الحجاج في شعر عباس محمود العقاد له أم عليه
أحمد حسام
المقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – يعلم الباحث أن الحديث عن أديب كبير يعتبر فخراً وإنجازاً له فكيف إذا تعلق الأمر بالشعر لدى عباس محمود العقاد الذي تميز بالنثر.
وقد سار الباحث وفق خطة مدروسة ابتدأها بتوضيح مسألة الحجاج في الشعر وبعد ذلك وإذا به يمر نحو الأديب العبقري عباس محمود العقاد فقد تناول نشأته والشعر في نظره وبعد ذلك يتطرق إلى من وقفوا مع العقاد حيث كان على رأسهم شوقي ضيف وسيد قطب والمازني وطه حسين وشفيق جبري وزكي نجيب محمود وأحمد الشريف وحمدي السكوت، أما الذين عارضوا شعره فكان في مقدمتهم مصطفى صادق الرافعي ومحمد مندور ومارون عبود وهل كانوا على حق في اتهامهم شعر العقاد بالضعف وإذا كان ضعيفاً ما هو الدليل على ضعفه، أم أنها إدعاءات لا أصل لها.
وتكمن أهمية هذا البحث في توضيح مسألة يكثر فيها الجدل فكما يعلم الجميع أن عباس محمود العقاد ناثر عبقري لا أحد ينكر عبقريته فكيف شعره هل شعره مميز كنثره ، وهل كانوا محقين في وصف شعر العقاد بالركيك ؟ وكان هدف الباحث الوصول إلى الحقيقة في شعر العقاد ما بين ضعفه وقوته
وقبل أن يبدأ الباحث في الموضوع يخطر على باله أكثر من سؤال. ما هو الحجاج ؟ ومن هو عباس محمود العقاد ؟ من هم الذين وقفوا مع شعر عباس محمود العقاد ؟ من الذين رفضوا الاعتراف بشعره ؟
-الحجاج)(
إن الاستعمال الاجتماعي للكلام يبرز للحجاج سمة مميزة فكل حجة تفترض حجة مضادة ولا وجود البتة لحجاج دون حجاج مضاد باعتبار أن الحقيقة متى تنزلت في إطار العلاقات الإنسانية والاجتماعية صعب إدراكها وأضحت محل نزاع وجدال في غياب الحجج المادية والموضوعية .
فميدان الحجاج ليس الصادق الضروري وهو ما يميزه عن البرهنة وإنما الممكن المحتمل لذا يقول جيل دكلارك إن الحجاج وهو يتخذ من العلاقات الإنسانية والاجتماعية حقلاً له يبرز كأداة لغوية وفكرية تسمح باتخاذ قرار في ميدان يسوده النزاع وتطغى عليه المجادلة .
والواقع أن التعريفات التي قدمت الحجاج تنتهي في أغلب الأحيان إلى الحديث عن النص الحجاجي مقارنة إياه بما باينه من النصوص علها تنجح في توضيح هذا المفهوم بشكل علمي دقيق .
ملامح الحجاج :
1. يتوجه إلى مستمع.
2. يعبر عنه بلغة طبيعية.
3. مسلماته لا تعدو أن تكون احتمالية.
4. لا يفتقر تقدمه إلى ضرورة منطقية بمعنى الكلمة.
5. ليست نتائجه ملزمة.
النص الحجاجي في جوهره :
حوار مع المتلقي وهو حوار يقوم على علاقة ما بين مؤسس النص ومتلقيه وهي علاقة تتخذ دون شك أشكالاً عديدة يكشفها الخطاب ذاته باعتباره يراهن أحياناً كثيرة على إقناع أكبر عدد ممكن من المتلقين بما جاء فيه.
الحجاج حاضر في الشعر حضوره في النثر على حد سواء وأن الشعر ككل خطاب يروم الفعل في المتلقي أو حمله الإذعان دون اقتناع حقيقي وقد ينشد غاية أبعد من ذلك وهي توجيه السلوك والمواقف موظفاً في ذلك شتى الأساليب والوسائل.
ورفض البعض الحجاج في الشعر؛ بسبب ربطهم إياه بالجدل ربطاً وثيقاً، فقد ظهر لهم أن مجال الشعر هو مجال العاطفة والانفعال والسبب في ذلك أنهم يعترفون بالشاعر بسلطته على النفوس ويقرون للشعر قدرته على النفاذ إلى مناطق المتلقي والفعل فيها، ويؤكدون على أن هذا الفعل والتأثير إنما يكونا بالإغراء والإثارة ومخاطبة العاطفة وتحريك المشاعر لا بالجدل المنطقي ومخاطبة العقل بقوة الحجة وسلطة البرهان.
يتخذ الحجاج أحياناً كثيرة أشكالاً أقل موضوعية يراها الكثيرون ملزمة إذ تهدف إلى فرض الرأي وتسعى إلى إظهار الفرضيات على أنها حقيقة لا ليس فيها بحيث تجبر المتلقي على اختيار ما.
فالحجاج اعتماداً على القيم الكونية يعني استدعاء الخير والحق والجمال واتخاذها مراجع في الكلام وخلفيات إليها يستند القول وعليها يتأسس الرأي أو الموقف والواقع أن شعر الغزل كله يستند إلى قيمة الجمال في حين أن أغراض الفخر والمدح والهجاء والرثاء تستند إلى قيمتي الخير والحق.
الشاعر العربي متى دافع عن قضية جعلها حقاً خالصاً وإن دعا إلى أمر ألبسه ثوب الحقيقة ونفى أن يكون مجرد فرضية أو محض احتمال فيكون بذلك احتج لآرائه وبرر مواقفه وتصرفاته استناداً إلى قيمة الحق.
-العقاد)(
بينما مصر تحاول النهوض على قدميها إثر ما أصابها في كارثة الاحتلال الإنجليزي إذ القدر يختار لها طفلاً من أقصى الصعيد مع من اختارهم لها من قبله ومن بعده، ليمثلوا روحها وليكتبوا لها مجدها الأدبي الحديث.
وهذا الطفل هو عباس محمود العقاد الذي ولد سنة 1898م لأسرة متواضعة، إذ كان أبوه أميناً للمحفوظات بمدينة أسوان. لم يكتسب العقاد مكانته الأدبية الرفيعة من جاه ولا من وظيفة ولا من لقب علمي، إنما اكتسبها بكفاحه المتصل العنيف الذي يعد به أعجوبة من أعاجيب عصرنا النادرة، فقد تحول بعد حصوله على الشهادة الابتدائية يزود نفسه بالمعارف زاداً وافراً، واحتل الأدب قلبه وشغله عن كل متاع في دنياه مستأثراً بكل ما فيه من قوة وفكر وعاطفة.
العقاد أكبر كاتب عربي معاصر خالط الأوروبيين في أدبهم وفنونهم وعلومهم وفلسفاتهم الميتافيزيقية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية وقد أثار هذا الاختلاط التشيع في كتاباته، فهو يتعامل مع الفكر الغربي في إدراك دقيق وكتاباته تشيع فيها روح فلسفية قوية، غير أنه من الصعب أن تستخلص له مذهباً فلسفياً محدداً فهو يفيد من كل المذاهب الفلسفية على اختلاف مناهجها، فلم يعتنق مذهباً معيناً بل سار على آرائه وكأنه آمن أن العقل أوسع نطاقاً من أن يحتويه اتجاه فلسفي واحد وقد عاش منذ مطالع حياته يؤمن بالعقل وأن الانسان مسؤول أمامه عن عقيدته، ولا بد للعق أن يسند العقيدة ببراهينه المنطقية، وهي فكرة توهجت توهجاً شديداً في مصنفاته الدينية أثناء المرحلة الأخيرة لحياته.
احترف العقاد الكتابة سنة 1907م وهو احتراف جعله يشارك مواطينه بمقالاته السياسية التي كانت تعالج شؤونهم العامة وما كانوا يجدونه أثناء الاحتلال من شقاء، وما كلنوا يتحملونه من ألم ومعاناة، وما كان يداعبهم من أمل ورجاء.
العقاد يضع للشعر أصولاً ومقاييس عامة تصور منهج مدرسته في تجديد شعرنا سواء من حيث مضمونه وما ينبغي أن يصير إليه من التعبير عن صورة التنفس والفكر والحياة تعبيراً صادقاً أو من حيث شكله وما ينبغي أن يدخل من تجديد في قوافيه وتجديد في لغته بحيث يشترط فيها إلا أن تجري على قوانين العربية.
تحدث العقاد عن الشاعر كثيراً وذكر ما ينبغي له من المواصفات ما تحدد مقاييس شاعريته وتجعله بهيئة تمنع غيره من الإشتراك معه في الاسم، ومما يلاحظ أن لفظة الشاعر كانت من الخواطر التي فكر فيها العقاد وحاول أن يضع لها تعريفاً جامعاً مانعاً وهو في سن مبكرة، حيث كان يسأل نفسه وهو لم يتعد العشرين من العمر من هو الشاعر؟ ولعله في تطلعه المبكر هذا يشير إلى طموحه لأن يكون شاعراً له من المواصفات ما يدفعه إلى الصف الأول من شعراء عصره)(.
والشاعر في نظر العقاد من تجلت روحه في شعره وتميز معها منهجه ومذهبه وتفكيره الخاص وليس الشاعر في نظره من يزن التفاعيل، ذلك ناظم أو غير ناثر، وليس الشاعر بصاحب الكلام الفخم واللفظ الجزل ذلك ليس بشاعر أكثر مما هو كاتب أو خطيب، وليس الشاعر من يأتي برائع المجازات وبعد التصورات، ذلك رجل ثاقب الذهن جديد الخيال؛ إنما الشاعر من يشعر ويُشعر. والشاعر المجدد في نظر العقاد الذي ينضبط بالقواعد الفنية للشعر وينطلق من القيود الاجتماعية التي فرضت عليه.
إن موضوع الشعر في نظر العقاد لم يكن شاعرياً بذاته بل الشاعر المطبوع هو الذي يكسبه إياه بصدق إحساس وما لديه من ملكة الإبداع ومهارة النظم التي توظف وسائل الخيال لصياغة الشعر.
فالشعر وسيلة تعبيرية، استخدمتها الأمة العربية والأمم الأخرى في أقدم العصور وكان موضع اهتمام النابغين من كل جيل؛ لما فيه من كفاءة التعبير من مطالب الحياة العامة ولما به من كفاية إطعام النفس الإنسانية بموسيقاه من جهة أخرى. والنظر في طبيعة ووضع المعايير لمقوماته.
ونظر العقاد إلى الشعر من خلال نظرته إلى الحياة والأمة ورأى في آداب الأمة إصلاحاً لحياتها. فكلما تناوب أدب الأمة جميع نواحي حياتها وعبر عن مظاهرها وتصفح ذلك التعبير أفرادها.
ربط العقاد الشعر بحياة الأمة والشعر عند العقاد لا تكتمل رسالته ولا يفي بغرضه وبالتالي لا يكتمل مفهومه ما لم يعبر بتعبير مصور خلاق يوحي إيحاء تتحرك به عواطف المتلقي ويهتز له وجدانه.
وقد قال العقاد شعره في موضوعات عدة، كادت أن تكون مصداقاً لمقرراته تلك، فقد نظم في الليل والبحر والبدر والصحراء والورد والنيل وأبي الهول ورمسيس والقطار والموسيقى وشكسبير...الخ.
-من يقفون مع العقاد
شوقي ضيف)(
أثنى شوقي ضيف على العقاد فقد قال عنه : أن له مكانة في الشعر الحديث، فقد تزعم أول مدرسة جددته تجديداً واضحاً مستقيماً وهو تجديد فتحت فيه نوافذ شعرنا على الآداب العالمية، وزالت عنه غشاوات التقليد واندفع بتمثل الروح المصري العربي الأصيل متغنياً ببواطن السرائر إزاء الانسان والكون ومتأملاً في الحياة والوجود، مزيلاً عنه الصورة التقليدية الحسية القديمة ذاهباً إلى صورة معنوية جديدة تموج بالمشاعر الوجدانية والتأملات العقلية.
كان العقاد قد أخرج حتى سنة 1921م ثلاثة دواوين وهي يقظة الصباح ووهج الظهيرة وأشباح الأصيل فضم إليها ديواناً رابعاً وهو أشجان الليل ونشرها مجتمعة في سنة 1928م باسم ديوان العقاد التي كانت أربعة أجزاء في مجلد واحد.
الديوان الأول بأجزائه الأربعة
أنه حرر الشعر من مضمونه القديم وحرره من صياغته التقليدية التي تعني بالطلاوة اللفظية وضروب التوشية والتزويق والتشبيهات المحسوسة ولم تعد القصيدة عنده خواطر متناثرة، لا يجمعها سوى رباط الوزن والقافية كما كان الشأن في القديم وعند شعراء مدرسة الإحياء والبعث فقد سادت أبياتها رابطة معنوية توثق الصلة بين أبياتها وتضمها في موضوع واحد متداخلة مترابطة.
فالديوان يعبر عن صورة جديدة لشعرنا الحديث وهي صورة تصله بالآداب العربية وغير العربية وبذلك تفتحت جوانبه لما تنسرب في بواطنها من أصداء الحياة الإنسانية وهي صورة معنوية لا تعني بالحس، وإنما تعني بسرائر النفس ، ووقع عناصر الطبيعة والكون فيها وقعاً ملئ بالعواطف وممزوج مع الروح المستكنة للوجود، وتمتد هذه الصورة إلى الحب فلا توصف المرأة بثوبها الجسدي الجميل وإنما توصف بروحها وشمائلها وما يتقاسمه المحب معها من عواطف ومشاعر، وهي صورة مصرية تتضح فيها الروح القومية والاعتزاز بالأمجاد الماضية وما خاضت مصر من غمرة البؤس في زمن الاحتلال مع الثقة في غداً مشرق.
فالحب عنده هو وصف الروح والشمائل وهو وصف يجب أن يرتفع عنه الشاعر إلى وصف مشاعره تلقاء المرأة وصفاً فيه العطف والحنان، فالعقاد جرد الحب من وصف الثغور والخدود والعيون والجياد والقدود والسيقان والأرادف فالشعر ينبغي أن يدفع الامة إلى الحياة المهذبة التي تعلو فيها نزعات الروح على نزعات الجسد.
وحي الأربعين:
مجموعة مقطوعات قصيرة قيدها العقاد في أثناء مشاغله السياسية والوطنية التي أخذت تلهيه عن التفرغ للشعر. وفي جوانب كثيرة في هذا الديوان يتجلى غنى الإدراك العقلي وأن الشعر ليس ومضات حسية فحسب بل هو أيضاً ومضات عقلية.
عابر سبيل:
نشر العقاد هذا الديوان سنة 1937م وقد نهض فيه بتجارب شعرية لم يسبق له ولا غيره من معاصريه تناولها ولا أداؤها إنما سبق إليها بعض الشعراء الغربيين في هذا القرن.
في هذا القرن قوة شاعريته وسرعان ما صاغ طائفة من القصائد خلع فيها شعوره وخياله على جوانب ومواقف وشخوص من حياتنا اليومية.
ومضى العقاد يلتقط من مرئيات الحياة ومشاهدها موضوعات لشعره، فهو يعبر عنها عن طريق خواطره النفيسة والخيالية والعقلية كقوله:
لا تنم، لا تنم إنهم ساهرون
سهروا في الظلم أو غفوا يحلمون
أنت فيهم حكم وهم ينظرون
في غد يلبسون في غد يمرحون
وله أشعار قومية كثيرة نظمها في مناسبات مختلفة كعيد يوم الجهاد وعيد بنك مصر ومشروع القرش فهو يجمع بين الحاضر والأمجاد الماضية داعياً الشباب إلى النهوض وطرد المحتل.
ومن أروع قصائد هذا الديوان قصيدته التي ألقاها في دار العمال عند افتتاحها في سنة 1935م وهي صرخة اشتراكية قوية في وجه الإقطاعيين والمستغلين فهو يدعو العمال إلى الإتحاد والمطالبة بحقوقهم المسلوبة حيث يقول:
أيها العاملون لبيكم اليوم ولبيكم غدا في المجال
نعم جيش السلام أنتم إذا ما جرد البغى جيشه لاغتيال
لكم العدة التي ما استطاعت أمة قط تركها في نزال
ولكم أذرع شداد وأيد من حديد وأظهر من جبال
ولكم في إتحادكم رأس مال إن فقدتم ذخائر الأموال
ولكم صيحة يهاب صداها سادة في نفوسهم كالموالي
تتسع به التأملات فتيحدث عن الموسيقى وما يقترن بها في ضمائرها العميقة من وحي البداهة ولغة الحياة، وإذا به يتكلم عن الحياة وما تقيد به الإنسان من قيود الغرائز والأهواء. ويتحدث عن ترجمة الشياطين التي صور فيها حياة شيطان وجعلها تمر في ثلاثة مراحل. الأولى وهي تعاطفه مع الشيطان الذي كتب عليه الشر في ألواح القدر وقدر له السوء قبل الوجود. وإذا بنا ننتقل إلى مرحلة ثانية وهي حياة الشيطان في الجنة حيث وصفها وصفاً رائعاً في عشر مقطوعات قصيرة وصور فيها ثنايا حياة الشيطان الجديدة وما حوله من ملائكة يسبحون الله في علاه. وكانت المرحلة الثالثة في مسخ الله الشيطان صخراً.
نزعته القومية إلى الخير وهي جزء من إحساسه القوي بأن الجمال الفني يرتكز على الخير والكمال الإنساني.
آخر دواوينه ( أعاصير مغرب وما بعد الأعاصير )
نشر العقاد في سنة 1942م ديوانه وكان قد وصل إلى سن الخمسين حيث يعرض في مقدمته بواعث الحب المتأخر وفي هذا الديوان مديح ومراث لمن ظلموا الشعب. فشعره بعد تقدمه في السن لم يعد يحتفظ في جمهوره بخصائصه الشعورية التي رافقته في ديوانه الأول فكلما خطا مع الزمن ضعفت عنده المادة العاطفية المتموجة وزادت عنده مادة التأمل المجرد وشعره يرتبط بحياته ومراحلها المختلفة.
العاطفة الوطنية بدأها بالجهاد الوطني السياسي العنيف، والشعب يصيح بمطالبه يريد أن يتخلص من هذا الظلم.
وما أخذ على العقاد من قبل النقاد أنه ينقل المسألة من صبغة التفكير المجرد إلى التفكير عامة، لا بد في كل فن وكل شعر من تفكير يعرف به الفنان والشاعر على أوتار العاطفة مستخرجاً أنغامها التي لا تحد، فهو عنصر أساسي لا يخلو منه شعر ولا فن.
ووما قيل في هذا الديوان)( :
الحب إن أبصر ما لا يرى أو أغمض العين فلا أبصرا
وأن أسيغ الحق ما سرني فإن أبى، فالكذب المفترى
الحب أن أسأل ما بالهم لم يعشقوا المنظر والمخبرا؟
ويسأل الخالون ما باله هام بها بهراً وما فكرا؟
الحب أن أفرق من نملة حيناً، وقد أصرع ليث الشرى
وأن أراني تارة مقبلا وخطوتي تمشي بي القهقرى
أقوال في العقاد)(:
يقول سيد قطب " في وضع النهار يعيش العقاد، صاحي الحس، واعي الذهن، حي الطبع، لا يهون إلا نادراً، ولا يتوه فيما وراء الوعي أبداً ".
ويقول عنه أيضاً " يعوض شعر العقاد الجيد عن الرفرفة الطليقة تلك الحيوية المتدفقة، وعن الإيقاع المتموج وتلك الحبكة الرصينة وعن الإنطلاق الهائم ذلك العمق الدقيق وعن سبحات الصوفية التائهة صدق الحالات النفسية الواضحة" يقول المازني في العقاد " بحر بلا انتهاء " ويقول أيضاً " إني لا أحس بعد الفراغ من مراجعة ديوانه كأن تعبير الحياة لي كان حقيقياً أن يكون ناقصاً في بعض وجوهه لو لم يقل العقاد شعره هذا وما أراني مبالغاً، ولا أقول ذلك على سبيل المجاملة أو مدح صديق لصديقه "
شفيق جبري يقول في العقاد " إذا كان الشعر في نظر البحتري لمحاً تكفي إشارته، فشعر العقاد عقل وفكر ومنطق وتجربة " ويقول أيضاً: " إذا كان بعض الشعر عقلاً وفكراً ومنطقاً وتجربة فقد يكون حظ هذه الأمور فيه أكثر من حظ الموسيقى، على أن سمو الفن في كثير من الأحيان قد يستغني عن عذوبة الموسيقى "
يقول أحمد الشريف في العقاد: " في شعر العقاد أسلوب عربي مشرق وجميل قل أن تجد له مثيلاً في القرن العشرين" .
أما طه حسين)( فهو يعلي من مكانة العقاد الشعرية في أكثر من موضع ويبين أثره الضخم في الأدب العربي الحديث ويصف شعره بالبراعة والروعة.
يقول زكي نجيب)( محمود عن شعر العقاد: " يرى فيه البصر المؤدي إلى البصيرة، والحس المحرك لقوة الخيال، ويبدي إعجابه بشعر العقاد وبشخصيته المتفردة الشامخة "
أما الدكتور حمدي السكوت في ترجمة الشياطين فهر يراها عملاً شامخاً متفرداً، ليس له شبيه في دواوين العقاد ولا في دواوين غيره ويزيد من عظمتها أن الشيطان في الشعر العربي لم يكن بوسعه أن يوحي إلى العقاد بهذه الفريدة.
استقر في روعة قراء العقاد)( أن شعره شعر الفكرة لا شعر التجربة أي شعر الخاطرة التي تصل بالجزئي إلى الكلي وتعبر المسافة بين المحدود واللامحدود، وتتبع بالمسافة بين العرض الظاهر والجوهر الخفي، وتلعب على الجدل بين المتناقضات ومجال الولع الشديد عند العقاد بمنطقه وقدرته على الجدل والمحاجة. يفجر العقاد ثورته الشعرية الكبرى في ديوانه (عابر سبيل) عندما يقرر أن ديوانه يرى في كل مكان إذا أراد حيث يراه في البيت الذي يسكنه وفي الطريق الذي يعبره كل يوم وفي الدكاكين المعروضة، وفي السيارة التي تحسب من أدوات المعيشة اليومية ولا تحسب من دواعي الفن والتخييل؛ لأنها كلها تمتزج بالحياة الإنسانية.
الفكرة في ديوان عابر سبيل أن مشاهد الحياة وعظات الأيام في متناول كل إنسان، وأنه يستطيع أن يخلع الحياة الإنسانية على ما حوله فإذا هو خواطر وبدوات وخوالج وأحاسيس. والغريب أن هذه اللغة التي اصطنعها العقاد لم تنجح في تحريض الناس على مقاربة شعره أو التفاعل معه وظلت الفكرة الشائعة عن شعر العقاد الصعوبة والوعورة والتعقيد هي المسيطرة.
العقاد تشغله القضية أو القضايا في الشعر، وكيف تصاغ القضية في بيت واحد من الشعر، كما تشغله التقسيمات الوافية التي تشير إلى منطق صارم وقدرة على الجدل. ومساحة كبيرة من شعر العقاد تكاد تجعل منه شاعراً رومنسياً يشبه شعر المهجريين ويحلق معهم في آفاقهم ويسبقهم في الريادة والاكتشاف، لكن الحب عنده يبقى مختلفاً في المعنى والدلالة.
كان العقاد)( يشعر أكثر من غيره في موضوع التجربة؛ لأنه أشد وعياً بحياته أثناء تجربته؛ لأنه يعيش فيما يعبر عنه من تجارب كقصيدته ترجمة شيطان ةغيرها من القصائد لا سيما قصائد الحب على اختلاف أنواعها وشعر الطبيعة حيث كانت قصائده عبارة عن تجسيم مواقف عاطفية يربط بينها بمهارة مع مصاحبتها لفكرة عامة واحدة تكون في ذاتها وحدة عاطفية ويغوص في الأعماق ويتأملها ويستجلي المشاعر والحقائق.
وكان العقاد يعود إلى شعره قبل الطبع ليصححه ويراه في صورته الأخيرة، وقد يحذف فيه أو يزيد، وقلما يمس الحذف أو الزيادة فجوهر القصيدة في رؤيته لها قبل الطبع وكان يكثر من الشطب إذا كان مشغول الذهن منحرف المزاج، وإذا أراد التأليف أقبل إليه بنفس راضية وجسم مستريح.
ضد العقاد)(:
الرافعي:
يقول العقاد:
يامن إلى البعد يدعوني ويهجرني أسكت لساناً إلى لقياك يدعوني
أسكت لسان جمال فيك أسمعه في كل يوم بأن ألقاك يغريني
فضل الرافعي شعر العباس بن الأحنف على العقاد حيث يرى في شعره الدقة والجمال حيث قال عباس بن الأحنف:
أريد لأدعو غيرها فيجرني لساني إليها باسمها كالثعالب
يقول العقاد:
في كل روض قرى للزهر يعمرها يا حبذا هي أبيات وسكان
أما تعليق الرافعي على هذا البيت فقال أن سكان يجب أن تكون منصوبة والخطأ الذي ارتكبه العقاد أن جعلها مرفوعة.
يقول العقاد:
نفاه عن عرس الدنيا شواغله إن الحداد عن الأعراس شغلانُ
أما موقف الرافعي من هذا البيت يتسائل عن شغلان من أي لغة أتت.
يقول العقاد:
يا من يراني غريقاً في محبته وجداً، ويسألني هل أنت غصان؟
ويكمل تعليقاته حيث يقول الغصان من به غصة، وهي ما يعترف في الحلق فيسك بالماء، فما معنى أن يكون الغريق غصان، والغريق لا يسأل هل أنت ظمآن .
يقول العقاد:
البحر يغضب وهي ضاحكة شتان بين السخط والسخر
وتميل من ظهر إلى بطن طوراً ومن بطن إلى ظهر
الرافعي يتهم العقاد بالضعف في العروض؛ لأن آخر الشطر الأول من البيت الثاني عروض حذاذ مضمرة، الإضمار مع الحذذ لا يقع إلا في الضرب أي في آخر البيت فيجب أن يكون مكان الطاء حرف متحرك.
يقول العقاد:
فاكتب على حذا الزمان ذنوبه إنا نؤجله الحساب إلى الغد
فقد عدى معنى(أجل) إلى مفعولين وهو لا يتعدى إلى مفعولاً واحداً.
يقول العقاد:
عثمان من يحظى بصحبته بلغت ما شئت في الأيام والناس
أولى الأنام بإسعاد وتهنئة من كان كالعيد في بشر وإيناسً
فهو يدعو الناس في يوم العيد، لأنه يدعو لعثمان ما يبلغه الله ما يشاء فيهم، فهي لا تقال إلا في الشر، إذ لا يشاء فيهم ولكن يشاء لهم.
يقول العقاد:
مرحاضه أفخر أثوابنا!! ونحن لا نقصر عن عذره
طرطوره ملقى على ظهره وحجره المرقوع في خصره
أما رد الرافعي على البيتين فقال أن لفظة مرحاض تدل على قلة الذوق في الأدب، فقد جعلت بينهما خرجة وهي مرحاض الطفل في الطريق العام.
يقول العقاد:
بينا يُرى ينقش أثوابه غيظاً كمن أخرج عن طوره
إذا به يضحك مستبشراً مصفقاً كالديك في طفره
ففي القاموس يعرف النتاش جمع ناتش وهو السفَلُ والعيارون جمع عيار وهم الناشطون في المعاصي كالسرقة والفجور.
يقول العقاد:
وأيما أحلى وكن عادلاً فأنت من يقضي على بكره
دُر الثنايا في عقيق اللثى أم فمه الفارغ من دره
ويكمل تصحيحاته للعقاد حيث يقول لثة تجمع على لثاث لا غير، وليس كما قاله العقاد اللثى.
يقول العقاد:
وتولى فيها عذاب المجين بلاغ المنى من الأحباب
ليس عسلينهم سوى الشهد ممنوعاً على قرب ورده في الرضاب
ولم ينتهي الرافعي من نقده للعقاد، أراد من بلاغ المنى بلوغها وانتهائها، وإنه لا يعذب المحب شيء كبلوغ مناه من حبيبه، فهذا لا يعذب، بل يشفي العذاب وإن عذب كان أخف من عدم بلاغ المنى.
يقول العقاد:
تشابه في عين النديم وما انتشى فوارغ صف كالثريا وملآه
وإذا بالرافعي يتهم العقاد بالضعف في اللغة فكلمة فوارغ للحمالين لا من لغة الأدباء.
يقول العقاد:
شربنا وغنينا، وما في عدانا سوى شارب قد باع بالخمر دنياه
والرافعي يذكر العقاد ويقول له أن الخمرة ليست من الدين.
يقول العقاد:
إذا طاب في الفردوس ربا نسميها فأطيب في دار الشقاوة رباه
كان يصح هذا القياس لوأن الدارين (الفردوس ودار الشقاوة) فقاس إحداهما على الأخرى، فأما وهما نقيضان فلا وجه لقياسهما، ولا للقياس بما فيهما، فخمر الفردوس ليست من خمر دار الشقاوة.
يقول العقاد:
ولو مزجوا بالخمر طينة آدم لعاش، ولم بدر القطوب محياه
لمن ترجع هذه الواو في قوله (مزجوا) فهو يجعل في حلق آدم مجموع من الآلهة فيعود عليهم ضمير الجمع.
ويقول الرافعي عن العقاد: أكثر شعره ركيك، يلتوي فيه المعنى أو يضطرب السبك، أو يقصر اللفظ عن الأداء، أو ظهر الكلام فهو غامض لا يفهم أو ناقص غير واضح.
ويتهم العقاد بالسرقة والترجمة واجتهاده في إخفاء هذا الأمر حيث لا يكون إخفاء السرقة إلا بتحويل المعنى أو النقص منه حيث أنه لا يستطيع أن يزيد في المعنى أو يأتي بأحسن من أصله. أما إخفاء الترجمة فيكون بالتصرف فيها وبهذا يفقد المعنى جماله الشعري أو الفلسفي أو البياني ويأتي بالمعنى ناقصاً.
يرى الباحث أن مصطفى صادق الرافعي قد بالغ في نقد العقاد وكأنه عدو له حتى أنه تحدث عنه وشتمه وهذا لا يجوز في الأدب.
محمد مندور عن العقاد)(:
شعر العقاد ولا سيما الفلسفي منه يجد أنه في شعره الجفاف واليباسة حتى أنه لا يوجد فيه لا نسغ ولا نضارة؛ لأن العقاد ينظم هذا الشعر بعقله ولا يفسح المجال لقلبه، فيأتي شعره صعباً ملتوياً لتعقد الأفكار الفلسفية الواردة فيه، ويكتنفه الغموض مما يجعل الأنفس تنفر منه، والمتلقي له يجد صعوبة في النفاذ إلى آفاقه، فيظل في حيرة من أمره لفك مغاليق النص الشعري العقادي والدخول إلى غياباته وعوالمه والعقاد نفسه يدرك هذا التعقيد ويشعر به.
ويعيب محمد مندور على العقاد أسلوبه الشعري ويرى أن تعبيره قاصراً عن تأدية معانيه، وينصحه أن يبقى على النثر فهو فيه أقدر وهو بأفكاره وعقلانيته أجدى وأجدر.
مارون عبود عن العقاد:
يمتدح العقاد الناثر، ويضعه في مقدمة الكتاب العصريين ويفضله على عميد الأدب العربي أسلوباً وفكراً، وينظر إلى كتاباته بعين الإكبار والإجلال غير أن هذا التقدير وذاك التبجيل، ينقلب رأساً على عقب إذا ما تعلق الأمر بشاعرية العقاد الذي يراه أشعر في نثره من نظمه، بل ويعده أضعف شعراء مصر المعاصرين له إذا تبارى القوم كان آخرهم وإن تنافسوا بالقول كان سكيتاً.
ويذهب مارون إلى أن عجز العقاد عن التعبير الجميل يحط من شاعريته وينزل من مكانته من الشعراء، على الرغم من ثقافته الواسعة وفكرة الثاقب وإمكانياته الفائقة على المناقشة والمجادلة والإقناع، إلا أن كل ذلك لايشفع له ولا يؤهله لأن يحتل منزلة عالية من الشعراء، كاد العقاد يكون منقطع النظير، فهو كثير الإطلاع، ثاقب الفكرة، يناقش أكبر مفكري العالم، ولكن تعبيره الشعري ليس كما يجب.
ويزعن مارون أن بيان العقاد لا يطاوعه، ويده لا تؤاتيه على النظم ومع ذلك يراه مصراً على كتابة الشعر المحكوم عليه مسبقاً بالإعدام؛ لأنه يولد وهو مصاب بعلتين وهما ركاكة الأسلوب وضعف الخيال وينصحه ساخراً أن يدعو ليلة القدر لعل الفن يتكرم عليه فيفك عقمه الشعري.
ويزعم مارون أن العقاد يهيم مع الشعراء ولكنه غير شاعر ولا يصل إلى مرتبة الحقول، ذلك لأنه يقول الشعر كالزجال اللبناني وإن كان هذا يفوقه شاعرية وتصويراً وعاطفة فالزجال عادة ما يبدأ أكل دور بآخر شوط من الدور السابق وهذا ما لا يفعله العقاد.
ويخلص مارون بعد دراسته لدواوين العقاد السبع أنها عليلة منهوكة، لا نضارة فيها وقصائدها جافة خشنة لا يعرف صاحبها الرقة والحنان فكان الشاعر معقداً وكانت الدواوين كالبقرات العجاف لا تقوى على الحياة ولا تسر الناظرين. ويناول مارون عبارات العقاد وألفاظه فيؤاخذه على استعماله لبعض العبارات التي تدرج على ألسنة العامة أو هي قريبة مما يتلفظون به، كما يعيب عليه الألفاظ السوقية المبتذلة بالتداول.
ويصف مارون ألفاظ العقاد بالبشاعة وتارة أخرى باليوبسة ويشبهها بالمومياء المحنطة والتي لا توحي له بشيء وطوراً يصفها بأنها ثقيلة متنافرة قد يقبلها النثر ولكنها لا تصلح للشعر ولا تناسب مواضيع الشاعر وأغراضه.
الرد على مارون:
يلحظ مارون اهتمام العقاد بموضوعاته فيراه يبحث عنها بحثاً دقيقاً وينتقيها إنتقاء ثم ينظمها كلاماً موزوناً مقفى، غير أنه لا يحمد له هذا الصنيع. إن نكران مارون لشاعرية العقاد تجعله في بعض الأحيان يتسرع في أحكامه النقدية ويكتفي بالانطباع من دون تحليل أو تعليل.
فمارون لا يبين ضعف العقاد وهناته في هجائه وإنما يطلق حكماً عاماً من غير تعليل كأن يقول: هذا الهجاء لا يقرأ، وهنا يتسائل القارئ هل كان هجاء العقاد فاحشاً مقذعاً؟ أم كان أسلوبه ركيكاً مبتذلاً؟ أم كانت صورة بسيطة ساذجة، هل معانيه سطحية مكررة لا جدة فيها؟ تلك أسئلة لا يجيبنا عنها مارون، وإنما يكتفي بحكمه الإنطباعي.
إن المتمعن في الأسماء التي فضلها مارون على العقاد من حيث الشاعرية وأعطاها أسبقية عليه، يجد من بينها من غلب عليه النثر وكان مقلاً في مجال الشعر، بل ومنهم من لا يعرف له إلا بعض القصائد أو المقطوعات كطه حسين وزكي مبارك وغيرهما، مع أن للعقاد ما يزيد عن عشرة دواوين شعرية، وهذا يدل على أن مارون لا يعترف بأغلب ما في هذه الدواوين من قصائد، ثم إنه يطلق حكماً عاماً لا تعليل فيه ولا تبرير، ويترك القارئ في تساؤل لماذا فضل هؤلاء الشعراء على العقاد؟ ثم ما هي علامات ضعف شعره حتى يصنف في ذيل الترتيب؟ ولا يجيبنا مارون عن ذلك ويسترسل ساخراً من العقاد رامياً إياه بالضعف والعجز عن الإتيان بشعر تكتب له الحياة.
أما زكي مبارك مبارك ومصطفى صادق الرافعي ومصطفى جواد والدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) يستصغرون العقاد الشاعر ومن هؤلاء أيضاً الدكتور نسيب نشاوي الذي يرى العقاد عاجزاً في شعره عن الإتيان بما كان يدعو إليه اثناء حربه على الكلاسيكيين ودعوته إلى التجديد ويجد شعره ضعيفاً يفتقد إلى الجماليات التي تحلى بها شعر المحافظين الذين انتقدهم وشن عليهم حرباً فكان شعره ضعيفاً مفتقراً إلى كثير من العناصر الجمالية التي عند أحمد شوقي ومحمود سامي البارودي وحافظ ابراهيم .
محمود سيف الدين الإيراني عن العقاد:
يتهم العقاد ببعده عن الحياة المصرية وعدم إستحياء موضوعاته من بيئته وتلويث شعره بموحيات مجتمعة.
الرد عليه:
مارون دافع عن العقاد وقال: إذا لم يكن للعقاد صلة بالحياة المصرية، فكيف نظم هدية الكروان ويتسائل لماذا لم يعتد الإيراني بهذا الديوان الذي له صلة وثيقة بالحياة المصرية.
وقد تناول شاعرية العقاد باحثون كثيرون تراوحوا بين متحمس لها إلى حد العلو ومُزرٍ بها إلى حد الجحود وذهب فريق ثالث عن ذينك الموقفين وتجرد لجلاء الحقيقة التي جاءت غالباً في صالح العقاد)(.
ولم يكن العقاد غافلاً أو ساكتاً عن ناقديه وإنما تصنى لهم مفنداً ببيان المحكم وحججه القوية التناقض الذي زعموه بين الفلسفة والشعر، عازماً على محو هذا التناقض المفتعل، فالشاعر العفليه، لا بد أن يكون فيلسوفاً متميزاً
وفي نظر الباحث يجد أن شعر العقاد ينقسم إلى شعر لا يصلح إلا لفئة معينة من الناس، ولا يصلح للعامة لما فيه من فلسفة وتأمل، وشعر يصلح لجميع الناس لما فيه من كلمات بسيطة ومفهومة. فالمتأمل في شعر العقاد يجد أنه أمام عبقري ذهلَ العالم بأسلوبه وبراعته، فليس كل شخص يستطيع التميز في النثر والشعر.
الخاتمة
وفي ختام ما قد قيل وقال حول شعرية عباس محمود العقاد تناول الباحث شعره والذي لاقى التأييد والمدح من جهة والضعف والاستصغار من جهة أخرى.
فقد قام الباحث بتتبع شعر العقاد ورصد من دافوا عنه وأيدوه ومدحوا شعره ومن اتهكموا شعره بالضعيف ومن ردوا عليهم.
وبعد دراسة لشعر عباس محمود العقاد وجد الباحث أن الذين مدحوا شعر العقاد بالغوا في مدحهم كثيراً وأن الذين استصغروا شعره ووصفوه بالضعيف والركيك لم يقولوا لنا لماذا شعره ضعيف؟ إذن حججهم باطلة إلا مصطفى صادق الرافعي الذي وضح الأخطاء الذي وقع بها العقاد، لكن ما يعيبه الباحث على الرافعي أنه بالغ في ذمه والتنقيص منه.
وآخر الكلام يتمنى الباحث من الله جل جلاله أن يكون قد أحسن في دراسة الحجاج في شعر عباس محمود العقاد وأعطى كل شخص حقه ويسأل المولى أن تكون دراسة لها أهميتها ووزنها في الوصول إلى الحقيقة شعر العقاد ما بين الضعف والقوة. وما بين التأييد والرفض.
المراجع:
1. مع العقاد – شوقي ضيف – دار المعارف بمصر – 1964
2. على السفود – مصطفى صادق الرافعي – مجلة العصور – 1929
3. الحجاج في الشعر العربي بنيته وأساليبه – سامية الذريدي – عالم الكتب الحديث – إربد – الأردن – 2011
4. مختارات من شعر العقاد – فاروق شوشة – المركز المصري العربي – طبعة أولى – 1996
5. ثقافة العقاد وخياله في بناء شعره – مزاحم البلداوي – جامعة عدن – نيابة الدراسات العليا والبحث العلمي – 2001
6. شاعرية العقاد في ميزان النقد الحديث – عبد الحي دباب – دار النهضة العربية – القاهرة
7. شاعرية العقاد بين أنصاره وخصومه – تيبت لخضر – مجلة مندى الأستاذ – 2011
8. نظر العقاد في طبيعة العمل الشعري في العصر الحديث – عبد الحسين مهدي – جامعة البصرة كلية التربية – 1982
9. جدلية الشعر والفلسفة: العقاد أنموذجاً – محمد عبد العزيز الموافي – رابطة الأدب الحديث – 2005
10. أعاصير مغرب – عباس محمود العقاد – دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع – 1997
You must be logged in to post a comment.