كاتبُ المُحتوى العربيِّ وحاجته إلى معرفةِ الفروقِ اللُّغوية
ياسر ذيب أبو شعيرة
نقرأُ في لسان العرب: رَدِفَ(فعل).
الرِّدْفُ: ما تَبِعَ الشيءَ.
وكلُّ شيء تَبِع شيئًا، فهو رِدْفُه، وإذا تَتابع شيءٌ خلف شيءٍ، فهو التَّرادُفُ.
ونقرأُ في المعجم الرائد:
ترادَفَ - ترادُفًا
ترادفَ الشخصان: تتابعا، أو ركبَ أحدهما خلف الآخر. ترادفتِ الكلمتان: كانتا بمعنى واحدٍ.
لقد انشغلَ بعض علماء اللغة بقضية "الترادف" في كلمات اللغة العربية وألفاظها، وأقروا بوجوده، وعدّوه مزيةً لها. أما منكروه، فقالوا بوجود فروق لغوية دقيقة بين معاني الكلمات والألفاظ، وأنَّ هذا ينفي عنها صفة الترادف، لذا؛ تحوَّلَ الاهتمام بالترادف، أو عدم الاهتمام به إلى اختلاف بين رأيين؛ أحدهما قال بوجود فروق واضحة في الكلمات التي تبدو مترادفة، والآخر أنكر هذه الفروق؛ إذ عدَّ ما يُترادف من الألفاظ والكلمات إعطاءَ المعنى نفسه للفظة.
وتعني الفروقُ في اللغةِ اختلافَ معاني الكلمات والألفاظ، مثل: الصوت والكلام، والإعادة والتكرار، والشكر والحمد، والنبأ والخبر، والشحّ والبخل، ونحو ذلك من الكلمات المترادفة أو المختلفة في معانيها بحسب ما يراه بعض اللغويين بنفي صفة الترادف من أساسها.
ولأن دارسي اللغة العربية، ومتذوقي الأدب العربي، والمشتغلين في كتابة المحتوى العربي، يحتاجون إلى استخدام المعاجم اللّغوية؛ لمعرفة معاني الكلمات ودلالاتها، وفهم النصوص العربية كالأشعار وغيرها من فنون الكتابة، ولحاجة كتّاب المحتوى العربي –خصوصا- إلى إثراء معجمهم اللغوي بالمفردات والكلمات والألفاظ، ومعرفة معانيها ومرادفاتها، واختيار اللفظة الدقيقة ووضعها في سياقها اللغوي المناسب، فقد زادت الحاجة إلى معرفة الفروق اللغوية بين الكلمات، وانبرى بعض الكتاب إلى الاطلاع على المعاجم المتخصصة في توضيح الفروق اللغوية الدقيقة بين المترادفات اللّفظيّة، للتعبير عن المعنى المراد بوضوح تام؛ إذ إن القدرة على استيعاب المفردات ومعرفة معانيها مرتبطة بثقافة الفرد وإحاطته بالمفردات ومعانيها.
ويعدُّ كتابُ الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري من أشهر المصنفات التي عنيت بالفروق اللغوية، أو المترادفات اللّفظيّة، وفي ذلك يقول العسكري: " ثم إنِّي ما رأيت نوعًا من العلوم وفنًّا من الآداب، إلا وقد صنف فيه كتب تجمع أطرافه وتنظم أصنافه إلا الكلام في الفرق بين معانٍ تقاربت حتى أشكل الفرق بينها نحو العلم والمعرفة والفطنة والذكاء.. وما شاكل ذلك، فإني ما رأيت في الفرق بين هذه المعاني وأشباهها كتابًا، يكفي الطالبَ، ويقنع الراغبَ مع كثرة منافعه في ما يؤدي إلى المعرفة بوجوه الكلام والوقوف على حقائق معانيه، والوصول إلى الغرض فيه، فعملت كتابي هذا مشتملًا على ما تقع الكفاية به من غير إطالة ولا تقصير، وجعلت كلامي على ما يعرض منه في كتاب الله، وفي ألفاظ الفقهاء والمتكلمين وسائر محاورات الناس، وتركت الغريب الذي يقلُّ تداوله؛ ليكون الكتاب قصدًا بين العالي والمنحط، وخير الأمور أوسطها".
وتضمن كتاب العسكري آراءً وشروحاتٍ عدة، أظهر فيه العسكري جودة منهجه ورصانته، وغزارة علمه اللغويّ وغناه، وتنوع ثقافته المعجمية. وتاليًا أمثلة على الفروق اللغوية، اختيرَتْ للوقوف على دلالة المفردات والألفاظ المتشابهة وحقيقة معانيها.
1. الإعادةُ والتَّكرارُ:
الإعادة: إعادة الشيء مرة واحدة.
التَّكرار: إعادته مرات عدة.
2. الشكرُ والحمدُ:
الشكر: الاعتراف بالنعمة وتعظيم المنعم ولا يصح إلا على النعمة.
الحمد: الذكر بالجميل على جهة التعظيم، ويجوز على النعم وغيرها.
3. النبأُ والخبرُ:
النبأ: الإخبار بما لا يعلمه المُخبَر.
الخبر: الإخبار بما يعلمه وما لا يعلمه المخبَر.
فأنت تخبرني عن نفسي، ولا تنبئني عنها.
4. السَّبُّ والشَّتمُ:
الشتم: تقبيح المشتوم بالقول، وأصله من الشتامة، وهي قبح الوجه.
السبّ: الإطناب في الشتم والإطالة فيه.
5. اللومُ والعتابُ:
اللوم: تنبيه الفاعل على موقع الضرر في فعله.
العتاب: الخطاب على تضييع حقوق المودة والأخوة والصداقة.
6. الحَلفُ والقَسمُ:
القسم: أبلغ من الحلف؛ لأنه مرتبط بالقسم بالله، والقطع بالشيء وفعل غيره.
الحلف: يكون بالله للقطع بالشيء فقط دون فعل غيره.
7. القرآنُ والفرقانُ:
القرآن: جميع الصور، وضم بعضها إلى بعض.
الفرقان: يفرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر وغيرها.
8. السمعُ والإصفاءُ والإنصاتُ:
السمع: إدراك المسموع فقط.
الإصغاء: طلب إدراك المسموع بإمالة السمع إليه.
الإنصات: الاهتمام بالكلام وحسن الاستماع إليه.
9. السَّهوُ والنِّسيانُ:
السهو: يكون عما لم يكن، كالسهو عن الركوع في الصلاة، فتسجد لما سهوت عنه.
النسيان: يكون عمّا كان، نسي مكان سكن جاره. تقول نسيت ما عرفته.
10. الظَّنُّ والشَّكُّ والرِّيبةُ:
الظَّن: فعل قلبي، يحدث لوجود إمارة أو علامة، وهو رجحان أحد طرفي التجويز
الشَّك: استواء طرفي التجويز.
الريبة: هي مكروه تظنه في إنسان.
11. الإدراكُ والإحساسُ:
الإدراك: طريق من طرق العلم، يدرك الإنسان الشيء ولا يحسُّ به، إدراك الشيء بالبصر مثلا.
الإحساس: معرفة مرتبطة بالحواس كالسمع واللمس والشم وغيرها، أحسَّ بوجوده بِـ سمعه مثلا.
12. الصِّحةُ والعافيةُ:
الصحة: أعمُّ من العافية، وتوصف بها الأجسام والآلات والأشياء.
العافية: ضدُّ المرض، وتكون في الأجسام والأبدان.
13. القدرةُ والاستطاعةُ:
القدرة: تتعلق بجملة من صفات، لذلك يوصف بها الله.
الاستطاعة: انقياد الجوارح للفعل؛ لذلك لا يوصف بها الله تعالى.
14. الأخذُ والتناوُلُ:
التناول: أخذ الشيء للنفس خاصة.
الأخذ: يكون باليد، والمجاز أن نقول أخذه بلسانه، وأخذ منه عهدا.
15. الفَلْقُ والشَّقُّ والرّتقُ والفَتقُ:
الفلق: الشقُّ على أمر كبير (فالق الإصباح).
الفتق: يكون بين الشيئين اللذين كانا ملتئمين.
والشَّقُّ: الفرجة في الشيء الواحد.
والرّتق: عكس الفتق، وهو سدُّ الفتق وإلصاق شيئين معًا.
16. الجودُ والسَّخاءُ والكرمُ:
الجود: كثرة العطاء من غير سؤال.
السخاء: أن يلين الإنسان عند السؤال فيسخو بالعطاء.
الكرم: هو أعلى مراتب العطاء، ويأتي بمعنى العزيز الذي لا يُغلب، والكريم الحسنُ.
17. اللَّمسُ والمَسُّ:
واللمس باليد خاصة، والمَسّ يكون باليد وغير اليد، واللَّمسُ يكون بين حيَّين، في حين أن المسّ بين جَمادين.
18. الظلُّ والفيءُ:
يذهب الناس إلى الاعتقاد بأنهما شيء واحد، وهما ليس كذلك، بحسب "أدب الكاتب"؛ لأن الظلَّ "يكون غدوة وعشية، ومن أول النهار إلى آخره".
أمّا الفيء: فلا يكون إلا بعد الزوال.
19. السرعةُ والعجلةُ:
السرعة: التقدم في ما ينبغي أن يُتَقَدَّم فيه، وهو محمودة ونقيضها مذموم، وهو الإبطاء.
والعجلة: التقدم في ما لا ينبغي أن يتقدم فيه، وهي مذمومة، ونقيضها محمود، وهو الأناة، وأما قوله تعالى: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّي لِتَرْضَى) الآية 84 سورة طه، فإن ذلك بمعنى: أسرعت.
20. الناسُ والوَرى:
أنَّ الناس تقع على الأحياء والأموات.
والورى: الأحياء منهم دون الأموات.
للاستزادة: يمكن الاطلاع على كتاب الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري.
You must be logged in to post a comment.