حقيقة الفقد

في المقام الاول وعند اول تجربه لك في الفقد، كوداع الاشخاص، تحطم الاحلام وفقدان الامل، يكون الجرح عميقا، عميقا جدا، كعمق الشرخ الذي تندفع منه البراكين، وبذات الحراره ايضا، يؤلمك اي شيء بعد الفقد الاول، لا تقوى على الحراك، ومقيد عن التصرف، لا قوه تعتريك بالبوح، ولا رغبه في اي شيء، ايامك الاولى كايام شاب وحيد الاهل، ظن انه نجى من التجنيد ،لكن لسوء حظه تم تجنيده، في بداياته كمستجد اندلعت الحرب،  لم يهيئ لاستخدام السلاح ولا لتفادي الرصاص،  سُلب من احضان أمه ووضع في ساحه المعركه هكذا دون سابق انذار، كذلك حالك كنت وحيدا، تظن انك على بر الامان، لا نصيحه ترافقك لتواجه الصعاب ولا رفيق تستند على كتفه، ولا عجوز طاعن في السن يوجهك بين الفينه والاخرى كما يحدث في الافلام، فجأه تغير كل شيء، في خمس ايام ك خمسون سنه، كنت في ودائع الحب وفوق عرش الثقه، كنت على يقين من ان ذاك هو المنتظر، هو المخلص لك من كل شك، والمنجي من كل شرك قد وقعت فيه،  اختزلت الثقه في جمله واحده قيلت لك "انا معك للأبد"، برغم ما مررت به، لكنك تَهِبُ الثقه المطلقه لكل عابر سبيل، إن الالم لا يتأتي من الفراق عينه بل من ما يسبقه،  من المشاعر التي طرحت، والالفاظ التي ذكرت والحب الذي وصف، ان الارهاق الذي يعترينا بعد الفراق هو نتيجه ل افراطنا في التفكير، كيف يكذب؟ ولما الكذب؟ هو صراعات في عقولنا، وذكريات ملأت قلوبنا،  تفاصيل تأبئ ان تغادرنا، ودموع لا تفارقنا وسيل جارف من الخيبات هو ما يُجهدنا.

"لا استطيع العيش بدونك"، لا تؤمن بهذه الجمله وان قيلت، فنحن نعيش على ايه حال، ناكل ونشرب ونلبي نداء الطبيعه ونلبي رغباتنا، كبقيه الكائنات الحيه، نحن في الحقيقه نفقد الشغف، لا يُغرينا اي شيء بعد ذاك الذي كان لنا كل شيء،  لا حب نطلب ولا صدق نرتجي، نقرر العزله، والانفراد بالذات، نلملم فتات ما تبقى من قوت مشاعرنا المبعثره، مشاعر كانت بمثابة وليمه لذاك الوغد، وغد لا زلنا نحبه،  في عزلتنا نهذب انفسنا، نأدبها على مبادئ وجب ان تغرس في جذور طفولتنا،  لا تثق، لا تحب، ولا تتكلم عن ذاتك بسوء،  تلك هي المبادئ الثلاثه موشحه بعنوان "حب الذات". 

بعد سنين من العزله يعود اليك شيء من الشغف، وتفرح روحك قليلا، تقرر ان تكافئها بنزهه، تاخذها بعيدا عن الماضي، الى مستقبل مشرق وفكر نير وقلب معافئ، في مسيرك لنزهتك وعلى قارعه الطريق انثى تناجيك بعد ان صدمها احدهم وبقيت وحيده، ترتجل بخطوات مسرعه لتنجدها،  واذ بالماضي الذي ظننت انك تجاوزته قد كان بانتظارك،والانثى التي ودعتها قد لاقتك مجددا، عصفت بكما الحياة الى لقاء مقدر،  الي الم متجدد بمقدار مضاعف عن الذي سبقه.

انقذني ارجوك، كمسعف انت لا تقدر قيمتك الا في لحظات احتضارها، تبذل كل جهدك تعيد اليها ما فقدته من ذاك الذي صدمها بواقع الحياه، ترمي ما في جعبتك من امل وحلم وصبر وجبر وقوه في حجرها، تقودها الي الطريق المؤدي الى نزهتك الجميله، وتلوح لها مودعا لبيت حواء.

                                                                                                 

كنت عابر سبيل ساهم في وصول احدهم الي غايته،  لم يكتب لك النجاه ابدا لا زلت على قيد الحياه ايضا، لكن الشغف يأبى ان يعيش بداخلك ، لا مكان له في ظلمتك ولا سبيل لمرافقتك، فقدت إنسانيتك وعدت الى عزلتك مجددا، لكن هذه المره لن تخرج منها ابدا  فلقد اكتفيت من معاشره البشر ومجالستهم، لا تريد شيأ سوا حوار عميق مع الذات وعتاب شديد معها يمتد لعقدين او ثلاث، وقصاصات ورق وريشه، تخط عليها خيبتك الاولى تتبعها بالثانيه هكذا دواليك، إلى ان يجف القلم او تنضب الكلمات، إلى ان يجن العقل، أو يموت القلب.

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

About Author