منذ العام الماضي ، شاءت الأقدار أن يكون أبي أسيراً في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، و بعد مرور أكثر من شهرين على اعتقاله ، سمحت لنا إدارة السجون الإسرائيلية أن نلتقي به ، فـَ كانت هذه الكلمات ، التي وجدتها. في أرشيف ذكرياتي على مواقع تواصل الاجتماعي ، احببت أنا أكتبها...
و لكن أعذروا ارتباكها أرجوكم ، فـهو لم يكن لقاءً عاديّاً ، لقد كان لقاء بطل !!
لا ، لن أتحدّث عن كمية الذل و التّعب ، إضافةً إلى الضغط النّفسي والجسدي ، الّذي تعرضنا له كي نراك يا أبي فـ رؤيتك حياةٌ أخرى !!
ما أجملك ،
ما أبهاك ،
ما أروعك،
ما أطيبك
أستمد من وجودك قوتي ، و أتعجبت حقّاً من ثباتك يا أبي !!
خمس جنودٍ مدججين بـِ أسلحتهم ، يحيطون بك ، رغم أنك مقيدٌ بـِ تلك الجنازير الحقيرة ولا تستطيع تحرك ، الّتي تلف ذراعيك و قدميك !!
كنت أجلس أنا و أمي وجدتي والدة أبي واخي في قاعة المحكمة ، أمام ذلك القاضي النّذل القبيح ، بانتظار مجيئك لكي تبدأ محاكمتك
أحسست بقلبي يهوي بين ضلوعي و أنا أراك تتقدم وسطهم بثباتٍ وثلابه غريبة ، و الابتسامة تملأ وجهك
عانقتك عيناي عناقاً طويلاً ، آهٍ يا حبيبي كم اشتقتك إليك ، آهٍ كم تغيّرت ملامحك الجميلة ، و خف وزنك ، و زادت طلتك بهاءاً
بدأ القاضي المحاكمة بـالقراءةِ قائمة الاتهامات الموجهة له ، لم تفارق الابتسامة شفتيه لـِ لحظة واحد كصدام حسين حين محاكمته، و أقسم أن ذلك كان يغيظهم كثيراً ، حاولت جدتي أن تقترب منه قليلاً ، فقام أحد الجنود بزجرها بـِعنف ، و للمرّة الأولى منذ وصولك قاعة المحكمة ، تختفي ابتسامتك ، و تتقلص ملامح وجهك
تعود جدتي إلى مقعدها ، و لكنها تصر على سؤالك : كيف حالك يمّه ؟؟ تجيبها : تخافيش علي يمه أنا فلسطيني وأبن قضية وأبن رجال تخفيش يمه ، انتِ بس ادعيلي و ضلّوا بخير . يتطاير الشّرر من عيني القاضي وهو يقول : أسد إذا حكيت مرّة تانية بترجع ع السّجن بدون محكمة !!
يجيبه بـنظرة استخفاف قائلاً : على أساس المحكمة عادلة و انتو شرفاء !!
يشتمه أحد الجنود بـ لفظٍ نابٍ ، و يأمره بـِالرّجوع إلى السّجن ، يترقرق الدمع بـِعيني جدتي وأمي ، فتطمئنها بـِابتسامة ،و تزجرها بـِنظرة ، كان حديث العيون في هذا اللقاء أكثر بالكثيرٍ من حديث الشفاه !!
حبست جدتي دموعها ، و أخذت تدعو لك و تحتسب أمرها إلى الله : الله يرضى عليك و يحميك يمّه ، حسبي الله ونعم الوكيل على كل ظالم ، و القاضي يصرخ بـِ صوته البغيض : اطلع برّا ، فلسطيني حقير !!
لم أتوقف أنا أو أمي أو جدتي ، عن الدعاء و الاحتساب ، خرجنا من قاعة المحكمة مرفوعي الرأس ، و حق لنا ذلك ، فـمنذ دقائق فقط ، كنا على لقاءٍ ببطل أبي...
قبل أن تذهبوا احتضنوا أسرانا بـِدعوة ، لا أذاقكم الله في من تحبون مكروها .
You must be logged in to post a comment.