الترادف في القراءن الكريم

يُعَدُّ الترادف ظاهرة لغوية لا تخلو منها لغة من اللغات البشرية، و قد اختلف بشأنها اللغويون من العرب و الغرب ـ قدماء و محدثين ـ  و غيرهم من الفلاسفة و المناطقة و علماء الأصول اختلافا شديداً، و تعددت آراؤهم في النظر إليها، من حيث تعريفها، و بيان أسبابها، و الجواز و الإنكار في وقوعها . لذا وجدنا من الباحثين المحدثين من يرى أن تعريفاً محدداً لمفهوم الترادف يبدو أمراً في غاية الصعوبة؛ معللاً ذلك بأنه لا توجد في لغة واحدة معان تتفق اتفاقاً تاماً. وأن اللغة تميل عادة إلى عدم وجود كلمات لديها المعنى نفسه، و أن صعوبة تحديد مفهوم الترادف تتمثل في عدم القدرة على تحديد درجة التشابه في المعنى و نوعه؛ حتى نستطيع أن نقول: إن هاتين الكلمتين مترادفتان .

و يزيد من صعوبة تحديد الترادف أنه ظاهرة دلالية متصلة بالمعنى، تمثل علاقة معنوية بين العناصر المعجمية، شأنها في ذلك شأن غيرها من الظواهر اللغوية الأخرى، مثل: المشترك اللفظي، و الاشتمال، و التضمن، و التضاد .  بل هي  في رأي أحد الباحثين ـ  أهم علاقات المعنى، و في الوقت نفسه أكثرها إشكالية . و يعد وصف المعاني أكثر الأمور إشكالية و تعقيداً في مجال علم اللغة، حيث يصعب توجيه دلالات الألفاظ ، وتحديد ما تشير إليه بدقة؛ لتعلقها بعوامل تاريخية و اجتماعية و ثقافية و غيرها.

و كذلك من الباحثين من أثبت أسباباً متعددة للترادف، و منهم من أثبت بعضها و رد الآخر. كما تباينت آراؤهم فيما يتصل بمسألة جواز وقوعه في اللغة و القرآن، و انقسموا فريقين، فريق أثبت وجوده، و جمع ألفاظه، و رأى أنه لا حاجة لإثباته و إقامة البرهان على جوازه بعد تحقق وقوعه عقلاً و نقلاً، و فريق آخر : منكر له، مانع لوقوعه، و قائل بالعلل و الفروق الدلالية بين الألفاظ، و بأنه ينافي الحكمة الإلهية ، و يتعارض مع العقل .

و قد توفرت لدينا أسباب دعتنا إلى دراسة موضوع : "الترادف في أفعال الحواس في القرآن الكريم ـ دراسة دلالية تطبيقية "، و هي على النحو التالي:

وضع تعريف علمي و محدد لمصطلح الترادف، يثبت للترادف ما له، و ينفي عنه ما ليس منه. 

و الباحث في ذلك يسعى إلى تحديد الضوابط و الشروط التي إذا توفرت مجتمعة حكم على الألفاظ بأنها مترادفة، بغرض تحديد المصطلح من ناحية ، و الحد من الغلو و المبالغة في إيراد المترادفات من ناحية ثانية، و اتخاذ هذا التعريف أساساً تقوم عليه الدراسة التطبيقية من ناحية ثالثة.

مناقشة آراء المؤيدين لوقوع الترادف في اللغة و المعارضين له من القدماء و المحدثينـ عرباً و غرباً ـ و تحليلها؛ للوصول إلى رأي محدد في حدوث الترادف في اللغة من عدمه. و لعل التحديد العلمي الدقيق لمفهوم التراف سوف يساعدنا في ذلك .

جهود العلماء القدماء والمحدثين في دراسة تلك الظاهرة.

 دراسة ظاهرة الترادف في التراث العربي نشأة و تطوراً، و مقارنتها بما في الدراسات الغربية من جهود تتصل بها ، و التعرف على تصور اللغويين العرب القدماء لها، و مقارنتها بتصور علماء اللغة الغربيين في بداية دراستهم لتلك الظاهرة ، هذا من ناحية، و من ناحية أخرى التعرف على أوجه الاختلاف بين جهود العرب القدماء في تصورهم  للترادف، و جهود علماء اللغة المحدثين، عرباً و غرباً و المقارنة بينهما .

لم يكن البحث في الترادف قاصراً على اللغويين، بل ساهم فيه علماء أصول الفقه و المنطق .

فعلماء الأصول لا يمكنهم التوصل إلى استنباط الأحكام و استخلاصها من النصوص إلا من خلال اللغة و فهمها، و إدراك أسرارها، و البحث في الألفاظ و مدلولاتها . أما علم المنطق فموضوعه المعاني و تحديدها، لذا فإنهم يرون البحث في الترادف من المسائل الجديرة بالعناية و النظر ؛ حتى تظهر معاني الحدود و القضايا محدودة ، خالية من الشوائب التي تحول دون دقة الفكر، و سلامته من الزلل. ولذلك رأى الباحث ضرورة التعرف على جهودهم في تحديد مفهوم الترادف، و وضع تعريف محدد له، يثبت له ما له ، و يبعد عنه ما ليس منه، و كذا تمييزهم الترادف مما قد يتشابه معه، مثل : الإتباع ، و التوكيد ، و الحد  و المحدود، و الألفاظ المتواطئة و الألفاظ المتكافئة.

دراسة الترادف في القرآن الكريم من خلال عرض آراء المؤيدين و المعارضين و مناقشتها .

الجانب النظري في تناول الظواهر اللغوية عموماَ، وظاهرة الترادف خصوصاَ .

إذ اعتنت بجمع الآراء ومناقشتها، وذكر أمثلة قليلة من المترادفات، نحو: ( السيف و الصارم ) و ( الإنسان و البشر ) فقد آثرت أن أجمع في هذه الدراسة بين الجانب النظري و الجانب التطبيقي الذي يتمثل في دراسة أفعال الحواس ( السمع ، و البصر ، و التذوق ، و اللمس ) في القرآن الكريم ؛ و ذلك لمعرفة وقوع الترادف من عدمه في أفعال الحاسة الواحدة . و يكون ذلك عن طريق دراسة المعنى الأصلي و الفرعي لأفعال كل حاسة، ثم الحكم عليها بالترادف إذا تم التطابق التام في المعنيين في أفعال الحاسة كلها. و يكون تبعاً لذلك جواز أن يستبدل كل فعل منها من الآخر في السياقات كلها، دون أن يحدث تغير في المعنى .

دراسة تعلق أفعال الحواس بحروف الجر، و أثر ذلك في المعنى من ناحية، و وقوع الترادف بين أفعال الحاسة الواحدة من ناحية أخرى.