مقدمة
" الفرضية هي الضوء في الكهف المظلم "
" اسحاق نيوتن "
البحث او البحث العلمي هو اسلوب لجمع المعلومات الموثوقة بشكل منظم يقوم على تدوين الملاحظات وتحليل الموضوعي لتلك المعلومات باتباع اساليب ومناهج علمية محددة قصد التاكد من صحتها او تعديلها او اضافة الجديد لها والخروج بقوانين و نضريات من شانها التنبأ بحدوث الظواهر والتحكم في اسبابها. البحث العلمي يعتمد على اساليب منظمة موضوعية قائمة على الملاحظة و تجريب ووتسجيل المعلومات وتكوين الفرضيات والتي هي محور بحثنا اليوم فلفرضيات تعد من المراحل التي يبنى عليها البحث العلمي فهي الطريق الذي يسلكه الباحث نحو دراسة الظاهرة وتنقيب في خباياها من خلال هذا الطرح ماهي الفرضيات وماهي الشروط التي تعتمدها كباحث لصياغة الفرضية ؟ ومن اين تستنبطها؟
المبحث الاول : ماهية الفرضيات وخصائصها
المطلب الاول : مفهوم الفرضيات
بعد تحديد الباحث للمشكلة البحثية المراد دراستها وذلك من خلال جمع قدر كافي من المعلومات حولها وحول اسبابها من ملاحظة والاستطلاع و جمع للقرائات ، فإن على الباحث بعدها الانتقال الى مرحلة اخرى يقوم بموجبها بتحديد فرضيات وصياغتها تكون جسر يتم من خلاله الوصول الى نتائج معينة يبني عليها الباحث دراسته ثم يؤكدها او ينفيها .
تعريف الفرضية :
هي تفسير او استنتاج ذكي ، يصوغه الباحث ويتبناه من خلال قدرته على ملاحظة اسباب الحقيقية للظاهرة واستطلاع حولها لشرح ما يلاحظه من ظواهر وحقائق ، وليكون هذا الفرض مرشدا له في البحث والدراسة التي يقوم بها .
يعد الفرض العلمي رأيا أو فكرة تقبل على أنها صحيحة في ضوء ماهو معروف و متوافر من حقائق أو معلومات عن ظاهرة معينة كما يختار الفرض العلمي مؤقتا.
كما ينظر الى الفرض العلمي على انه علاقات معينة بن النتغيرات اي المتغيرات المستقلة والتابعة ، فالمتغيرات المستقلة هي التي يحاول الباحث ان يفهمها ويقيس تاثيرها على المتغيرات التابعة او بعبارة اخرى هي العوامل التي لها تاثير على المتغيرات التابعة .[1]
المطلب الثاني : خصائص الفرضية
بما أن الفرضية هي صياغة اجابة افتراضية عن اسئلة يسعى الباحث للإجابة عنها من خلال الملاحظة او التجربة او بمختلف الطرق ، وبما ان العمل العلمي يتميز بالدقة، فلابد اذن ان تكون للفرضية مواصفات ومعاير تميّزها عن غيرها :
أ- التصريح : الفرضية عبارة عن تصريح يوضح في جملة او اكثر علاقة قائمة بين حدين او اكثر .
ب- التنبؤ : الفرضية عبارة عن تنبؤ لما سنكشفه في الواقع ، والذي يمثل الحل المتوقع للمشكلة المدروسة.
ت- وسيلة للتحقق : الفرضية هي ايضا وسيلة للتحقق الإمبريقي ، و هذا الاخير هو عملية يتم من خلالها معرفة مدى مطابقة التوقعات او الافترضات للواقع اي الظواهر.
باختصار الفرضية هي اساسا عبارة عن تصريح يتنبأ بوجود علاقة بين حدين او متغيرين او اكثر،او بين عنصرين من عناصر الواقع ، ويجب التحقق من الفرضية في الواقع ، بهذا المعنى فهي تمثل ركيزة الطريقة العلمية.[2]
المطلب الثالث : أهمية الفرضية العلمية
تكمن اهمية الفرضيات في الدور الذي تلعبه في عملية البحث العلمي و تتمثل خاصة في :
- تحديد مسار البحث العلمي من خلال توجيه الباحث لجمع البيانات و معلومات لها علاقة بالفرضيات من اجل اختبارها ومن ثم قبولها او رفضها .
- تساهم في تحديد المناهج والأساليب البحثية الملائمة لموضوع الدراسة بما يساعد على اختبار الفرضيات .
- كما تظهر اهميتها في تسلسل وربط عملية سير المنهج التجريبي من مرحلة الملاحظة العلمية الى مرحلة التجريب واستخراج القوانين واستنباط النضريات العلمية .
- زيادة قدرة الباحث على فهم الظاهرة المدروسة من خلال تفسير العلاقات بين المتغيرات المكونة لهذه الظاهرة .
- تؤدي الفرضيات دورا مهما وحيويا في استخراج النظريات و القوانين و التفسيرات العلمية للظواهر و المساهمة في تراكم المعرفة وتواصل وتيرة البحث العلمي من خلال الكشف عن افكار وفرضيات جديدة يمكن دراستها . [3
المبحث الثاني : مصادر الفرضيات وشروط صياغتها
المطلب الاول : مصادر الفرضيات
قبل التطرق لمصادر الفرضيات يجب التاكد من صحتها با معنى :
- ان تبدأ هذه الفرضيات من الواقع المحسوس والمشاهد وليس من تاثير المفرط للخيال . وهذا حتى تكون الفرضيات اكثر واقعية
- قبولها للتجريب واختبار
- عدم التناقض
- ان تكون متناسقة ومنسجمة مع النضريات المطروحة لنفس موضوع البحث
- ان تكون مستنبطة من الملاحظة ونظريات علمية ودراسات سابقة
مصادر الفرضيات :
أ – الملاحظة : وهي مصدر مهم للغاية تاتي نتيجة ملاحظة الباحث لسلوك او ظاهرة ملفتة لانتباه تثير فضول الباحث فيطرح حولها تساؤلات ويحاول ان يعطي افترضات او اجابات مؤقتة عن هذه التساؤلات . على سبيل المثال اكتشاف نيوتن لقانون الجاذبية، وسقوط التفاحة فوق رأسه، ومن ثم أطلق لنفسه العنان في التفكير إلى أن توصل إلى العلاقات الفيزيائية التي نظمت نظرية الجاذبية.
ب – النظريات : يمكن ان تكون النظرية منطلق لبعض الافتراضات وهذا مايؤدي الى سرعة توسع دائرة العلوم وتنوعها [4]
ج – الدرسات السابقة :
هي تلك الأبحاث السابقة التي يرجع إليها الباحث؛ من أجل الحصول على البيانات والمعلومات المتعلقة بموضوع البحث، ومن ثم القيام بدراستها بشكل جيد، ثم تحليلها بالطرق العلمية والمنهجية المستخدمة في البحث العلمي، وبعد ذلك تحديد مدى التشابه والاختلاف فيما بينها وبين فرضيات البحث العلمي المقدم .
تُوفِّر الدراسات السابقة الوقت والجُهد على الباحث العلمي؛ من خلال اختيار الإطار لموضوع خطة البحث العلمي.
· تُعتبر الدِّراسات السابقة جرس إنذار بالنسبة للباحث العلمي عند القيام بكتابة البحث؛ من خلال تحديد الطريقة التي من شأنها أن تُجنِّب الباحث الوقوع في الأخطاء التي ارتكبها الباحثون السابقون.
· تعرض الدراسات السابقة الأسلوب المنهجي السليم لموضوع البحث العلمي بشكل عام.
· تمنح الدراسات السابقة الباحث العلمي طريقة مثالية؛ من أجل استخلاص التوصيات والنتائج والمقترحات الأخرى المتعلقة بالبحث.
· تُساعد الدراسات والمؤلفات والأبحاث السابقة الباحث العلمي في تحديد المراجع الخاصة بالبحث العلمي وتُسهِّل عملية كتابتها.
· للدراسات السابقة دور مهم في عملية المقارنة التي يجريها الباحث العلمي فيما بين البحث الذي يقدمه وبين تلك الدراسات والمصادر.
الإطلاع والمعرفة الواسعة:
حيث يتطلب بناء الفرضية جهدا عقليا واعيا،فالباحث يبدأ بالتفكير في مشكلة معينة، تتطلب دراسة عميقة في موضوعات لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بها،ومن بينها الدراسات والأبحاث التي قام بها باحثون سابقون [5]وهذه القراءات والاطلاعات المستمرة تكسب الباحث ميزة هامة وقدرة كافية على صياغة فرضياته العلمية بطريقة معقولة.ولا يغيب عن الذهن ان المعرفة لا تكفي وحدها لبناء الفرضيات العلمية اذ لا بد ان يتمتع الباحث بعقل متفتح مرن وجرئ وقادر على تقليب الأمور والنظر إليها من زوايا متعددة.فالباحث خلال التخصص في موضوع معين ومن خلال ثقافته وإطلاعه الواسع وخبرته العلمية يكون قادرا على بناء فرضياته لتقسيم موضوع دراسته.
المطلب الثاني : شروط صياغة الفرضيات
شروط صياغة الفرضيات :
أ- معقولية الفرضية وانسجامها مع الحقائق العلميه المعروفة وأن لا تكون خياليه او متناقضه معها
ب- صياغة الفرضيه بشكل دقيق ومحدود قابل للأختبار وللتحقق من صحتها.
ت- قدرة الفرضيه على تفسير الظاهرة وتقديم حل المشكله.
ث- أن تتسم الفرضيه بالإيجاز والوضوح في الصياغة والبساطة والابتعاد عن العموميه أو التعقيدات واستخدام الفاظ سهلة حتي يسهل فهمها.
ج- أن تكون بعيده عن احتمالات التمييز الشخصي للباحث.
ح- ان تكون للفرضيات الموضوعة علاقة بمشكلة البحث بحيث يحمل اجابة محتملة لمعالجة مشكلة البحث حيث يدور الفرض حول مشكلة البحث وليس غيرها.
خ- يتعين أن يكون الفرض متمشياً مع هدف البحث ، ومحققاً للغرض منه ، وأن يعطي إجابة واضحة للمشكلة المحددة ، ويفضل أن يختص كل فرض بالإجابة على جانب واحد من جوانب مشكلة البحث.
د- أن ينشأ الفرض من وقائع ملموسة: أي ينشأ من ملاحظات علمية ، وليس من تأثير الخيال الجامح ، حتى تكون اكثر واقعية ، وحتى تتحول عن طريق التجربة والمشاهدة والتحليل ، إلى قوانين عامة ونظريات ثابتة.
ذ- أن يتوقع الباحث أن إثبات أو نفى هذه العلاقة ، يعطى حلا فعليا لمشكلة الدراسة.
ر- ان يتم صياغة الفروض بمصطلحات وبمنطقية
ز- يجب أن يكون للفرض صفة الاحتمال ، أي إمكانية إثبات صحته أو بطلانه ، فالفرض المؤكد صحته أو المؤكد بطلانه لا يمثل فرضاً علمياً.
س- أن تصاغ بطريقة تمكن من اختبارها وإثبات صدقها أو خطأها ، أي قبولها أو رفضها.
ش- ألا تكون الفروض المصاغة مختلفة مع أي حقائق علمية ، سبق الاتفاق عليها ، وأن تكون متسقة مع نتائج البحوث الأخرى ، التى أجريت فى نفس المجال.[6]
المطلب الثالث : الفرق بين النظرية و الفرضية
النظرية
إن النظرية هي مفهوم عام وشامل للعديد من المجالات الحياتية، فهي تدخل في كافة المجالات العلمية والاجتماعية والكونية، ولكل مجال مفاهيمه الخاصة ونظرته التي ينفرد بها، ولكن العلماء واللغويين قد حاولوا إيجاد تعريف للنظرية بشكل عام، ففي معجم المعاني الجامع يكون تعريف النظرية بأنها: قضية تثبت صحتها بحجة ودليل أو برهان. وقد عرّفها البعضُ على أنها طائفة من الآراء تحاول تفسير وقائع معينة من خلال الاستناد إلى أمور منطقية، والنظرية لا شك لتعرضها للانتقادات وإثبات صحتها من عدمه، فالنظرية يمكن أن تكون تنبؤات بشأن أمور أو ظواهر غير مثبتة، فتأتي التجارب بعد ذلك بإثبات صحتها أو إثبات عكس ذلك. وتختلف النظرية العلمية عن الاستعمال العام للنظرية، فالنظرية العلمية لا بدّ لها أن تستند على حقائق، وبعد التحقق من الحقائق تلك، يظهر من النتائج ما إن كانت النظرية صحيحة أم خاطئة، وأما بالنسبة إلى النظرية في الاستخدام العام، فهي تعتبر رأياً أكثر من أن تكون نظرية، فهي بذلك لا تستند على حقائق تثبت بالعلم.
الفرضية
هي عبارة عن رأي مبدئي يعطي تفسيراً مؤقتاً لظاهرة معينة ، تبنى على احتمالية لا تستند على حقائق واضحة وكاملة ، فهي نقطة البداية التي تبقى موضع اختبار، فيقول أرسطو: "هي نقطة البدء في كل برهنة، وهي المنبع الأول لكل معرفة يكتسبها الانسان ، أي أنه المبدأ العام الذي يستخدم كإحدى مقدمات القياس فكما قلنا فإن الفرضية تبقى موضع بحث حتى يتم تقييمها وإثبات صحتها من عدمه ، فإن صحت فبذلك تصبح نظرية علمية يستند إليها وتنسب إلى صاحبها ، فكل نظرية هي فرضية وليس كل فرضية نظرية .[7]
1. بحوش عمار و اخرون ، منهجية البحث العلمي وتقنياته في علم الاجتماع ، مركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتجية و السياسية و الاقتصادية ، برلين – المانيا ، 2019 .
2. https://mawdoo3.com/
You must be logged in to post a comment.