اتهامات عديدة طالت المنتج محمد السبكي وشقيقه أحمد، بسبب أفلام أنتجاها خلال فترة الألفية الجديدة، بدايًة من فيلم (اللمبي) عام 2001، ومرورًا بـ (كلم ماما) و(أيظن!) و(آخر كلام) و(البيه رومانسي) و(ولاد البلد) و(بون سواريه) و(سالم أبو أخته) و(جيم أوفر) و(حاحا وتفاحة) و(عوكل).. وغيرها من الأفلام التي جعلت البعض يعتبرهم المسئولين عن إفساد الذوق العام وتدمير الأجيال الصاعدة.
وفي سبيل دفاع الأخوين (السُبكي) عن أنفسهما فإنهما يلجآن، أحيانًا، لتذكير الجمهور بالأفلام التي قدماها في فترة التسعينيات مع أكبر نجوم تلك الفترة، ومنها فيلم (الرجل الثالث).
وعندما نسمع أو نقرأ اسم (الرجل الثالث) فإننا نتذكر على الفور فيلم (الرجل الثاني) الذي قام ببطولته الفنان الراحل رشدي أباظة عام 1959، ليكون ذلك سببًا آخر يشجعنا على مشاهدة (الرجل الثالث) الذي قام ببطولته النجم الراحل (أحمد زكي) ومعه (محمود حميدة) و(ليلى علوي) في سيناريو كتبه (يوسف جوهر)، تحت قيادة المخرج (علي بدرخان) عام 1995.
تدور أحداث الفيلم حول كمال شريف (أحمد زكي)، الضابط الجوي الذي تم فصله من عمله بعد ارتكابه خطًأً جسيمًا خلال مشاركته في حرب أكتوبر 1973، ليعمل طيار في شركة خدمات بترولية. ويعاني كمال من ضائقة مالية بسبب مرض ابنه الذي يعيش مع طليقته التي تتهمه _كمال_ دائمًا بالفشل. ويحاول رستم الشرقاوي (محمود حميدة)، رجل الأعمال وتاجر المخدرات، أن يستعين بكمال لمساعدته في استلام شحنة مخدرات بالطائرة الهليوكوبتر التي يمارس عمله بها. وتساعد رستم، عشيقته سهام (ليلى علوي) في إقناع كمال بالموافقة، وبسبب مروره بضائقة مالية ووقوعه فريسة للإحساس بالفشل وتأنيب الضمير منذ فصله من عمله، يوافق على نقل المخدرات، إلا إنه يتراجع بسبب صورته التي تحاول طليقته تشويهها أمام ابنه. ويتعاون مع رجال الأمن للإيقاع بـ رستم وعصابته.
ورغم وجود بعض الثغرات في سيناريو الفيلم الذي كتبه (يوسف جوهر) إلا إنه لم يكن سيناريو سيئ، ويمكن أن نلاحظ ذلك من أول ربع ساعة من الفيلم حيث استطاع السيناريست توصيل قدر كبير وهام من المعلومات في تلك الدقائق القليلة، فقد عرفنا مهنة الشخصية الرئيسية (كمال شريف) وأنه يشرب الخمر ويعاني من الفقر، وله ابن يعيش مع طليقته التي تكرهه وتراه إنسانًا فاشلًا، كما تعرفنا على الشخصيات الأساسية (رجل الأعمال وتاجر المخدرات رستم الشرقاوي ، وسهام عشيقته، وطارق، زميل كمال في العمل، وعرفنا خطة (رستم) لتهريب المخدرات عن طريق كمال شريف. وتم توصيل تلك المعلومات بشكلٍ غير مباشر (في إطار حكاية الفيلم)، وبعضها وصل اعتمادًا على الصورة فقط وليس الحوار.
تميز السيناريو أيضًا بإظهاره لبطل الحرب السابق (كمال شريف) كشخصٍ عادي، ليس ملاكًا وليس شيطانًا، فهو رغم أنه مهمل في حياته وينفق نقود كثيرة على الخمر وهو الذي يعاني من أزمات مالية، إلا إنه كان أبًا جيدًا، ليس ملاكًا أيضًا، ولكنه يمتلك قدرًا لا بأس به من مشاعر الأبوة التي تحركه وتجعله يحاول الحفاظ على صورته أمام ابنه، وأمام نفسه أيضًا، فيتراجع عن الاستمرار في العملية مع رستم.
ظهور الضابط كمال شريف كشخص عادي، ليس ملاكًا وليس شيطانًا (كما أوضحت)، أكسب الفيلم قدرًا كبيرًا من المصداقية وهو الفيلم المأخوذ عن واقعة حقيقية.
ورغم أن السيناريو جيد إلا أن هناك بعض النقاط التي لم يوفق فيها السيناريست، ومنها:-
1 – في الدقيقة 7 من الفيلم
يتشاجر رجل مخمور مع كمال وصديقه طارق (محمد الصاوي)، ويشارك رجلان في المشاجرة ضد كمال وطارق، دون أن نعرف صفتهما أو سبب مشاركتهما في المشاجرة، وهو المشهد الذي يذكرنا بمشهد تكرر كثيرًا في أفلام كلاسيكية عندما تنشب مشاجرة بين شخصين على المقهى فنجد كل من في المقهى يشاركون في المشاجرة، هكذا دون أي مقدمات ودون أسباب واضحة.
2 – في الدقيقة 26 من الفيلم
تعرض سهام (ليلى علوي) على كمال أن يشترك في عملية تهريب (خمور وسجائر)، دون تمهيد، وهو الأمر الذي لم يكن منطقيًا، فذلك الحدث الهام كان بحاجة إلى تمهيد قبله.
3 – من الدقيقة 69 إلى الدقيقة 76
يجعلنا السيناريست نعيش أجواء فيلم رومانسي بالمشاهد الحميمة التي جمعت أحمد زكي بليلى علوي، والتي تجعل المُشاهد يخرج من أجواء فيلم تشويق وإثارة بعد مرور نصف الوقت، وهو ما أجده ثغرة في السيناريو، وكان يمكن أن يلجأ السيناريست للقطع المتبادل بين مشاهد ليلى علوي مع أحمد زكي ومشاهد محمود حميدة الذي سافر لإتمام صفقة المخدرات، لإبراز خيانتهما له لإضفاء مزيدًا من الإثارة على الأحداث.
ما لفت انتباهي أيضًا في تلك الدقائق، هي المشاهد الجنسية وظهور بعض الفتيات على الشاطئ بملابس البحر (المايوه البكيني) وهو الأمر الذي يناقض تصريحات الأخوين (السُبكي) الحالية عن رفضهما لتقديم تلك المشاهد، رغم استعانتهما ببعض الراقصات في أفلامهما الجديدة، وكأنهما استبدلا المشاهد الجنسية وملابس البحر بمشاهد الراقصات وملابس الرقص!
وإذا تحدثنا عن سيناريو الفيلم، فلا يمكن أن نتجاهل دور المخرج (علي بدرخان) الذي بذل مجهودًا لا بأس به لتصوير لقطات جيدة كان ينقصها أن يعتمد أكثر على اللقطات الضيقة close shots، وحركة الكاميرا_ التي اقتصرت على الحركة الـ(ban left & ban right)_ لأن تلك النوعية من الأفلام تحتاج إلى حركة كاميرا كثيرة لكي يعيش المُشاهد في أجواء التشويق والإثارة كما يجب.
في النهاية لا يمكن أن نتجاهل مقارنة فيلم (الرجل الثالث)، الذي يعتبر من الأفلام الجيدة، بالكثير من الأفلام التي قدمها الأخوين (السُبكي) في الألفية الجديدة والتي تعتبر أفلام ضعيفة جدًا يمكن أن نصفها بأنها أفلام مقاولات بتكلفة مرتفعة.
You must be logged in to post a comment.