المقامة

المقامة لغة    

جاء في بعض معاجم وقواميس العربية، مثل معجم اللغة العربية المعاصرة، ومعجم الغني الزاهر، ومعجم الرائد، والمعجم الوسيط، المقامة لفظ في الأصل يعني المقام، أي: موضع القيام، يطلق على المكان، أو المجلس، أو الخطبة، أو الموعظة، يقال: مقامات القصاص، ومقامات الزهاد، مقامات الخطباء، كما يطلق لفظ المقامة، ولفظ المجلس، على الجالسين في المقام أيضاً.  

المقامة اصطلاحاً    

المقامة هي حكاية أو قصة أدبية عربية، مسجوعة وأنيقة الأسلوب، تشتمل على ملحة، أو موعظة، يظهر فيها الأدباء براعتهم اللغوية، والأدبية، والفنية، وهي تقوم على حديث طريف، مغزاه مسألة دينية، أو مفارقة أدبية، أو مغامرة مضحكة، تحمل في داخلها لوناً من  ألوان السخرية، أو النقد، أو الثورة، وتوضع في إطار من الصنعة اللفظية والبلاغية.

نشأة المقامة      

نشأ هذا النوع من الفن الأدبي القصصي، في أواسط الدولة العباسية، وتحديداً في القرن الرابع الهجري، وكان العصر العباسي، مترفاً بالإنشاء الصناعي الأنيق، وما زالت ريادة المقامة موضع خلاف بين الباحثين، ففريق منهم يذهب، إلى أن أبا الفضل بديع الزمان الهمذاني (358-395هـ/969-1007م)، لم يبتكر هذا الفن، وإنما سبقه إليه كتاب آخرون، مثل الجاحظ، وابن فارس، وابن دريد، أما الفريق الآخر، فيعتقد أن الهمذاني، هو المبتكر الحقيقي لهذا الفن، وأنه لم يسبقه إليه أحد، وربما كان الرأي، الأقرب إلى الصواب، هو أن الهمذاني قد استعان بكثير، من أشكال الكتابات القصصية التي سبقته، فتأثر بمضامينها، ليخرج فن المقامة، في شكله النهائي، الذي لم يطرأ عليه، أي تغيير يذكر، إلى يومنا هذا، وظلت مقامات الهمذاني، الاثنتان والخمسون، أنموذجاً يحتذيه كتاب المقامات، الذين جاءوا من بعده، وأول هؤلاء أبو محمد القاسم الحريري (446-516هـ/1054-1122م)، الذي كتب مقاماته المشهورة، واعترف بريادة الهمذاني لهذا الفن، ثم تبعه عدد كبير، من الكتاب القدامى والمحدثين.

أهمية المقامة     

لفن المقامة أهمية عظيمة، خصوصاً في مجال الأدب المقارن، فقد قام بتقليدها بعض الكتاب الفرس، كما يعتقد أنها أسهمت، في ظهور الرواية الشطارية Picaresque Novel، التي تعرف باسم (الرواية البيكارسكية)، أو (الرواية الصعلوكية)، والتي ظهرت في أسبانيا، في القرن السادس عشر الميلادي، ثم شاعت وانتشرت في أوروبا، لتصبح مقدمة لظهور الرواية النثرية، بمفهومها الحديث، نظراً للتشابه الكبير، بين البيكارو بطل هذه الرواية، وبين أبي زيد السروجي، بطل مقامات الحريري، وأبي الفتح الإسكندري، بطل مقامات الهمذاني.             

إطار المقامة       

يدور إطار المقامة، على شخصيتين رئيسيتين مختلفتين، هما شخصية الراوي، وشخصية البطل، فالراوي ينتمي إلى طبقة اجتماعية متوسطة، وهو الذي يمهد لظهور البطل في الغالب، يتابعه حيثما حل، وهو في كل هذا، يحسن طريقة تقديم البطل، الذي يكون عادة شخصية ساخرة، ذكية، فصيحة، بليغة، تنتمي إلى طبقة اجتماعية متدنية، وللبطل قدرة عجيبة على التنكر، فهو يجيد لبس الأقنعة، فمرة نراه نديم كأس، ومرة ثانية واعظاً ناكساً، ومرة ثالثة عالماً فقيهاً، وهكذا، وهو في كل الأحوال، يعتمد على الخداع، والحيلة، والذكاء، والفصاحة، لنيل هدفه ممن ينخدعون بمظهره، فهذا هو الراوي، كعيسى بن هشام، في مقامات الهمذاني، والحارث بن همام، في مقامات الحريري، وهذا هو البطل كأبي الفتح الإسكندري، في مقامات الهمذاني، وأبي زيد السروجي، في مقامات الحريري.

موضوع المقامة  

وعلى الرغم من أن التسول، من أهم موضوعات المقامة، إلا أنه ليس الموضوع الرئيسي لها، وإن كانت صنعة ملازمة للبطل، حيث عالجت المقامة موضوعات كثيرة، مثل النقد بأنواعه المختلفة، الاجتماعي، والأدبي، والمذهبي، كما احتوت على التعليم اللغوي، والإرشاد، والوعظ، والألغاز.

أسلوب المقامة

تعتمد المقامة في أسلوبها على قالب السجع، وعلى الإكثار من المحسنات البديعية، واللفظية بأنواعها، وعلى توظيف الغريب، كما هو الحال في مقامات الحريري بصفة خاصة، وقد حاول بعض الباحثين، الربط بين المقامة، وبعض الأجناس الأدبية الحديثة، مثل المسرحية، أو الرواية، أو القصة القصيرة، إلا أن المقامة وإن شابهت هذه الأجناس، في بعض مميزاتها، فستظل هذه المشابهة سطحية، لا قيمة لها، لأن المقامة ليست أياً من هذه الأجناس الثلاثة، إنها جنس قصصي أدبي عربي قائم بذاته.

هدف المقامة       

ليس الهدف من المقامة الفائدة العلمية، ولا البنية القصصية، ولا الخطابة الوعظية، وإنما هي قطعة أدبية فنية، يقصد بها جمع نوادر التركيب، وشوارد اللغة، في أسلوب مسجوع، أنيق الوشي، يلذ أكثر مما يفيد، ويعجب أكثر مما يؤثر، ولم تراع قواعد الفن الأدبي القصصي، فيما كتب من هذا النوع، فلم يعن كاتبو المقامات، بتحليل الأشخاص، وتصوير الحكايات، وإنما صرفوا همهم، إلى تزيين اللفظ وتحسينه.

كتَّاب المقامة    

اخترع أبو بكر ابن دريد أربعين حديثاً، قام بعرضها عرضاً تصويرياً دقيقاً، وكانت هذه المحاولة، البداية الحقيقية لانطلاق المقامة، ثم جاء الهمذاني، فأملى أربعمائة مقامة في الكدية وغيرها، نسبها إلى أبي الفتح الإسكندري، على لسان عيسى بن هشام، ولم يعثروا منها، إلا على ثلاث وخمسين مقامة فقط، ثم جاء بعده الحريري، فكتب خمسين مقامة، نسبها إلى أبي زيد السروجي، على لسان الحارث بن همام، ونسجها على منوال الهمذاني، ثم عالج المقامات بعد هذين النابغين، طائفة من الكتاب، لم يدركوا شأوهما، كالمقامات السرقسطية، لأبي الطاهر ابن الأشتركوني، وهي خمسون مقامة، وقد أسهر فيها ناظره، وأتعب خاطره، ولزم في نثرها لزوم ما لا يلزم، حدث فيها المنذر بن حمام، عن السائب بن تمام، ومقامات أبي القاسم الزمخشري، وهي مشهورة، والمقامات المسيحية، لأبي العباس ابن مارى، نسجها على منوال الحريري، ثم مقامات أحمد بن الأعظم الرازي، وهي اثنتا عشرة مقامة، وجعل الراوي فيها القعقاع بن زنباغ وغيره، والمقامات الزينية، لأبي الندى ابن الصيقل الجزري، وهي خمسون مقامة، عارض بها المقامات الحريرية، نسبها إلى أبي نصر المصري، وعزا روايتها إلى القاسم بن جريان الدمشقي، ثم مقامات السيوطي، وهي أقرب إلى الرسائل من المقامات، وأما الكتاب المحدثون، فمنهم محمد المويلحي، وناصيف اليازجي.

المراجع       

  • الموسوعة الإسلامية العامة، محمود حمدي زقزوق، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر، 2003.                         
  • الموسوعة العربية العالمية، مجموعة من العلماء والباحثين، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1999. 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author