كان هلتر ذلك الرجل الضئيل المترهل الجسم الشاحب اللون يملك سحراً خاصاً في الخطابة والتأثير على الجماهير وشخصية جعلت الناس تزحف تجاه جاذبيتها، ومن الصعب أن يعرف المرء شيئاً عن شخصية وعقلية هذا الرجل دون عون من أخصائي نفسي، لكن هنالك شيء واضح هو أن الرجل شاذ أو غير طبيعي، فحركاته الهستيرية وأحقاده وعصبيته ونوبات انبساطه واكتئابه تعني أعراضاً غير طبيعية لإنسان شاذ.
هنالك قطبان متعارضان تماماً في شخصية هتلر، فشخصيته مزدوجة؛ عندما يكون طيباً ودوداً تجده يحب الموسيقى ويداعب الأطفال من تلقاء نفسه ويتحادث بهدوء تام مع أصدقائه حول جمال الطبيعة، وعندما يهتاج ويثور إذا ذُكر شيء عن خصومه تجده يحمر وجهه، وينفجر في غضب عارم يفقد معه السيطرة على نفسه، وهو أيضاً ممثل قدير وخبيث يعلم كيف يستغل تأثير غضبه على الآخرين، لقد فعل ذلك مع المسيتشار كورت فون شوشنيج Kurt Von Schuschnigg قبل استيلائه على النمسا، ومع الرئيس إميل هاتشا Imil Hacha قبل اجتياحه لتشيكوسلوفاكيا.
كان هلتر مصاباً بالنرجسية الشديدة وجنون العظمة حيث اعتبر نفسه المصلح الجديد الذي سيخلص البشرية من الظلم، وظن نفسه لا يزل أبداً، وعندما ركعت أوروبا تحت قدميه ازدادت لديه أعراض جنون العظمة.
لم يكن ليهتلر أصدقاء لأنه كان من النوع الذي يتخون الناس ولا يثق في أحد. لم يكن له سوى صديقين من النوع الحميم الذين يمكنك مخاطبتهم بضمير المخاطب في الألمانية "Du : أنت" بدلاً من "أنتم" أو "حضرتك". لقد قال عن ذلك فون ريبينتروب Von Ribbentrop بعد الحرب : "لا أعتقد أنه كان هنالك إنسان يتكلم هتلر إليه من قلبه ، ولا أعتقد أن هتلر باح بمكنون صدره لأي أحد حتى لأقرب أصدقائه ورفاقه".
كان هتلر ذئباً متفرداً وحيداً استم بهذه الصفات من قبل وصوله للسلطة، فعندما كان شاباً في بداية كفاحه السياسي، كانت بعض الأسر المرموقة والعائلات المعروفىة تعجب به وتستدعيه لتقابله وجهاً لوجه في قصورها، وكان يصل إلى تلك البيوتات العريقة في منظر مزرٍ مرتدياً ملابس رثة ومهلهلة، وكان يجلس صامتاً لا يتحرك، لكنه فجأة كان ينسى خجله ووحدته ويتفاعل في الحديث بعنف إذا ما وردت في الحديث نقاط تتعلق بسياسة ألمانيا وأحوالعها كمعاهدة فرساي مثلاً.
كانت لهتلر أحقاد معينة ضد المتعلمين والطبقة المثقفة لأنه لم يكمل تعليمه، لذلك كان أسلوبه تجاه جنرالاته وعلماء الرايخ الثالث هو احتقار آرائهم وفرض رأيه باعتباره أكثر فهماً وأبلغ حكمة منهم رغماً عن تخصصاتهم، وكانت لهتلر مكتبة تزدحم بالكتب والمراجع المختلفة المجلدة تجليداً أنيقاً لكنه لم يقرأ منها سوى القليل، إذ كان يبني حياته على العمل والفعل والتنفيذ وليس على الفكر والنظريات والتفرس، وقد قال هو نفسه عن ذلك : "لقد أعطاني الله موهبة الوصول إلى الحل في التو، واختصار المشاكل في أبسط صورها".
لم يكن هتلر يحب الدراسة، لذلك أطلق نفسه للتفكير والعمل الفوري، وكان يمل الأعمال الإدارية الكتابية، فتلك كان يوكلها دائماً إلى مساعديه، لم يكن يرغب إلا في السباحة في تخيلاته الواسعة وأحلامه الكبيرة، ثم بعد ذلك يحاول إنزالها باستحالتها عىلى أرض الواقع، وطبعاً بعنف وجنون بالغين!
كان لا يزال حتى وصوله لأعلى درجات السلطة، يرى في نفسه فناناً عظيماً أرسله الله ليجمل ألمانيا وينقذها، وأراد هتلر إعادة تشييد برلين على نحو يتسم بالفن والجمال وبطريقة تعكس شموخ وعظمة الرايخ الثالث.
عاش هتلر حياة أسبرطية Spartan life (حياة متسمة بالبساطة والاقتصاد في الإنفاق والكلام والبعد عن الترف وضبط النفسق والصرامة والجلد) .. لم يدخن أبداً ولم يجرؤ أحد على التدخين أمامه، ولم يشرب نوعاً من المشروبات الكحولية في حياته، وكان يتجنب الإكثار من شرب الشاي والقهوة، وكان موسوساً في تناول أي طعام خشية أن يدس له أحد السم فيه.
كان هتلر عصبياً في حياته اليومية يعاني أزمة في النوم ويحلم بأحلام ليلية مزعجة، وفي بعض الأحيان قال عنه من عاشروه إنه كان يتمتم أحياناً بعبارات غير مفهومة، لكنه كان يعشق الموسيقى ويحب الاستماع لأعمال الموسيقار ريتشارد فاجنر Rechard Wagner، وكان يتمثل شخصية فردريك الكبير Fredrick The Great الذي حطم أعداء الأمة البروسية تحطيماً، ومار جرجس الذي سيقتل الوحش البلشفي الأحمر.
لم يكن هتلر ألمانياً أصلاً، لكن صفاته النمساوية المعتدلة وأخلاقه الجمالية الحميدة مثل عدم الدخين أو شرب الكحوليات هي التي جعلت الشعب الألماني ينجذب إليه، لأنه شعب يحب الصرامة والفضيلة.
You must be logged in to post a comment.