فِي غُرْفَةٍ مُسْتَشْفَى
تِلْك الْجُدْرَان الْأَرْبَعَة المليئة بِبَقَايَا الْأَرْوَاح، تِلْك الزَّوَايَا تِلْكَ الْمَرْآةِ، ذَلِكَ السَّرِيرِ ، تِلْك الْخِزَانَة ! !
يَا تُرَى كَمْ مِنْ الْقِصَصِ شَهِدَت،
وَكَمْ مِنْ الْأَنِين اِخْتَزَلَت، وَكَمْ مِنْ الْعُيُونِ كَانَتْ تِلْكَ الْغُرْفَةَ آخَر مَشْهَد أغمضت عَلَيْه ، كَم من كف ملوحة قبل الغرق في بحور الألم والموت لم تجد مغيثا لها،
وَكَم دقات قلب صارعت الخوف وكم مر رجفة قلق
وَكَم من لحظة ظمأ تنتظر يدا تسقيها حفنة ماء!!
وكم من كلمات أخيرة لم يسعفها المكان والوقت لكي تصل وتتحرر قبل أن تغادر الأنفاس!
وَأَنَا هُنَا فِي هَذِهِ الْغُرْفَةِ أَشْعَر بلاجدوى مِنَ التَّوَاجُدِ الْبَشَرِيّ فَكُلُّنَا عابرون وَتِلْك الْجَمَادَات هِيَ الَّتِي تختزل بقايانا فِيهَا هِيَ مِنْ يُظْهِرُ مَعَالِم الْقَصَص عَلَيْهَا تِلْكَ الْجُدْرَان الَّتِي أصمتها عَجْزِهَا عَنْ إنْقَاذ رَوْحٍ أَوْ تَخْفِيفِ أَلَمٍ أَوْ مَدٍّ يَد الْمُسَاعَدَة هِيَ فَقَطْ كَانَتْ شَاهِدًا عَلَى ألام تِلْك الْأَرْوَاح حَتَّى سَاعَات الْفَرَح فِيهَا تَوَلَّد وتختفي وتتسرب في جوف أرض جرداء لا تحدث أثرا !
تِلْك النَّظْرَة الحزينة لتلك الجدران اليائسة الَّتِي بَلَغَتْ لِحَدّ اللاَّمُبالاَة تَرَمَّق دُون اكْتِرَاث فَلَقَد أفقدتها قَصَص الْأَرْوَاح فُضُول التَّعَرُّف عَلَى ماهُو جَدِيد لِأَنَّهَا أَيْقَنْت أَنْ لَيْسَ هُنَاكَ جَدِيد ذَات السيناريو يَتَكَرَّر رَغِم تَبَدَّل الْوُجُوه وَتَنَوُّع الْأَسْبَاب ! !
صُمْت النِّهَايَات المرعب ، كَانَتْ هُنَاكَ نَافِذَةٌ فَتْحَتِهَا عَلَنِي أَسْتَطِيع مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ النُّورِ الْمُنْبَعِثُ مِنْ أَشِعَّةِ الْفَجْرِ إنْ أفَجَّر من خلاله صُمْت الْجُدْرَان المربك ولأجد مُتَنَفَّس لروحي مِنْ كُلِّ مَا يُحِيطُ بِهَا مِنْ أَرْوَاح وألام وَأَوْجَاع وَوَدَاع
حِين وَقَفْتُ أَمَامَ تِلْكَ النَّافِذَةِ وَجَدْتُ عَلَى حوافها إعْقَاب دُخَان ! !
أَخَذَت أَسْأَل تِلْك الْأَعْقَاب عَنْ قَصَصِ تِلْك الْأَصَابِعِ الَّتِي أحتضنتها هَلْ كَانَتْ تُودَع الْحَيَاة بِرَغْبَة أَخِيرَة أَم أَنَّهَا كَانَتْ تَثُور عَلَى ضَعْفِهَا وتتظاهر أَنَّهَا مازالَت تَسْتَطِيعُ أَنْ تَفْعَلَ مايحلو لَهَا فِي نَفْسِهَا ! !
وَقَد لَاحَظَت قَبْلَ ذَلِكَ تَحْذِير مُعَلَّقٌ ع إحْدَى جُدْرَان هَذِهِ الْغُرْفَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ التَّدْخِين ! !
فَفِي لحظاتنا الْأَخِيرَة تَسْقُطُ تِلْكَ الْمحاذير لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَعُودُ لِإِضْرَارِهَا أَيْ مَعْنَى فَقَدْ حَانَ وَقْتُ نِهَايَةٌ الْوَقْتِ وَلَا شَيّ يَأْتِي بَعْدَهُ لتحصد نِتَاج عاداتك السَّيِّئَة عَلَى صِحَّتِك !
مَازِلْت أَحْمِل ذَات الشُّعُور شُعُور تِلْك الْجُدْرَان وَتِلْك الْخِزَانَة وَتِلْكَ الْمَرْآة رَغِم أَنَّهَا لَيْسَتْ الْمَرَّةِ الْأُولَى الَّتِي اُرْقُد فِيهَا بالمستشفى فَقَبِلَهَا مَرَّاتٍ كَانَ الْخَوْفُ يَسْكُب أَنْهَارًا فِي دَاخِلِيّ كُنْت لَا أَعْلَمُ هَل سأرِي الشَّمْسُ غَدًا أَمْ أَنَّ نهايتي سَتَكُون فِي تِلْكَ اللّيَالِي كَمَدًا وَهَلَعا !
فِي هَذِهِ الْغُرْفَةِ وَاجَهَه شُعُور انْتِزَاع الرُّوحُ مِنْ الرُّوحِ رغم البقاء!!! اكتشفت أن البقاء كمادة يتساوي مع اللاوجود!
تَلاَشَى الْمَعْنِيّ وَالْقِيمَة مِنْ مَا كُنَّا نَعْتَبِرْه ذَا مَعْنَى وَذَا قِيمَة ! ! !
كُلِّ شَيِّ يَجرفة شلال الزَّوَال، شُرُوق يَتْلُوه غُرُوب وَهَكَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ يُغَرِّب مِنَّا وَعَنَّا شُعُور حَتَّى نَصِلَ للعتمت وَالنِّهَايَة!
You must be logged in to post a comment.