لقاء النقيضين!

 

 

 

  • كَانَ هُنَاكَ أَسَد جَالِسٌ فِي عَرِينِهِ يتضور جُوعًا وَلَا شَيّ فِي الْأُفُقِ يَلُوح بإقتراب وَقْت الطَّعَام لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَائِع لِلطَّعَام وَلَكِنْ كُلُّ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَصِفَ شُعُورُه بِهِ هُوَ أَنَا جَائِع ! كَان يُتَأَمَّل الْأُفُق ويتساؤل ماهذا النَّوْعِ مِنْ الْجُوعِ الَّذِي يَنْهَش فِي جِدَارِ رُوحِي ، فَقَد أَكَلْت وَشَرِبْت وَأُخِذَت قِسْطًا طَوِيلًا مِنْ الرَّاحَةِ وَالنَّوْم وتسامرت مَعَ أَصْحَابِي وَأَمَلَك تِلْك الْآنِفَة الَّتِي تُجْعَلُ مِنِّي مِلْكًا للغابه ، فَمَاذَا ينقصني وماهو الشُّعُور الْغَرِيب الَّذِي يَجْعَلَنِي جَائِعًا وَمَاذَا انْتَظَر ماهُو نَوْع ذَلِكَ الطَّعَامِ ، مَا شَكْلِه هَلْ يُؤْكَلُ بِالْفَم ؟ ؟ ! ! مُسَافِرٍ مَعَ تساؤلاتة بَاحِثًا عَنْ طَرِيقِ لِإِشْبَاع ذَلِكَ الْجُوع الَّذِي لَا يُعْرَفُ أَسْبَابِه ومسبباته وَكَيْفِيَّة الْخَلَاصِ مِنْهُ فَعَدَمُ إدْرَاك سَبَبٌ الشُّعُورِ لَا يَتِيح فِرْصَة لِلْقَضَاء عَلَيْه ! وَفِي وَقْتِ غَيْرِ مُتَوَقَّع وَقَفْت إمَامِه يمامة بَيْضَاء تمتلأ بِالسَّلَام وتتلألأ مِن عَيْنَيْهَا أَنْوَار الْحَبّ وأبتسمت لَه تَسَمَّر الْأَسَدِ فِي مَكَانِهِ لَمْ يَرَى فِي حَيَاتِهِ تِلْك النَّظْرَة الحانيّة وَلاَ تِلْكَ الابْتِسَامَة الودودة الَبريئة الَّتِي تَضُخّ بِالْأَمَان فَقَد اعْتَاد مَلامِح الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ ونظرات الهلع وارتجافة الْمَوْت ، بَدَأَت الْيَمَامَة بِالْحَدِيث وَقَالَت صَبَاح السَّلَامُ أَيُّهَا الْأَسَد الشُّجَاع فَرَدَّ عَلَيْهَا بَعْدَ وَقْتِ مِنْ التَّأَمُّلِ : صَبَاح النّورُ الّذِي يَشِع مِنْ بَيَاضٍ أجنحتك آيَتِهَا الْيَمَامَة ، أَيْنَ كُنْتَ لَقَد تضورت جُوعًا لِوَقْت طَوِيلٌ وَأَنَا أَنْتَظِرُك دُونَ أَنْ أَعْلَمَ مَا انْتَظَرَ ! كَيْف لِكَي أَنْ تَكُونِي فِي حضرتي وَلا تَخَافِي كَالْبَقِيَّة وَلَا يَرْتَابُ قَلْبَك مِنْ اِبْتِسَامَةٌ أنيابي الَّتِي قَدْ لَا تُبَشِّر بِالْخَيْر وَلَكِن تَلُوح بِالشَّرّ ؟ ! أيعقل إِنَّك تجهلين مَنْ أَنَا ، وَلِذَلِك أقتربتي دُون حذّر أَلَمْ تَسْمَعِي يَوْمًا عَنْ مِلْكِ الْغَابَة الْمُفْتَرِس ! ؟ الْيَمَامَة : بَلْ أَعْرِفُك جَيِّدًا وَلَكِنْ أَنْتَ مِنْ كَانَ يصدح بِالنِّدَاء لِي أَنْتَ مِنْ كُنْتُ تتضور جُوعًا وَتَوَدُّ أَنْ تَفْهَمَ وَتَعَلُّم مانوع ذَلِك الشّي الَّذِي تعاني بِسَبَبِه الْجُوع ، هَل تَعَرَّفْت عَلَيْهِ الْآنَ ؟ ؟ ذَلِكَ الْجُوع قَدْ لَا تَكْتُبْ لَهُ الْأَقْدَارِ أَنَّ يَشْبَعَ حَتَّى لَوْ عِشْت عَمْرًا طَوِيلًا لِأَنَّهُ هِبَةٌ مَنْ السَّمَاءِ كَالْمَطَرِ لِأَرْض تَشَقَّقَت أوصالها مِنْ الْجَدْبِ فَكَانَتْ تِلْكَ الْقَطَرَات هِي مَدَدٌ مِنْ السَّمَاءِ لِإِعَادَة الْحَيَاةِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ . الْأَسَد : تحدثي كَثِيرًا وَطَويلا فوقوفي وَأَنَا أتأمل بياضك وبريق عينكي وَتَوَاجَد رُوحَك تشعرني بِالشِّبَع ! أَن الشُّعُورِ لَا يَنْتَمِي لَوَاقِعٌ فَمُحَالٌ لِقَاء أَسَد ويمامه ، إنِّي أَشْعَر إنِّي فِي حِلْمٍ مِنْ أَحْلاَمٍ الْيَقَظَةِ أَوْ إنِّي سَافَرْت لِعَالِم خَارِجٌ عَنْ نَظْمِ هَذَا الْعَالِمُ الَّذِي أَعِيش فِيه ، تَرَى ماهُو ذَلِكَ الْجُوع هَلْ هُوَ جُوع شُعُور غَيْرَ مَأْلُوفِ وَمُخْتَلَفٌ وَغَيْر مُمْكِنٌ وَمُسْتَحِيلٌ ! ! ! الْيَمَامَة : رُبَّمَا لَكِنَّك ستتضور جُوعًا أَكْثَرَ بَعْدَ أَنْ شَعَرْت وَعَلِمْت وعشت إحْسَاس الشِّبَع وأطعمت ذَلِكَ الْجُوع فَأَحْيَانًا تَمَنَّى الْأَشْيَاءِ دُونَ أَنْ نلتقيها أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ امْتِلاكَهَا وَلَمَس الشُّعُور بِهَا وَمَنْ ثَمَّ خسارتنا لَهَا ! الْأَسَد : مَاذَا تقصدين آيَتِهَا الْيَمَامَة ! الْيَمَامَة : الْأَيَّام ستخبركً قَصْدِيٍّ فَلَا تَسْتَعْجِل ! ! وَأُخِذَت تُرَفْرِف بجناحيها وتهم بِالطَّيَرَان ، وَالْأَسَد يُتَوَسَّل لَهَا بِأَنْ تَبْقَى وَكَأَنَّه تَحَوَّل لَكَائِنٌ آخَر حَوَى بَيْن أضلعه حَنَانٌ وَرَقَّت الْكَوْن وهاهي الْيَمَامَة تَبْتَعِد وَهُو مُشَخَّصٌ الْبَصَر عَلَيْهَا وَيَجْرِي خَلْفَهَا ويسألها هَل ستعودين ؟ ؟ مَتَى سألقاك مَرَّةً أُخْرَى ؟ ؟ وَيَرْتَدّ صَدَاه عَلَيْه ، الْيَمَامَة تَبْتَعِد وَهُوَ يَجْرِي وَيَجْرِي حَتَّى بَلَغَ حافَة الْجَبَل فتدارك نَفْسِه بِاللَّحْظَة الْأَخِيرَةِ وَلَمْ يَهْوِي فِي ذَلِكَ الْوَادِي السحيق ، وَلَكِنْ سَقَطَ فِي وَادِي أَكْثَر عُمْقًا وَظُلْمَةٌ ، أَخَذ الْأَسَد يُشْعِر لأَوَّلِ مَرَّةٍ أَنَّهُ خَائِرَ الْقُوَى لَا يَسْتَطِيعُ فَقَد أنْهَكَه الْجُوع مِن ملاحقته لظل تِلْك الْيَمَامَة وَسُلِبَت مِنْه طَاقَة الْحَيَاة ، تَمَنَّى لَوْ أَنَّهُ بَقِى فِي عَرِينِهِ يتساؤل عَنْ أَسْبَابِ شُعُورُه بِالْجُوع ، وَلَمْ يَهْلِكْ نَفْسَهُ بِشِبَع زَايَل لَحْظِيٌّ تَرَكَه مَنْهُوك الرُّوح ، 

مَوْجُوع الْقَلْب ، مَسْلُوب الْإِرَادَة ، يَقْتُلُه الْجُوع وَلَكِنْ لَيْسَ فَقَط لِنَوْع وَاحِدٌ وَلَكِنَّ لِكُلّ أَنْوَاع الْحَاجَات وَكَأَنَّه تَحَوَّلَ مِنْ مُفْتَرِس لفريسة مَغْلُوبٌ عَلَى أَمْرِهَا بِفِعْل الْقَدْر ! أَنْكَر مَشَاعِرُه جِلْد ذَاتِه ، وَقَف وَسَقَط ، تَحَوَّل لأشرس مِن بِالْغَابَة وَلَكِنْ لَمْ يُلْغِي الشُّعُور الَّذِي فِي أَعْمَاقِه بِالضَّعْف وَالْحَاجَة لِوُجُود تِلْك الْيَمَامَة الصَّغِيرَة الضَّعِيفَة الْقَادِرُ عَلَى إِنْهَاءِ حَيَاتِهَا بصفعة مِنْ قَبْضَتِهِ ، رَغِم أَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ تَعُدْه بشئ وَلَكِنَّه جَعَلَهَا فِي نَظَرِهِ مذنبة لِأَنَّهَا فَقَط عَرَفْتُه عَلَى ذَلِكَ الشُّعُور ، ، أَخَذ يَلُوم نَفْسِه لِمَاذَا فَعَلَ بِنَفْسِهِ هَكَذَا ، لِمَاذَا حِين هَمَّت بِالرَّحِيل لَم يَثْأَر لكبريائه وَيَقْتُلُهَا وَيُنْهِيهَا مِنْ نَفْسِهِ وَيَقْطَع أَمَل عَوْدَتِهَا اللَّا مُمْكِنٌ وَالْمُسْتَحِيل ، وَعَيْش مَا تَبَقَّى لَهُ مِنْ أَيَّامِ عَلَى أَمَلِ لقاءها مَرَّةً أُخْرَى كَانَ يَدْفَعُه الِانْتِظَار لِلْمَوْت فِي كُلِّ ثَانِيَة وَلَحْظَةٌ لَقَد فَقَدَ شُعورَهُ بِالْأَيَّام وَالْعُمْر واللحظات تَوَقَّفَ عِنْدَ لَحْظَة وَمَازَال يَتَمَنَّى عَوْدَتِهَا وَيُعِيدُهَا عَلَى نَفْسِهِ عَمْرًا كَامِلًا فَتِلْك اللَّحْظَةِ الَّتِي شَبِع بِهَا كَانَتْ كَأَنَّهُ مَلَكَ كُلٍّ الْكَوْن بملذاتة الْمَادِّيَّة والروحية وَلَا سَبِيلَ لعودتها وَلَكِن فَقَط الْعَيْشَ عَلَى رَائِحَة ذِكْرَى تِلْكَ اللَّحْظَةَ ، وَمِنْ هُنَا عُرِف الْأَسَد جَوَابٌ الْيَمَامَة وتسائل فِي نَفْسِهِ أَكَانَتْ تِلْكَ اللَّحْظَةَ ثَوَاب لِي أَمْ عِقَاب يأسرني بِالْأَلَم كَكَفَّارَة لِلَحْظِه شَبِع عَابِرَة ! تُعْرَف فِيهَا عَلَى نَظَرِه حُبّ مُسْتَحِيلٌ ، وَعَلَى نَبْضِه أَمَانٌ خَفَق بِهَا قَلْبُهُ لمرة وَاحِدَة ! فَكُلّ شَيّ جَمِيل يُحَدِّث مَرَّةً وَاحِدَةً وَلِأَنَّه اسْتِثْنَاءٌ سَيَبْقَى مُخْتَلِفًا لِلْأَبَد .         

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments
mansur - فبراير ٢, ٢٠٢١, ١٢:٢٣ ص - Add Reply

مقالة جميلة ومعبرة جدا

You must be logged in to post a comment.

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٨ ص - عاهد الزبادي
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١١:٠٠ م - Mohamad Choukair
ديسمبر ٩, ٢٠٢١, ٣:٣٢ م - بلقيس محمد
نوفمبر ٢٥, ٢٠٢١, ٤:٥٨ م - وريد فواز
About Author