الجمال لغة
الجمال هو الحسن، واسم الجميل في أصل اللغة، موضوع للصورة الحسية المدركة بالعين، أيا كان موضوع هذه الصورة، إنسان، أو حيوان، أو نبات، أو جماد، بعدها انتقل اسم الجميل لتوصف به المعاني، التي تدرك بالبصائر لا الأبصار، يقال: خلق حسن جميل، وسيرة حسنة جميلة، وقد ورد في القرآن الكريم، كلمة (جمال) وصفاً للأنعام، وذكرت كلمة (جميل) وصفاً للصبر، والصفح، والسراح، والهجر، كما وردت كلمة (جميل) وصفاً لله تعالى، في الحديث النبوي الشريف، قال رسول الله ﷺ: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْر، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ" [روام مسلم]، ويرجع أهل الكلام صفات المعاني لله تعالى، مثل القدرة والعلم والقدرة وما إليهما، إلى صفة الجمال.
الجمال اصطلاحاً
الجمال أو الجمالية Aesthetics، هو علم يدرس طبيعة الشعور بالجمال والإحساس به، والعناصر المكونة له، الكامنة في الأعمال الفنية والأدبية والموسيقية، وأول من أدخل مصطلح (علم الجمال) هو عالم الجمال والفيلسوف الألماني ألكسندر بومجارتن Alexander Baumgarten، وذلك في عام 1750، وقد جاء ذكر هذا المصطلح في كتابه (تأملات فلسفية)، وكلمة Aesthetics إغريقية الأصل، وتعني (علم الحساسية)، ويفكر الناقد Critic المتخصص في علم الجمال، ويتفكر في الأشياء الجميلة في الكون، وهو دائم التساؤل: لماذا تبدو أعمال الفنانين جميلة؟، في حين تبدو أعمال غيرهم غير جميلة؟، وما هي القواعد والأصول التي تقوم عليها الأعمال الجميلة، وما هو تفسيرها وتأويلها؟.
الفلسفة والنفس
هناك طريقان أساسيان، يقودان الناقد إلى هذا علم الجمال، هما: علم الفلسفة وعلم النفس، وإذا كان مسلك علماء الفلسفة هو الاستنباط، للكشف عن مدلول الفن والجمال، وصلتهما بالحق والخير، فإن مسلك علماء النفس هو دراسة القدرة على الابتكار والإبداع عند الفنان، وقابلية التذوق والاستيعاب عند المتلقي، ويدرس نقاد علم الجمال الفنون بوجه عام وشامل، ويقارنون فنون الثقافات المتنوعة والمختلفة، وذلك من أجل تنظيم المنهجية المعرفية لها، محاولين فهم العلاقة الفنية بين مشاعر وأحاسيس الجمهور، وبما يدركه ويتعلمه، وبين الثقافات التي ينتمون إليها، لذلك نرى النقاد يدرسون النظريات المتعلقة بالفن والخبرة الجمالية، ليكتشفوا معايير النقد الفني، بهدف مساعدة الجمهور على فهم مختلف أنواع الفنون، إذ أن فهم المتلقي للعمل الفني أمر مهم للغاية، لكي يتعرف إلى كيفية ابتكار الفنانين لأعمالهم الفنية، كما يقوم النقاد باستقصاء تأثير هذه الأعمال الفنية في المتلقي.
الأجناس والاجتماع
يعتبر علم الجمال فرعاً من فروع علم الفلسفة، وقد ناقش الفلاسفة الفن والجمال، ابتداءً من قدامى الإغريق، وحتى العصر الحديث، وتحدث معظمهم عن مدى جدوى الفنون، وهل هي نافعة للناس وللمجتمع، وأشار بعضهم إلى أن الفن قد يشكل خطراً، إلى جانب فوائده الجمة، كما دخل قليل من الفلاسفة في جدال متهمين الفن بتسبيب الفوضى، وأنه يهدد وبدرجة كبيرة النظام الاجتماعي، غير أن معظم الفلاسفة يؤمنون برسالة الفن، لأنه يتيح للبشر التعبير عن عواطفهم الجياشة، ويزيد معرفتهم بأنفسهم وبما حولهم، وينقل لهم تقاليد وثقافات الحقب المختلفة، وقد أبحر نقاد علم الجمال في تاريخ الفن، لفهم فنون الشعوب على مر العصور، كما سبروا أغوار سيكولوجية الفن، لفهم كيفية تفاعل أحاسيس البشر وأخيلتهم، خلال إدراكهم للتجربة الفنية، ويعد النقد الفني مرشداً وموجهاً، لكي يستمتع الجمهور بكل عمل فني وأدبي وموسيقي، والجدير بالذكر أن العلوم الاجتماعية، مثل علم الأجناس وعلم الاجتماع، لها علاقة وطيدة بفلسفة الفن وعلم الجمال، فهي تساعد على فهم الصلة بين ابتكار الأعمال الجميلة والفعاليات الإنسانية المختلفة، من جانب، وبين اختلاف الفنون في البيئات الثقافية المتعددة، من جانب آخر.
المعنوي والصوري
إن الجمال الحقيقي عند الصوفية، هو الجمال الإلهي، وهذا الجمال من صفات الله الأزلية، شاهدها في ذاته تعالى أولاً (مشاهدة علمية)، ثم أراد تعالى أن يشاهدها في أفعاله (مشاهدة عينية)، فخلق الكون كمرآة، انعكس جماله الأزلي على صفحته، والجمال الإلهي عند الصوفية نوعان، الأول: جمال معنوي، والثاني: جمال صوري، فالنوع الأول -وهو الجمال المعنوي- يقصد به معاني الأسماء الحسنى، ولا يشهد هذا النوع إلا الله تعالى، أما النوع الثاني –وهو الجمال الصوري- فيقصد به هذا الكون، الذي يعكس الجمال الإلهي، ويعتقد الصوفية أن الكون كل ما فيه حسن وجميل، أما القبح الذي نشاهده في الكون، فلا يعتبرونه قبحاً حقيقياً، إنما هو قبح بالاعتبار أو بالإضافة، لا بالاصالة، ولتوضيح هذا المقصد جعلت الصوفية تضرب الأمثال، منها على سبيل المثال لا الحصر: (قبح الرائحة المنتنة)، التي ينفر الإنسان منها، هي محببة عند الحيوان، بل يستلذ بها، و(النار الموقدة)، التي يستقبحها الإنسان، ويفر من مشاهدة من يحترق فيها، هي مرغوبة عند طائر السمندل، الذي يعرف أيضاً باسم (السندل أو السمند)، فهو يستطيب المكث فيها، وإذا كانت جماعة المعتزلة ترى الحسن والقبح، وصفان ذاتيان في كل شيء، وترى جماعة الأشاعرة أن كل شيء في نفسه، لا يوصف بحسن ولا قبح، فإن أنصار الصوفية يؤكدون، على أن الحسن وصف أصيل، في كل شيء خلقه الله تعالى، ويعدون تجلي الجمال من منازل القلب، لا من أخلاق النفس، وهو بهذا الاعتبار من القواعد التي ينبني عليها سلوك الإنسان.
المراجع
- الموسوعة الإسلامية العامة، محمود حمدي زقزوق، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر، 2003.
- الموسوعة العربية العالمية، مجموعة من العلماء والباحثين، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1999.
You must be logged in to post a comment.