بلادي و إن جارت عليّ عزيزة و أهلي و إن شحّوا عليّ كرام
الوطن
الوطن، كلمة ساحرة لها واقع شهي على النفس، والوطن حضن كبير يوفر لأبنائه الدفء والكرامة والأمان، والجميل في الوطن أنه يظل محبوباً تهوى الأفئدة إليه حتى لو لم يوفر الكرامة والأمان، فكما قال الشاعر:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة
وأهلي وإن شحّوا عليّ كرام
فالوطن هو أرض الذكريات مهما كانت بحلوها ومرّها وهي ملتقى الأحبة وجامع الصحب والعشيرة، ولا يكاد إنسان في الدنيا يغادر وطنه طوعاً قاصداً أرضاً غير أرضه وناساً غير ناسه وأهله ما لم تكن هناك أسباب قوية تدفعه للهجرة.
وبالرغم من العولمة واختصار المسافات بوسائل الاتصال المختلفة تظل الغربة مرّة المذاق ، تؤثر في النفس البشرية فتشجيها ، ولعل أكثر من يتأثر بالغربة هم المهاجرون بسبب الحروب ، باعتبارهم شريحة حساسة مليئة بالجراح والأذى النفسي قبل المعنوي والمادي ،فهؤلاء الناس طباعهم رقيقة، سريعي التأثر، لهم القدرة على رسم مكنوناتهم ووصف حالات الأنين والحنين، بسبب ما عانوه من ظلم في بلدهم
ونضرب هنا أمثلةً على مفهوم الغربة في عصرنا الحالي ؛ ففي هذه الأيام نرى الوطن العربي أكثر بلدان العالم تأثراً بالهجرة والغربة ، وذلك لما واجهته بعض الدول العربية من حرب وظلم ، فترى الشعب يبتعد عن وطنه خوفاً على أولاده ونسائه من الموت أو الخطف أو التعذيب .
فنرى شعوب تلك البلدان يبكي على حال بلاده وما وصل إليها من تدمير ، و يتأسّى على حاله في الغربة تحت شعار " ما باليد حيلة "
يقول الباروديُّ:
كَفَى بِمَقَامِي فِي سَرَنْدِيبَ غُرْبَةً
نَزَعْتُ بِهَا عَنِّي ثِيَابَ العَلاَئِقِ
وَمَنْ رَامَ نَيْلَ العِزِّ فَلْيَصْطَبِرْ عَلَى
لِقَاءِ الْمَنَايَا وَاقْتِحَامِ الْمَضَايِقِ
لم تكن الغربة سهلة على تلك الشعوب ولا على أيّ انسان فالذين قطعوا البحار والمحيطات ليعيشوا في أرض ليست أرضهم وفي أوطان ليست أوطانهم ليكسبوا من رزق الله في تلك البلاد بعد أن ذاقوا معاناة الفقر و الذل والحرب في بلدانهم . لكن نرى أنّ الحنين إلى أرض الوطن الأم ظل يشدّهم ... فلم ينسوا ملاعب الطفولة والصبا ، ولم ينسوا عبق النسيم الذي كان يهب عليهم بين الأهل والخلّان ، إنه عشق كامل يملأ نفوسهم المخلصة المحبة ، والوفية لأرض زرعوا فيها أحلامهم فالثروة والمال لا يمكن أن تغنيهم عن خسارة الوطن لذلك نقرأ في عيونهم صراعاً يعتمل في النفوس يثور ويهدأ ، كالمد والجزر لكنه يبقى الصراع الإنساني الداخلي الذي يعبّر عن حب الإنسان لجذوره وماضيه وأرضه ووطنه ، والدليل أننا لا نرى أي من تلك الشعوب لا يريد العودة إلى بلده حتى وإن كان يعيش ملكاً في بلاد الغربة ... لذلك ما إن وطأت أقدامهم الأرض الغريبة عنهم حتى تفجّر الحنين في صدورهم وأسكتوه بأننا عائدون بإذن الله إلى أوطاننا لنعيد بناءها من جديد .
وكما قال الشاعر المهجري المعروف فوزي المعلوف:
ودّعوها والدمع ملء المآقي لنواها والنار ملء الكبود
ولو أن الأصم يسمع صوتاً صرخوا بالبواخر الصمّ : عودي
You must be logged in to post a comment.