.
· نزول القرآن الكريم دفعة واحدة:
وفي شهر رمضان نزل القُرآن الكريم من عند الله تعالي إلي السماء الدنيا دفعة واحدة . وبعده أخذ جبريل عليه السلام يُنزله مُفرقاً بأمر الله تعالي إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم.
والقُرآن مُعجزة الله الخالدة ونعمته الدائمة من تمسك به نجا ومن هُدي به هُدي إلي صراط مستقيم .
ولقد فرض الله صوم شهر رمضان من كل عام علي المسلمين في السنة الثانية من الهجرة لليلتين خلتا من شهر شعبان وهي أيام قليلة العدد معلومة ومعروفة يسهُل علي المُكلف أداء الصوم فيها بلا حرج أو مشقة أو عنت يقول تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ....) البقرة 183،184.
والسُنة النبوية المُطهرة مليئة بالأحاديث الصحيحة عن الصوم منها ما رواه الإمام مُسلم في كتاب الصوم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يومًا).
· شروط الوجوب:
أما شروط وجوب الصوم فاتفق الفقهاء علي أن الصوم واجب علي كل مسلم بالغ عاقل خال من الأعذار ذكراً كان أو أنثي لأن الإسلام أساس التكليف مُطلقاً ولقوله صلي الله عليه وسلم: (رُفع القلم عن ثلاث عن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم). ويستحسن تدريب الصِبيان المُميزين علي الصوم.
· أخلاق الصائمين:
يروي الإمام البخاري عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام جُنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم ـ مرتين ـ والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المِسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام ليّ وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها).
فالصائم الحق يتزود من نفحات رمضان، فهو فرصة عظيمة لاكتساب الإرادة القوية ويتربى على الإخلاص والأخلاق الفاضلة والطاعات واتقاء المعاصي، وهذه كلها مقاصد أساسية من مقاصد الصيام، والأعمال بالنيات، فالصائم الذي يراقب ربه في صلاته وصيامه يجب أن يُراقبه تمام المُراقبة في عمله وانتاجه وسائر تصرفاته.
ويتأثر سلوك الصائم بالصيام في تعامله مع من حوله، فالصيام يُمرنه على ضبط النفس، والسيطرة على الإمساك بزمامها حتى يتمكن من التحكم فيها، ويقودها إلى ما فيه خيرها وسعادتها.
فلا قيمة لصوم لا يرتفع بصاحبه إلى هذا المستوى، ويظل معه الإنسان مُرتكباً للمُوبِقات، ومن ثم يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) أخرجه البخاري.
ذلك لأن الصوم ليس مظهراً سلبياً يكفي لتحقيقه أن تمتنع عن الطعام والشراب والمعاني الجنسية، كلا إنه مظهر إيجابي ثمرته التقوى، وإن ما فيه من كبت وحرمان ليس هدفه إلا التدريب على الأخلاق الفاضلة، وجماع أمرها: القيادة والسيادة: قيادة النفس والاستعلاء فوق شهواتها، والسيادة على أمرها، وتلك هي وظيفة الأمة، وهي وظيفة قيادية للحياة كلها: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ) البقرة:١٤٣.
ومن أخلاق الصوم أن لا يصوم المُسلم وهو مُخاصم لغيره، أو أن يُقصر في عمله، فيجب علينا جميعاً أن نُخلص فى أعمالنا ونؤديها على الوجه الأكمل، لأن كل عمل يُؤديه المؤمن على الوجه الأكمل هو طاعة لله لأنه يَكُفْ عن كل شر ومأثم، وتنتصر في كل موقف من مواقف الحياة: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ) الروم: ٤،٥.
· الإسلام له السبق في المُحافظة علي صحة الإنسان بالصوم:
والصيام فيه تقوية للجانب الروحي، فلا يطغي عليه الجانب المادي الحسي وإذا قويت الروح ازدادت صلتها بالله سبحانه، وأن يعرف المرء نعم الله تعالي ففي الصوم معرفة لقيمة الطعام والشراب والشبع والري.
وفي الصيام صحة يقول النبي صلي الله عليه وسلم:(صوموا تصحوا).
وقد توصل العُلماء المُعاصرون إلي دور الصوم في المُحافظة علي صحة الإنسان فهو يعالج اضطرابات الهضم، واضطرابات الأمعاء المُزمنة فكشفوا بذلك قدراً من إعجاز الإسلام وسبقه في المُحافظة علي الصحة العامة لبني البشر.
يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث القُدسي: (يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه ليّ وأنا أجزي به) رواه البُخاري ومُسلم.
ويروي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك).
· فضائل ومٌكرمات شهر القُرآن:
وأهم ما يميز شهر القرآن تلك النفحات الربانية منها قيام الليل، والعيش مع كتاب الله الكريم طاعة لله وشكراً له، والاعتكاف خاصة في العشر الأواخر ليتحقق للمُسلم التُقي والرشاد والخير الدائم الكثير.
ولقد خص الله شهر رمضان بفضائل ومٌكرمات أعظم من أن تُحصي وأكثر من أن تُعد منها علي سبيل المثال لا الحصر: هزيمة الشياطين بدوام التوبة والعودة إلي الله والإنابة إليه والندم والاستغفار بالله منهم يقول تعالي: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) المؤمنون: 97، 98.
وفيه تُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار وتُصفد الشياطين.
روي مُسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة وغُلِقت أبواب النار وصفدت الشياطين).
كذلك من فضائله الرحمة والمغفرة والعتق من النار فيروي مُسلم عن أبي هريرة- أيضاً – عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: (شهر رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار).
ومن فضائله الجميلة تعليم الأمة التوفير فالصائم لا يأكل ولا يشرب إلا مرتين في اليوم وقد طابت بهذا نفسه واطمأنت سريرته.
أما صلاة التراويح فهي من أشهر ما يميز شهر الصوم وتُعرف هذه الصلاة بصلاة القيام وسميت بذلك لأن الذي يصليها يستريح بالجلوس عقب كل أربع ركعات وهي سُنة مؤكدة للرجال والنساء ويُسن أداؤها في جماعة.
· القرآن نزل في ليلة القدر:
وخُص هذا الشهر المُبارك بليلة خير من ألف شهر وهي ليلة طيبة عظيمة مُباركة لها سورة في القُرآن الكريم باسمها "سورة القدر" نزلت من عند صاحب القدر بواسطة ملك ذي قدر علي نبي له قدر لأمة لها عند الله منزلة وقدر.
ولقد سن الله إحياء هذه الليلة المُباركة بالطاعة والقيام والدعاء وقراءة القُرآن الكريم وأحاديث النبي صلي الله عليه وسلم ومن علمها يقول فيها: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنيّ.
· صدقة الفطر تملأ المجتمع بروح الأخوة والتعاون:
أخيراً صدقة الفطر واجبة علي كل حر أو عبد مسلم قادر أو غير قادر لأنها مُتعلقة بالأبدان طُهرة للمُتصدق وجبراً لنقص قد يكون وقع فيه في صومه، وهذا يُمثل عملية أخلاقية حسنة لأن اشتراك الفقير في العطاء يمنحه الثقة والكرامة ويملأ المجتمع بروح الأخوة والتعاون.
أما عن يوم عيد الفطر فإنه يوم الجائزة للصائم وهو يوم الخير للمُسلمين جميعاً وشُرع فيه الاجتماع والتزاور وصلة الأرحام ونبذ الخصام والشقاق.
You must be logged in to post a comment.