الانهار العربية الحزينة
تغيرت الاوضاع الطبيعية لكل الانهار في العالم بدون استثناء تدريجيا وبشكل محزن خلال المئة عام الاخيرة وبدرجات متفاوتة. وتاثرت الانهار العربية اكثر من غيرها لعدة اسباب اذكر منها : الازدياد السكاني المضطرد في الوطن العربي وطبيعة الوطن العربي من حيث المناخ المعتدل الى القليل الامطار نسبيا وبناء العديد من السدود على جوانب هذه الانهار والتلوث وغيرها من الاسباب الخاصة بكل نهر.
فنهر النيل مثلا لم يعد بالامكان شرب مائه مباشرة كما كان يفعل السكان حوله في السابق بسبب التلوث وانخفض منسوب الماء فيه بدرجة كبيرة خصوصا في مصر التي تعتبر المرحلة الاخيرة لجريان هذا النهر العظيم واصبح الكثير من المزارعين يعانون من مشاكل في ري محاصيلهم بسبب انخفاض منسوب المياه كما قلت كميات الاسماك المستخرجة من النيل عن السابق .
ونهرا دجلة والفرات حدث لهما الشيء نفسه في انخفاض منسوب الماء فيهما بسبب السدود العديدة التي اقيمت عليهما في تركيا وسوريا والعراق كما ازدادت نسبة تلوث المياه في النهرين ويعاني سكان وسط وجنوب العراق كثيرا من هذه المظاهر ولديهم مشكلات في الري وصيد الاسماك وعدم صلاحية مياه النهرين للشرب مباشرة.واصبح منظر هذه الانهار محزنا في العديد من المناطق خصوصا عند الاشخاص كبيري السن الذين عاشوا على جوانب هذه الانهار منذ اربعينييات القرن الماضي.
لكن النهر الاكثر مبعثا على الحزن والقلق بشانه هو نهر الاردن.
لقد عشت في قرية صغيرة على الجانب الشرقي لهذا النهر في الاغوار الاردنية الشمالية تسمى المنشية منذ عام 1961اي منذ ولادتي وحتى عام 2000حيث انتقلت الى العاصمة الاردنية عمان .وكنت منذ طفولتي انا واجيالي نسبح في النهر ونصطاد منه السمك اللذيذ ونشرب منه دون ان يصيبنا مغص او اسهال او اي مرض اخر وكان مائه عذبا صافيا حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي.حيث قل ماء النهر بشكل ملحوظ واصبحت ذات لون اصفر خصوصا في فصل الصيف ولم يعد بالامكان الشرب منها وزاد الوضع سوءا بعد ذلك فلم يعد بالامكان السباحة في النهر منذ مطلع عام 2000 وحتى الان اذ يصاب الشخص الذي يسبح فيه بحكة جلدية ويتغير لون الجلد لفترة من الزمن وحتى طعم السمك لم يعد لذيذا كما كان واصبح حجم السمكة صغيرا بسبب نقص عمق الماء واصبح الماء في النهر ضحلا لدرجة انه يمكن عبوره دون ان تبتل الركبتان في بعض المناطق وكثرت الخنازير البرية والثعالب والافاعي على ضفتيه حتى ان اشجار الحمضيات التي يتم سقيها من ماء النهر تصفر وتصاب ثمارها بامراض بكتيرية وفطرية واذا تم استخدام ماء النهر لري المزروعات او لتربية الاسماك في برك على جانبي النهر فلابد من استخراجها من ابار يتم حفرها بجانب النهر كي تتم تنقية الماء بالفلترة الطبيعية.
كان النهر يفيض سابقا في العام الواحد اقل شيء ثلاث مرات في فصل الشتاء وكنا ننزل بعد الفيضان وانحسار الماء لنجد كميات من الاسماك قد جلبتها المياه وحشرتها اشجار الدفلى والقصيب بين اغصانها او انحسرت بين مستنقعات صغيرة ولم تستطع العودة الى النهر . مثل هذا اليوم كان كانه العيد لسكان الاغوار حيث نجمع السمك نبيع منه ونشوي وناكل قسما منه ونفرح بالتجمهر حول النار التي نوقدها جانب النهر من الحطب الذي يجلبه الفيضان . اما في السنوات الاخيرة فقد استعصى الفيضان على النهر لعدة سنوات وان حصل فانه يحدث بصورة خجولة ولا يرتفع ماء النهر الا امتارا قليلة ولا يجلب الا سمكا قليلا وصغير الحجم ولم يعد احد يفرح بفيضان النهر كما كنا نفرح في السابق .
لقد تم بناء عدة سدود على جانبي النهر ساهمت في منع مياه بعض الاودية من ان تصب في النهر وحجزت كميات من مياه الامطار ومنعتها من ان تصل للنهر. كما تم تحويل اربعة روافد رئيسية للنهر الى مناطق زراعية ثلاثة منها غرب النهر وواحد شرقه.
حتى ان البحر الميت تتناقص مياهه سنويا واصبح محزنا لان التهر الذي يمده بالماء اصبح على وشك الموت ايضاوقد دخل مرحلة الاحتضار.
نهر الاردن مقدس عند اخوتنا المسيحيين لان المسيح عيسى عليه السلام قد تعمد بمياهه التي كانت طاهرة ونقية اما اليوم فهي على وشك ان لاتصلح لشيء .
ارحمو هذا النهر العظيم وامنعو تلويث مائه ونظفو شاطيئه واجعلوه مكانا رائعا كما كان في القرن الماضي وابنو حوله المنتزهات بدلا من ان يكون مرتعا للثعالب والخنازير والافاعي .وارجعو لهذا النهر قداسته واحترامه قبل ان يتلاشى من الوجود .
You must be logged in to post a comment.