هل يعتبر النوم أهمّ عادةٍ للسعادة؟
نحن البشر لا نعمل بشكل جيد عندما نكون متعبين بشكل يفوق عن المؤشر الطبيعي للإرهاق، وهذا ينطبق بشكل خاص على الأطفال الصغار الذين لم تتطور أدمغتهم بشكل كامل بعد، قد يكون النوم هو مفتاح سعادة البشر وذروة أدائه اليوميّ، بحيث لا شيء يمكن أن يكون أكثر صحة للأطفال كالنوم الهنيء، إذ يحتاج الأطفال إلى الكثير من النوم ليكونوا سعداء. لسوء الحظ، تظهر الدراسات أن الأطفال ينامون أقل بكثير كل ليلة مما كانوا عليه في الأجيال السابقة.
يؤثر الحرمان من النوم - أو مجرد الحصول على قسط أقل قليلاً من النوم عما يحتاجون إليه - على أداء الأطفال ورفاهيتهم بعدة طرق، حيث إنّ عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم يمكن أن يجعل الأطفال:
- أقل ذكاءً: في إحدى الدراسات، قام الباحثون بتقييد نوم بعض الطلاب ومددوا نوم الآخرين لحوالي 40 دقيقة على مدار ثلاثة أيام فقط. أظهر الأطفال الذين حصلوا على قسط أقل من النوم أداءً أسوأ في مجالات مثل التعلم والذاكرة وأوقات ردود الفعل. حيث كان الفرق بين المجموعتين أكبر من أو مشابه للاختلافات العمرية ذات الدلالة العالية بين طلاب الصف الرابع والسادس في الدراسة. فيمكن القول بأنّ فقدان ساعتين من النوم على مدار ثلاثة أيام يعيد الأطفال عامين إلى الوراء!
- غفول وشرود الذهن: يجعل النعاس من الصعب على الأطفال الانتباه، سواء إلى عملهم في المدرسة أو إلى والديهم. كما تظهر آثار عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم أكثر وضوحًا عند الأطفال الأصغر سنًا، الذين يميلون إلى التشتت تمامًا عند التعب.
- السمنة المفرطة والخمول: يؤثر النوم على العشرات من العمليات الفسيولوجية والهرمونية في جميع أنحاء أجسامنا، مثل كيفية تخزين الدهون وحرق السعرات الحرارية. حيث إنّ الأطفال الذين ينامون قصيرًا هم أكثر عرضة ليس فقط لأن يكونوا بدينين، ولكن في الواقع يعانون من السمنة المفرطة.
- أقل إبداعًا: يساعد النوم الأطفال على المرونة اللفظية بحيث يكون حديثهم أكثر وضوحًا وإبداعًا. أمّا قلة النوم فتجعلهم أقل طلاقة، ويمكن أن يضعف تفكيرهم بطرق تجعلهم أقل قدرة على التخيل وأقل قدرة على حل المشكلات.
- المزاجية وسوء التصرف: يُعتقد أنّ هذا واضح عند كافة الآباء والأمهات الذين يملكون طفلًا فاته قيلولة، لكن الكثير من الأبحاث الجيدة تدعم هذا؛ عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم يمكن أن يجعل الأطفال في سن الخامسة يتصرّفون مثل الأطفال في سن الثالثة - بائسين يبلغون من العمر ثلاث سنوات- كما يزيد استخدام المواد المنشّطة، بما في ذلك استخدام الكافيين والكحول والتبغ، بين المراهقين الذين ينامون أقلّ، مما يشير إلى أنهم يحاولون التأقلم مع شعورهم عند التعب.
لماذا النوم مهم لسعادة الإنسان؟
إنّ النوم السعيد في ساعات الليل مهمٌ للغاية لصحة الإنسان، في الواقع، لا يقل أهمية عن تناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة. لكن لسوء الحظ، هناك الكثير من العوامل التي يمكن أن تتعارض مع أنماط النوم الطبيعية. حيث ينام الناس الآن أقلّ مما كان عليه في الماضي، كما انخفضت جودة النوم أيضًا.
فيما يلي هناك 10 أسباب لأهمية النوم الهنيء:
- قلة النوم مرتبطة بزيادة وزن الجسم: يميل الأشخاص الذين لديهم فترة نوم قصيرة إلى زيادة الوزن بشكل ملحوظ أكثر من أولئك الذين يحصلون على قسط كافٍ من النوم. في الواقع، تعد فترة النوم القصيرة من أقوى عوامل خطر الإصابة بالسمنة. ففي دراسة مراجعة واسعة النطاق، كان الأطفال والبالغون الذين لديهم فترة نوم قصيرة أكثر عرضة للإصابة بالسمنة بنسبة 89٪ و 55٪ على التوالي. وعليه، إذا كان الإنسان يحاول إنقاص وزنه، فإنّ الحصول على نوم جيد أمر بالغ الأهمية في استعدة وزنه المثالي.
- يميل الأشخاص الذين ينامون جيدًا إلى تناول سعرات حرارية أقل: تشير الدراسات إلى أن الأفراد المحرومين من النوم لديهم شهية أكبر ويميلون إلى تناول المزيد من السعرات الحرارية. كما أنّ الحرمان من النوم يعطل التقلبات اليومية في هرمونات الشهية ويعتقد أنه يسبب ضعف تنظيم الشهية، يتضمن ذلك مستويات أعلى من هرمون الجريلين؛ وهو الهرمون الذي يحفّز الشهية، ويظهر انخفاض مستويات هرمون اللبتين؛ وهو الهرمون الذي يثبّط الشهية.
- النوم الجيد يمكن أن يحسّن التركيز والإنتاجية: إنّ النوم مهم لجوانب مختلفة من وظائف المخ في الدماغ. وهذا يشمل الإدراك والتركيز والإنتاجية والأداء، كل هذه تتأثر سلبًا بالحرمان من النوم. حيث تقدّمت دراسة عن الأطباء المتدربين مثالاً جيدًا؛ ارتكب المتدربون الذين يتبعون جدولًا تقليديًا مع ساعات عمل ممتدة لأكثر من 24 ساعة أخطاء طبية أكثر خطورة بنسبة 36٪ مقارنة بالمتدربين وفقًا لجدول يسمح لهم بالنوم. كما وجدت دراسة أخرى أنّ النوم القصير يمكن أن يؤثر سلبًا على بعض جوانب وظائف المخ بدرجة مماثلة لتسمم الكحولي. ومن ناحية أخرى، ثبتَ أن النوم الجيد يحسن مهارات حل المشكلات ويعزز أداء الذاكرة لكل من الأطفال والبالغين.
- يمكن أن يؤدي النوم الجيد إلى زيادة الأداء الرياضي: حيث ثبت أن النوم يعزز الأداء الرياضي في دراسة أجريت على لاعبي كرة السلة، تبيّن أن النوم لفترة أطول يحسن بشكل كبير السرعة والدقة وأوقات رد الفعل والصحة العقلية. وارتبطت مدة النوم الأقل أيضًا بضعف أداء التمارين والقيود الوظيفية لدى النساء الأكبر سنًا. كما وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2800 امرأة أن قلة النوم مرتبطة بالمشي البطيء وقوة القبضة المنخفضة وصعوبة أكبر في أداء الأنشطة المستقلة.
- الأشخاص الذين يعانون من قلة النوم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية: يمكن أن يكون لجودة النوم ومدته تأثير كبير على العديد من عوامل الخطر الصحية. إذ يُعتقد أن هذه هي العوامل المسببة للأمراض المزمنة، بما في ذلك أمراض القلب. كما وجدت مراجعة لـ 15 دراسة أن الأشخاص الذين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم معرضون لخطر الإصابة بأمراض القلب أو السكتة الدماغية بشكل أكبر بكثير من أولئك الذين ينامون 7-8 ساعات كل ليلة.
- يؤثر النوم على استقلاب الجلوكوز وخطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني: يؤثر تقييد النوم التجريبي على نسبة السكر في الدم ويقلل من حساسية الأنسولين. ففي دراسة أجريت على شباب أصحاء، تسبب قصر النوم على 4 ساعات كل ليلة لمدة 6 ليالٍ متتالية في ظهور أعراض مقدمات السكري. بما في ذلك، تختفي هذه الأعراض بعد أسبوع واحد من زيادة مدة النوم. وترتبط عادات النوم السيئة ارتباطًا وثيقًا بالتأثيرات الضارة على نسبة السكر في الدم لدى عامة السكان. لقد ثبت بشكل متكرر أن أولئك الذين ينامون أقل من 6 ساعات في الليلة معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
- قلة النوم مرتبطة بالاكتئاب: ترتبط مشكلات الصحة العقلية، مثل الاكتئاب؛ ارتباطًا وثيقًا بنوعية النوم السيئة واضطرابات النوم. كما تشير التقديرات إلى أن 90٪ من المصابين بالاكتئاب يشكون من جودة النوم. حتّى أن قلة النوم مرتبطة بزيادة خطر الموت عن طريق الانتحار. أولئك الذين يعانون من اضطرابات النوم مثل الأرق أو انقطاع النفس الانسدادي النومي يُبلغون أيضًا عن معدلات اكتئاب أعلى بكثير من أولئك الذين لا يعانون منها.
- النوم يحسن وظائف المناعة: إنّ قلة النوم قد ثبت أنّها تضعف وظيفة المناعة أيّضًا. إذ رصدت دراسة كبيرة واحدة لمدة أسبوعين تطور نزلات البرد بعد إعطاء قطرات أنف للأشخاص المصابين بفيروس البرد. ووجدوا أن أولئك الذين ينامون أقل من 7 ساعات كانوا أكثر عرضة للإصابة بالزكام بثلاث مرات تقريبًا من أولئك الذين ناموا 8 ساعات أو أكثر. إذا كان الإنسان يُصاب بنزلات البرد غالبًا، فإن ضمان حصوله على 8 ساعات من النوم على الأقل كل ليلة قد يكون مفيدًا للغاية. يمكن أن يساعده في الشفاء أيضًا؛ عند تناول المزيد من الثوم المضاد الحيوي الطبيعي!
- يرتبط قلة النوم بزيادة الالتهاب: يمكن أن يكون للنوم تأثير كبير على الالتهابات في جسم الإنسان. في الواقع، من المعروف أن قلة النوم تنشط علامات الالتهاب وتلف الخلايا غير المرغوب فيها. حيث يرتبط قلة النوم ارتباطًا وثيقًا بالتهاب طويل الأمد في الجهاز الهضمي، في الاضطرابات المعروفة باسم مرض التهاب الأمعاء. كما لاحظت إحدى الدراسات أن الأشخاص المحرومين من النوم المصابين بمرض كراون كانوا أكثر عرضة للانتكاس من المرضى الذين ينامون جيدًا. ويوصي الباحثون حتى بتقييم النوم للمساعدة في التنبؤ بالنتائج لدى الأفراد الذين يعانون من مشاكل التهابية طويلة الأمد.
- يؤثر النوم على العواطف والتفاعلات الاجتماعية: يقلّل النوم لعدد ساعات قليلة من قدرة الإنسان على التفاعل اجتماعيًا. حيث أكدّت العديد من الدراسات ذلك باستخدام اختبارات التعرف على الوجه العاطفي. كما وجدت إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين لم يناموا لديهم قدرة منخفضة على التعرف على تعبيرات الغضب والسعادة. ويعتقد الباحثون أن قلة النوم تؤثر على قدرة الإنسان للتعرف على الإشارات الاجتماعية المهمة ومعالجة المعلومات العاطفية.
الإنسان السعيد
فعلًا؛ يمكن اعتبار النوم من إحدى سبل السعادة المجانية للبشر حول العالم! ويمكن اعتباره عادة أساسية وصحيّة لسعادة الإنسان. وهذا بعدما وضّح المقال توضيحًا مفيدًا عن الأسباب والنتائج التي تجعل الإنسان أكثر صحيًّا واجتماعيّا؛ يمكن القول أنّه أصبح سعيدًا وبشوش الوجه أيضًا، من خلال ممارساته اليومية ونظراته الإيجابية التي توحي بمستقبل جميل ورائع!
You must be logged in to post a comment.