لا شك أن اجتماع النجم العالمي عمر الشريف مع المخرج الكبير صلاح أبوسيف لتقديم فيلم (المواطن مصري)، عام 1991، كان حدثًا هامًا بالنسبة للمهتمين بالسينما المصرية، والذين يعرفون أنهما (الشريف وأبوسيف) قدما عام 1960 فيلم (بداية ونهاية) الذي يعتبر من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية.
وما أكسب هذا الحدث أهمية أكبر هو أنه جاء بعد رحلة عمر الشريف مع العالمية وتقديمه لأفلامٍ هامة وحصوله على جوائز من أكبر المهرجانات في العالم، وهو بالطبع ما يعني مزيدًا من الخبرات التي تضاف إلى موهبته التي قدم بها أداءً متميزًا في فيلم بداية ونهاية.
وربما كان الأمر مفاجئًا للكثيرين أن يقدم عمر الشريف، بعد ثلاثين عامًا قضاها ما بين أوروبا وأمريكا، دور عمدة في قرية، وربما قوبل هذا الأمر بالسخرية في حينها.
وربما فوجئ المشاهدين أكثر عندما وجدوا عمر الشريف يقدم دور رجل شرير ضعيف أمام زوجته وهو الذي يعاني من الضعف الجنسي، بعد أن قدم أفلامًا أمام أجمل ممثلات في العالم وعُرف كممثل وسيم تقع في غرامه الجميلات.
تدور أحداث فيلم المواطن مصري، عام 1973، حول العمدة عبدالرازق الشرشابي (عمر الشريف) الذي يلجأ لحمدان الويشي (حسن حسني) لكي يقوم بعملية تزوير ينقذ بها ابنه المدلل توفيق (خالد النبوي) من الالتحاق بالخدمة العسكرية في تلك الفترة الحرجة. ويدخل مصري عبدالموجود (عبدالله محمود) الجيش بدلًا من توفيق ويتوفاه الله في حرب أكتوبر ليجد العمدة نفسه في ورطة كبيرة بعدما انكشفت عملية التزوير.
فيلم (المواطن مصري) لم يكن أول فيلم مصري يقدمه عمر الشريف بعد اتجاهه للعالمية، فقد قدم الفيلم التليفزيوني (أيوب) عام 1983، وفيلم (الأراجوز) عام 1989، وكلا الفيلمين كانا من إخراج هاني لاشين، إلا إن (المواطن مصري) هو التجربة الأهم في رأيي، ليس فقط بسبب تاريخ المخرج الكبير صلاح أبوسيف، ولكن لأن المواطن مصري – في رأيي – يعتبر عمل فني شبه متكامل، فالسيناريو الذي كتبه محسن زايد مأخوذ عن قصة أحداثها مميزة كتبها يوسف القعيد (الحرب في بر مصر)، والمخرج هو صلاح أبوسيف الذي يعد من أهم مخرجي السينما المصرية، والذي قدم لقطات مميزة ساعده في ظهورها بشكلٍ جيد المونتيرة رحمة منتصر، كما قدم الموسيقار الكبير ياسر عبدالرحمن موسيقى تصويرية تعتبر من أجمل ما قُدم على شاشة السينما.
السؤال الذي يفرض نفسه:
هل قدم عمر الشريف دور العمدة بشكلٍ جيد؟
أجاب يوسف القعيد مؤلف قصة (الحرب في بر مصر) المأخوذ عنها الفيلم، على هذا السؤال بشكلٍ صريح، خلال ظهور في برنامج تليفزيوني، وأكد أنه لم يعجبه أداء عمر الشريف، وبدا من طريقة كلام "القعيد" عن النجم العالمي أنه لا يحبه، ولم يكن يرحب من البداية بتقديمه لتلك الشخصية، وهذا ما يجعلني أعتبر رأيه في أداء عمر الشريف رأي غير موضوعي.
وعن نفسي أعجبني أداء عمر الشريف، وأعجبني أن يقدم دورًا يسمح للممثلين المشاركين معه بالظهور في مساحة كبيرة ليكونوا منافسين له، وهو بالطبع ما يعكس ثقته في نفسه وذكاءه في اختيار أدواره.
وعن أداء الممثلين الآخرين، فقد قابلت أكثر من شخص يتحدث عن الأداء المتميز الذي قدمه عزت العلايلي في الفيلم، ومنهم من أكد أنه تفوق على عمر الشريف. وعندما شاهدت الفيلم مؤخرًا لكي أكتب عنه لفت انتباهي –بجانب أداء عزت العلايلي وأداء حسن حسني- الأداء المتميز الذي قدمه المنتصر بالله في دور (أبو إسماعيل) خادم العمدة المخلص الذي تحمل شخصيته بعض الخبث والدهاء.
قدم المنتصر بالله مشاهد كثيرة في الفيلم، مع جميع شخصياته الأساسية (العمدة – عبدالموجود – المتعهد – توفيق – مصري – أم توفيق). وفي كل مشاهده كان يتلون أداؤه بحسب الموقف وحسب الشخصية التي يتعامل معها، وهو ما أبرز قدراته التمثيلية الكبيرة ليشعر المُشاهد معه وكأنه يشاهد أكثر من شخصية في عمل فني واحد.
لم يقدم الفنان الراحل المنتصر بالله أدوار بطولة رغم قدراته الهائلة، إلا إنه كان داعمًا للكثير من نجوم الصف الأول بظهوره معهم وتقديمه لأداء لا يقل عن أكثر الممثلين موهبة في تاريخ السينما المصرية.
You must be logged in to post a comment.