الحُكْمُ على الآخَرين: أنْ تَسْمَعَ بِالمُعَيديّ خَيرٌ مِن أنْ تَراه!

لطالما كانت الأمثال رفيقة لنا في حياتنا، بحيث يكاد لا يخلو مجلس يجتمع فيه جماعة من الناس من استخدام بعض هذه الأمثال على اختلاف المواضيع التي قد يتحدث فيها الناس، كيف لا وفي حقيقة الأمر أن هذه الأمثال قد تمخَّضت عن تجارب ومواقف عاشها أجدادنا وأسلافنا السابقون في شتى مجالات الحياة، فتناقلتها الأجيال حتى وصلت إلينا في أيامنا هذه.

"أنْ تَسْمَعَ بالمُعيديّ خيرٌ مِن أنْ تَراه"، هو مثلٌ يُضرب في مَن خَبَرهُ وَصِيتُهُ أفضلُ مِن مرآهُ ومظهرِهِ، وأوّل مَن أُطلِق عليه هذا المثل هو ضمرة بن شقة من شجعان العرب وأشاوسهم، والقائل كان الملك النعمان بن المنذر بن امرؤ القيس اللخمي الملقّب بأبي قابوس.

·        قصة هذا المثل:

كان ضمرة بن شقة يغير دائما على حمى مملكة الملك النعمان بن المنذر حتى أعجزَه ولم يستطِع رَدْعَه، فقرّرَ الملك النعمان بن المنذر أن يكتب إليه كي يدخل ضمرة في طاعة وحمى الملك النعمان مقابل مائة من الإبل، فَقَبِلَ ضمرة ذلك دونما تردّد، فعندما حضر إلى مجلس الملك ورآه، سأله الملك: مَن أنت؟ -كان ضمرة بن شقة رجلا قصير القامة ذميم المنظر تزدريه العين حالما تراه-، فأجابه ضمرة: أنا ضمرة بن شقة، فتعجب الملك النعمان لقوله فقال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه!

استشاط ضمرة غضبا لقول الملك، فَرَدَّ: إنّ الرجال لا تُكال بالقفزان وليست بمسوك يستسقى فيها، وإنّما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، إن قاتَلَ قاتلَ بجنان وإنْ نطقَ نطقَ ببيان.

فقال الملك النعمان: والله إنّك لصدقت، وبحق سودك قومك، وسأله عن رأيه في بعض الأمور من بينها الفقر الحاضر والداء والعياء، فقال المعيدي:

أمّا الفقر الحاضر فأنْ تكون نفس الرجل لا تشبع ولو كان من ذهب، وأمّا الداء والعياء فجار السوء الذي إنْ كلّمته بهتك، وإنْ قاوَلتَهُ شتمك، وإن غِبتَ عنه سبعك، فإذا كان جارك فخلّ له دارك وعجِّل من فرارك، وإن رضيتَ بالدار فكُن كالكلب الهرار، وأقرّ له بالذّلّ والصّغار.

فأُعجِب الملك النعمان بحكمته وفصاحته وجعله مِن مُقرّبيهِ وحُدّاثِه.

 

إذا ما أمعنّا النظر في هذا المثل وقصّته، فسنجده قيل في شخص أقلُّ ما يُقال عنه حكيم وسيّد، أمّا شكله الذي كان سبَباً لأنْ يزدريه البعض كما فعل الملك النعمان في بداية لقائه به فهذا من صنع الله الذي أحسن كل شيء سبحانه، والمرء لا يحاسب ولا يُحكَم عليه بشكلٍ قط، إنما كانت الأخلاق والعلوم والمعارف هي المعيار الذي لطالما يُتَّبَعُ في الحُكمِ على الأشخاص، ومَن فعل غير ذلك كان سفيهاً.

فَكَم مِن شخص تُعجِبُك طلعته وهيئته فإذا ما تحدّثتَ إليه اكتشفت مدى سُذجِهِ وهول الفراغ الذي يحتويه بين جنبيه، وكم من شخص ظننتَ في بداية الأمر أنه لا يَمتلِكُ عِلماً أو مَعرِفَةً أو شيئاً مِن مكارم الأخلاق وإنَّما هو من سُفهاء وشِرار القوم فَما أنْ تعامَلْتَ معه حتى أبهَرَك بما يكتنزه مما ذكرنا سابقا.

 

وَلَكَ عزيزي القارئ أنْ تُسْقِطَ ما تحدثتُ به آنفاً على واقعِ كثير من الأشخاص الذين يُحيطون بِنا في حياتنا، والذين نُجبَرُ على التّعاملِ مَعَهُم آسفين على ذلك.

وأنْ يكون مَن تَرَأسَ قوماً أو استلم زِمام أمرٍ ما في شؤون قومه –عَظُمَ الأمرُ أو صَغُرَ- من تِلك الفئة التي تُعجِبك مظاهرهم، وفي حقيقة الأمر هُم لا شيء، فذلك أدهى وأمَرّ .. وما أكثَرَهم!!

 

لا تَتَسَرَّع في الحُكمِ على الناس .. فَقَد تَظلِمُ عَزيزاً وَتَرْفَعُ رَخيصاً

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author