منعطفات نفسية

دَعْنَا نَعيش الْمَوْقِف ونتخيله كَحَقِيقَة مَلْمُوسَة 

وَكَأَنَّك تَسِير بَيْنَ جَبَلَيْنِ أَمَامَك هُوَّة سحيقه وَفِي الْجَانِبِ الْمُقَابِل كُوخ خَشَبِيّ بَسِيطٌ بمدخنه ، تَمَامًا كَذَلِك الكوخ الَّذِي نرسمه بالطفوله تَأَثُّرا بِمَا نُشَاهِد مِن مسلسلات كرتونية وتحتضنه الطَّبِيعَةُ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ ! 
لطالما جَلَسَت تتأمله وتتنمى أَنْ تَصِلَ لِذَلِكَ الْمَكَانِ وتراه مَنْ قَرُبَ وتستمتع بِهِ وَلَكِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ تعيقك عَنْ الْوُصُولِ ! وفجأة تَسْتَدِير وَتَرَى أَسَدًا ضَخْمًا 
مُقْبِلٌ عَلَيْك مُنْهِك ويتضور جُوعًا ! 
يَا تُرَى فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ مَاذَا ستفعل ؟ ! 
هُنَاك خياران أَوْ بِالْأَصَحِّ فِعْلَان لَسْت أَنْتَ مِنْ يقررهما وَلَكِن قُوَى تَصْدُر مِنْك دُون وَعِيّ أَوْ إدْرَاكِ ! 
إمَّا أَنْ تَقِفَ متسمرا مِنْ أَثَرِ صدمتك بِالْمَوْقِف وَتَكُون طَعَامًا لِلْأَسَد . 
أَو تَقَفَّز وتنقذ نَفْسِك دُون إدْرَاك لعواقب مَا تَفْعَلُ ! 
وَهُنَا نَجِد أَنَّ تِلْكَ الْأَفْعَالِ قَرَارٌها  لاَ يَصْدُرُ مِنْك رَغِم إِنَّك قُمْت بِهِ تَحْتَ تَأْثِيرِ قُوَى خَارِجِيَّة ! إلَّا وَهِيَ هَيْمَنَة الْقِدْرِ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالُك الَّتِي تَتَوَهَّم أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَرَارٍ ذَاتِيٌّ مِنْك ! ! 
وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الأحْيانِ تَكُون القَراَرَات الْغَيْر مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَفْكير بِمَعْنَى أَنَّ تَكُونَ مَوَاقِف مُفاجِئَة تَسْتَلْزِم سُرْعَة الْفِعْل ، أَكْثَر صَوَابًا مِنْ تِلْكَ الَّتِي تُنَال وَقْتًا طَوِيلًا وعميقا مِن التَّفْكِير حَتَّى تُطْبَقَ بِالْوَاقِع وَإِن طبقت سَتَكُون غَيْرُ ذَاتِ تَحَوُّلٍ أَو مَنْفَعَةٍ حَقِيقِيَّةٌ ! 
لَقَدْ قَرَأْتُ عِبَارَة مُفَادُهَا أَنَّ الْفِعْلَ أَوْ الْإِجَابَة الْغَرِيزِيَّة الْأُولَى هِيَ الْأَكْثَر صَوَابًا حِين يحتار الْمَرْءُ بَيْنَ خِيارَيْنِ ! 
وَاعْتَقَدَ أَنَّ فِيهَا نَسَبَه كَبِيرَةً مِنْ الصِّحَّةِ 
دَعْنَا نَعُود لتحليل ذَلِكَ الْمَوْقِفِ 
لَوْ كَانَ هَذَا الْإِنْسَانُ غَيْرَ مُجْبَرًا عَلَى القَفْزِ ! ! ! هَل أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ لِيَبْلُغ الضَّفَّة الْأُخْرَى مِنْ الْأَمَان وَالطَّبِيعَة المتمثلة بالكوخ ! أَم أَنَّهُ جَلَسَ يُفَكِّر بِطُرُق أَكْثَر سُهُولَة وَأَقَلّ خُطُورِه وألما ! 
بِالطَّبْع أَنَّه سيفكر ويسرقه الْوَقْتِ وَرُبَّمَا انْتَظِرْ حَتَّى يُشيد 
جِسْر بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ ويصل  بِكُلّ سُهُولَة لحيث يُرِيد ! ! 
لَكِنْ هَلْ كَانَ سيضمن لِنَفْسِهِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضُ لِخَطَر آخَر ! ! ! ؟ هَلْ هُنَاكَ أَمَانٌ فِي بَقَاءَه وَهَلْ يَمْلِكُ فِعْلًا الْوَقْت لَيَنْتَظِر ؟ ! 
هَل سَتَكُون قِيمَة وَتَقْدِير هَذَا الْمَكَانِ الَّذِي نَالَه بِسُهُولَة كَبِيرَة وَعَظِيمَة لَدَيْه ! بِعَكْس تِلْكَ الَّتِي تَنَالُهَا بِتَعَب وَصُعُوبَة وَمُثَابَرَة ! 
أَحْيَانًا الْإِنْسَان يَحْتَاج للشعور بِالْخَطَر َوتضييق فُسْحَةٌ الِاخْتِيَار وَالْوَقْت عَلَيْهِ حَتَّى يُعَبِّرَ الْخَطَر لِيَنَال الْأَمَان 
وَلَو تَأَمَّلْنَا التَّغَيُّر الجذري الَّذِي يَطْرَأُ عَلَى  الإِنْسَان سَتَجِد أَنَّ خَلْفَهُ أَلَم كَبِيرٌ وَخَطَر عَظِيمٌ هُوَ مِنْ يَدْفَعُ الإِنْسانَ لاجتياز الصِّعَاب وَالْمَخَاطِر  
فَلَوْ كَانَ الْإِنْسَانُ فِي ، وَضَع الرَّاحَة وَالْأَمَان لَقُضِي الْعُمْر بالتفكير دُونَ فِعْلٍ مَلْمُوسٌ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ هُنَاكَ فُرَص كَثِيرَةٌ أَفْضَل وَوَقْت طَوِيلٍ لَيَنْفُذُ 
وَنَسِيَ أَنْ الْفُرْصَة وَقْت يحين وَلَا يَأْتِي ، يَصْنَع وَلَا يتواجد 
وَأَنَّ الْإِنْسَانَ مَحْكُومٌ بِقَدْر قَد يَتِيح لَهُ النَّجَاةُ أوْ الْهَلَاكَ . 
فَكُلّ وِلَادَة جَدِيدَة تَحْتَاج لِأَلَم الْمَخَاض . 
كُلّ فَرَحُه كَبِيرَة يَسْبِقَهَا حُزْن عَمِيق . 
وَكُلّ شَكّ يَتْلُوه يَقِين 
الْأَضْدَاد مُقْتَرِنَة بِبَعْضِهَا أَحَدُهُم يَسْبِق الْآخَر ! 
فَلَا نَهَار بِلَا لَيْل 
وَلَا حَقِيقَةَ بِلَا بَاطِلٌ 
وَلَا خَيْرَ بِلَا شَرّ 
وَلَا حَيَاةَ بِلَا مَوْتٍ 
فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ لَا يَقْتَصِرُ تَفْكِيرِه بِإِيجَاد الْخَيْر وَالْفَرَح وَالنَّجَاح 
دُونَ أَنْ يُدْرِكَ كَيْفَ يَتَعامَلُ مَعَ الشَّرّ وَالْحُزْن وَالْفَشَل 
دُونَ أَنْ يمتلك قُوَّة تَحْمِل الْأَلَم وَفُهِم الْغَايَةَ مِنْهُ فَهُوَ نَافِع غَيْرَ ضَارٍّ يُرِيك أُفُق نَفْسِك وَيَجْعَلُك تَبْحَثُ عَنْ مَعْنَى الْحَيَاة الْخَاصَّة بِك دُونَ سِوَاك فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا حَيَاة عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ هَدَفَه وَرِسَالَتِه وَمَعْنَاهَا وَمَعْنَاهُ فِيهَا
الْأَلَم هُو الْمُحَرِّك الْأَوَّل لِلْإِنْسَان يَدْفَعُه لِلْإِمَام لِيَنَالَ مَا يَسْتَحِقُّ وَلَا يُقْبَلُ الْعَيْش بِلَا اسْتِحْقَاقٍ ! تَمَامًا كالمعول الَّذِي يُحْرَث بَاطِنِ الْأَرْضِ لِيَجْعَلَهَا تَتَنَفَّس وَتُصْبِح ذَات كِفَائة عَالِيَة لِلزِّرَاعَة وَالْحَيَاة ! 
لِذَلِكَ كُلّ مايتعرض لَه الْإِنْسَانِ مِنْ منغصات فِي هَذِهِ الدُّنْيَا هِيَ أَسْبَابٌ ليتحرك ليقفز ليطأ عَلَى الْجَمْرِ وَيَمْشِي عَلَى الزُّجَاج حَتَّى يَصِلَ لِحِلْمِه بل
لِنَفْسِه إنْ صَحَّ التَّعْبِيرُ 
لِأَنَّهُ إنْ بَلَغَ نَفْسِه اسْتَطَاع تَحْقِيق أحلامه بِكُلّ سُهُولَة وَتَمَكَّنَ مِنْ صِنَاعَة أَيَّامِه كَمَا يَجِبُ مَهْمَا تَقَلَّبْت أَحْوَالِ الدُّنْيَا مَعَهُ وَفِيهِ !
 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٨ ص - عاهد الزبادي
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١١:٠٠ م - Mohamad Choukair
ديسمبر ٩, ٢٠٢١, ٣:٣٢ م - بلقيس محمد
نوفمبر ٢٥, ٢٠٢١, ٤:٥٨ م - وريد فواز
About Author