البيمارَستان لغة
البيمارَستان لفظة فارسية معربة، وهي مركبة من كلمتين، هما (بيمار)، وتعنى عليل، أو مريض، أو مصاب، و(استان) وتعنى مكان، أو دار، أو بيت، فاللفظة تعني: بيت المريض.
البيمارَستان اصطلاحاً
البيمارَستان Bimaristan هو المستشفى بوجه عام، أو المحل الذي يتم إعداده لإقامة المرضى ومعالجتهم، وليس مستشفى الأمراض العقلية بخاصة، كما هو شائع في الوقت الحاضر، وتم اختصار الكلمة في الاستعمال، لتصبح (مارَستان).
أول بيمارَستان
كانت البيمارَستانات من أهم المظاهر، الدالة على تقدم الرعاية الطبية، عند العرب والمسلمين، وقد عرف العالم العربي والإسلامي هذه المستشفيات، منذ عهد رسول الله ﷺ، وتحديداً في غزوة الأحزاب (الخندق)، في عام (5هـ/627م)، حيث كان ثمة خيمة متنقلة، للصحابية الجليلة رفيدة بنت سعد الأسلمية، وكانت هذه الخيمة، بمثابة أول مستشفى حربي متنقل، لعلاج الجرحى وتطبيبهم.
البيمارَستان المتنقل
عرف العرب والمسلمون نوعين من البيمارَستانات، هما المتنقلة والثابتة، وقد ظهرت البيمارَستانات المتنقلة، قبل البيمارَستانات الثابتة، كما ذكرنا آنفاً، وهي مستشفيات يتم نقلها من مكان إلى آخر، في ضوء الحاجة إليها، مثل الحروب والمعارك، أو انتشار الأوبئة، حيث لم تكن البيمارَستانات الثابتة موجودة، وكانت البيمارَستانات المتنقلة، تجهز بأفضل المستلزمات الطبية، من العقاقير، والأدوات، وصارت تصحب الأمراء والملوك، في رحلات الحج، أو الصيد، وقد بلغت ضخامة بعض هذه البيمارَستانات المتنقلة، بحيث كانت تحملها قافلة، مكونة من أربعين جملاً، وكان السلطان الظاهر سيف الدين برقوق (740-801هـ/1340-1399م)، يصطحب معه في رحلاته مستشفى كبير، وظهرت فكرة البيمارَستانات المتنقلة، بشكلها المنتظم، في العصر العباسي، ففي عهد الخليفة جعفر المقتدر بالله، تأسس أول مستشفى مدني متنقل، لمعالجة المرضى والمصابين، في جميع الولايات العربية والإسلامية.
البيمارَستان الثابت
أما بالنسبة إلى البيمارَستانات الثابتة، فقد عرفت بشكلها المكتمل، ولأول مرة في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (46-96هـ/668-715م)، حيث عيَّن فيها الأطباء، وأجرى لهم الرواتب، كما أمر ببناء مستشفى خاص، لمعالجة المجذومين والمعاقين، وحبسهم حتى لا يمدوا أيديهم بالسؤال، وخصص لكل ضرير دليلاً، ولكل مقعد خادماً، وباتساع رقعة الدولة العربية والإسلامية، كثرت البيمارَستانات الثابتة، لاسيما في المدن الكبرى الشهيرة.
موقع البيمارَستان
كان اختيار مواقع البيمارَستانات خاضعاً للاستقصاء والبحث، من أجل تشييدها في أماكن أكثر ملاءمة، من حيث المناخ والطقس، فيذكر أن عضد الدولة بن بويه (936-983م)، لما طلب من الطبيب أبي بكر محمد بن زكريا الرازي (250-311هـ/864-923م) اختيار موضع مناسب، يقيم عليه البيمارَستان العضدي في بغداد، أمر الرازي أن تعلق قطع من اللحم، في وقت واحد، في أماكن مختلفة من المدينة، فإذا فسدت قطعة اللحم، في مكان ما تركوه، وذلك لسوء هوائه، وللرازي كتاب اسمه (صفات البيمارَستان).
إدارة البيمارَستان
لكل بيمارَستان رئيس، يعرف باسم (ساعور البيمارَستان)، ولكل قسم رئيس أيضاً، مثل رئيس الجرائحية أو الجراحين، ورئيس الكحالين، ورئيس الأمراض الباطنة، ولكل بيمارَستان ناظر، يشرف على الإدارة، ويوجد رئيس للأطباء، وهو يرأس مجموعة الأطباء، ويأذن لهم بالتطبيب، ويحدد لهم مواعيد العمل، كما يحدد لكل طبيب موعداً معلوماً، لزيارة القاعة الذي يعالج فيها مرضاه، ويوجد رئيس للكحالين، وهو يرأس أطباء العيون، وسلطته عليهم كسلطة رئيس الأطباء، كما يوجد رئيس للجرائحية، وهو يرأس الجراحين، ومجبري العظام، وكان هؤلاء الأطباء مقدمين، يكرمهم الوجهاء، والأمراء، والخلفاء، ويغدقون عليهم الأموال، لكن هذا الكرم، لم يمنع بعض الأطباء من العمل لوجه الله، في عدد من البيمارَستانات.
أقسام البيمارَستان
كانت البيمارَستانات فسيحة واسعة، تجري المياه فيها باستمرار، وهي تعتمد على الأوقاف في نفقاتها، سواء ما ينفق على المرضى، أو الأطباء، أو طلاب الطب، وكانت هذه الأوقاف تسجل في حجج مكتوبة، ينقشونها على حجارة، من باب الأمانة في التوثيق، وتنقسم البيمارَستانات إلى قسمين منفصلين، قسم للذكور وقسم للإناث، وقد تم تجهيز كل قسم بما يحتاج إليه، من آلات، وخدم، ومشرفين، من الرجال والنساء على حد سواء، ويحتوي كل قسم من هذين القسمين، على قاعات تخصصية، مثل قاعة الأمراض الباطنية، وقاعة الأمراض العقلية، وقاعة الكحالة، وقاعة الجراحة، وقاعة البرص، وقاعة تجبير العظام، وكل قاعة مقسمة لتخصصات أدق، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قاعة الأمراض الباطنية، فيها قسم للإسهال، وقسم للمتخومين والمبرودين، وقسم للحمَّيات، وقد ألحقت بكل بيمارَستان (شرابخانة) أو (أجزخانة)، أي: (صيدلية)، يعرف رئيسها باسم (المهتار)، أو (الشيخ الصيدلي)، يساعده غلام يعرف باسم (شراب دار)، ولكل بيمارَستان حمام، ومكتبة، ومكان مخصص يجتمع فيه رئيس الأطباء بطلاب العلم.
منهجية البيمارَستان
يتلقى طلاب الطب علومهم في البيمارَستانات، فقد كانت الأخيرة، بمثابة مستشفيات تعليمية، فبعد أن يتفقد الطبيب، برفقة طلابه المرضى، يأتي إلى إيوان خاص، هذا الإيوان مزود بكل آلالات والكتب، فيلقي عليهم دروسه، أو يناقش معهم بعض الحالات المرضية، التي وقفوا عليها، وكان بعض كبار الأطباء، يجعل له مجلساً علمياً في بيته، أو في المدارس الخاصة، لتدريس طلاب الطب الجدد، فلم تقتصر وظيفة البيمارَستان على العلاج فقط، وإنما امتدت إلى التعليم، والترجمة، والتصنيف.
أهم البيمارَستانات
من أهم البيمارَستانات، التي انتشرت وذاع صيتها في العراق، بيمارَستان الخليفة العباسي هارون الرشيد في بغداد، وقد كلف الرشيد، الطبيب جبرائيل بن بختيشوع، بإنشاء بيمارَستان، وكان يرأسه الطبيب ماسويه الخوري، وهو من أطباء بيمارَستان جنديسابور، وكان في بغداد أيضاً بيمارَستان البرامكة، ويعمل فيه الطبيب ابن دهني، ومن أهم البيمارَستانات في مصر، بيمارَستان الأمير أحمد بن طولون، وهو أول مستشفى من نوعه، وكان الأمير ابن طولون، يشرف عليه بنفسه، ويزوره كل يوم جمعة، وهناك الكثير من البيمارَستانات في مصر، مثل زقاق القناديل، والقشايش، والعتيق، والسقطيين، والإسكندرية الكبير، والمؤيدي، والمنصوري، والناصري، ومن أهم البيمارَستانات في الشام، البيمارَستان النوري الكبير، والصالحية أو القيمري، وآرغون، وأنطاكية، وحماة، وعكا، والقدس، وقد ازداد عدد البيمارَستانات، في العصر الأيوبي، والعصر المملوكي، خصوصاً في العراق والشام، وذلك بسبب اندلاع الحروب الصليبية آنذاك، فلم تخل ولاية أو بلدة، من بيمارَستان ثابت أو متنقل.
المراجع
- الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية، فاطمة محجوب، دار الغد العربي، مصر، 1995.
- الموسوعة العربية العالمية، مجموعة من العلماء والباحثين، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1999.
You must be logged in to post a comment.