النوم في العسل.. الفيلم الذي ظلمه عادل إمام

 

رغم تقديمه لعددٍ من الأفلام الجيدة، كـفيلم (إحنا بتوع الأتوبيس) عام 1979، وفيلم (الإنسان يعيش مرة واحدة) عام 1981، وفيلم (حب في الزنزانة) عام 1983، وفيلم (الغول) عام 1983، إلا أن سمعة سيئة طاردت الفنان عادل إمام بسبب أفلام أخرى قدم فيها مشاهد جنسية بشكل فج يعكس كل معاني الابتذال الفني. فقد ظهر (إمام) في أفلامٍ كثيرة كشخص لا هم له سوى البحث عن الجنس، وحتى عندما قدم فيلم (كراكون في الشارع) عام 1986 الذي يناقش قضية هامة، تضمن الفيلم مشاهد جنسية لا داعٍ لوجودها.

يبدو أن نجاحات عادل إمام المتتالية وتصدر أفلامه لشباك التذاكر، قد أكسبته ثقة في نفسه أكثر من اللازم فوجد أنه من حقه أن يفعل ما يحلو له، وربما هناك "عُقدة" قديمة جعلته متعطشًا لتقديم مشاهد جنسية مع أجمل ممثلات جيله. فقدم أفلامًا ترضي غروره كذكر، وحققت تلك الأفلام نجاحات كبيرة - بسبب تردي ذوق الجمهور وعدم وجود منافسة حقيقية - ولكنه أصبح ممثلًا سيئ السمعة ارتبط اسمه بالمشاهد المبتذلة، فأصبح الأمر معروفًا لدى الكثيرين.. فيلم لعادل إمام، إذن هو فيلم مليء بالمشاهد الجنسية التي لا داعٍ لها.

أذكر أنني عندما رأيت "الأفيش" الدعائي لفيلم (النوم في العسل) عام 1996، أخذت انطباعًا عن الفيلم، مثل آخرين، أن عادل إمام وقع اختياره على الممثلة الجميلة شيرين سيف النصر، نجمة تلك الفترة، لكي يقدم معها مشاهد جنسية، بالإضافة إلى مشاهده الجنسية مع دلال عبدالعزيز، ولم أتوقع أن يكون الفيلم له قيمة أو يناقش قضية أو موضوع ذو أهمية.. هو فقط فيلم يتضمن مشاهد جنسية يتم تقديمها من خلال حبكة ضعيفة لفيلم بدون رسالة أو مضمون.

لم أشاهد الفيلم وقت عرضه في دور العرض، وإن كنت أعرف أن من شاهدوه لم يفهموا المغزى منه، فلم يتوقعوا أن يكون الفيلم له مغزى أو رسالة، فتعاملوا معه باعتباره فيلم جنسي كوميدي يليق بـاسم عادل إمام.

وبعد مرور سنوات عديدة شاهدت الفيلم ووجدته فيلمًا لا بأس به، وبعد سنوات أخرى وبعدما عرفت قيمة السيناريست الكبير وحيد حامد والمخرج الكبير شريف عرفة، شاهدت الفيلم مرة أخرى، وفوجئت بالرسالة الهامة التي يحملها الفيلم وبأهمية الموضوع الذي يطرحه ومستواه المتميز، سواء من ناحية السيناريو أو الإخراج أو التمثيل أو غيرها من عناصر صناعة الفيلم.

تدور أحداث الفيلم حول ضابط المباحث مجدي (عادل إمام) الذي يكتشف انتشار حالة من العجز الجنسي تصيب عدد كبير من المواطنين، تصل إليه هو شخصيًا، فيحاول إقناع رئيسه في العمل (سامي سرحان) بإبلاغ وزير الداخلية لكي يتعاون مع باقي أجهزة الدولة في البحث عن أسباب تلك الأزمة لحلها، ويطلب من الصحفية الشابة سلمى (شيرين سيف النصر) مساعدته في البحث عن أسباب تلك الحالة الغريبة، وتتوالى الأحداث لنرى من خلالها كيفية تعامل أجهزة الدولة ورجال الدين والإعلام والمواطنين مع الأزمات بشكلٍ عام، ومع الجنس بشكلٍ خاص.

1 - أجهزة الدولة

أجهزة الدولة ترفض تمامًا الاعتراف بوجود أزمة، لأن وجود أزمة يعني أنها – الأجهزة - مُقصرة في القيام بدورها، بل ستكون تلك الأجهزة مطالبًة باتخاذ إجراءات لحل تلك الأزمة، وهي إجراءات قد تكون أكبر من إمكانياتها مما سيعني ظهور تلك الأجهزة في موقف العاجز الضعيف.

2 – الصحافة

الصحافة – المتمثلة في الصحفية سلوى، ورئيس تحرير الجريدة التي تعمل بها (عبدالرحمن أبوزهرة) – تتعامل مع الأزمة كـ (خبطة صحفية) ولكن بحذر لكي لا تصطدم بالرقابة.

3 – رجال الدين

أظهر الفيلم رجال الدين وهم يفكرون بطريقة غير علمية على الإطلاق، وكأن الدين يتنافى مع العلم، فأخذ رجال الدين، سواء في الجامع أو الكنيسة، يقنعون المواطنين بأن ما يحدث غضب من الله ولا يمكن أن يكون غير ذلك. وهو ما رأيته تحذيرًا من السيطرة على الشعوب بـ اسم الدين.

4 – المواطنون (أصحاب المشكلة)

يلجأ المواطنون للوهم، فيزداد الإقبال على المخدرات وترتفع أسعارها، بالإضافة إلى اللجوء لوصفات العطارة البدائية لحل المشكلة غير المعروف أسبابها.

وهو ما تم تلخيصه في مشهد يجمع الضابط مجدي مع الصحفية سلمى، حيث قال لها: "المخدرات ارتفعت أسعارها 200% وزاد توزيعها.. التحويجة دي عبارة عن فول سوداني مخلوط مع شوية جنزبيل وقرفة وجوزة الطيب واي كلام فارغ.. بتتباع بالشيء الفلاني على إنها علاج.. الناس اتجهت للمخدر.. للوهم.. للشعوذة والدجل..المصيبة الكبيرة هي السكوت".

وهكذا يعرض لنا المؤلف الكبير، وحيد حامد، طريقة تعامل مختلف عناصر الدولة مع الأزمة، وهو ما يجعل الأزمة تتفاقم حتى تنفجر في نهاية الفيلم بخروج المواطنين إلى الشوارع وهم يصرخون  (آآآآآآآه). 

هذا هو فيلم (النوم في العسل) الذي تم إنتاجه عام 1996 وبعد أن قدم عادل إمام أفلامًا تحتوي على مشاهد جنسية تم تقديمها بشكلٍ فج ودون ضرورة درامية، مثل (كراكون في الشارع)، و(سلام يا صاحبي)، و(مسجل خطر)، و(اللعب مع الكبار)، و(بخيت وعديلة).. الخ.

هذا هو فيلم (النوم في العسل) الذي إذا أردنا أن نفهمه جيدًا ونعرف قيمته، فيجب علينا أن نراه كفيلم لوحيد حامد وشريف وعرفة وليس كفيلم لزعيم المشاهد المبتذلة.

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author