لطالما كانت الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي لجميع المجتمعات البشرية المعروفة ولطالما اعتقد الباحثون أن الفضّل لإدراك وإنتاج الموسيقى يعود للعوامل البيئية، ولكن كان للأبحاث والدراسات الأخيرة رأي آخر ..
فقد لوحظت القدرة الموسيقية لبعض الأشخاص حتى في حالة عدم وجود تدريب موسيقي، ما يعني أن الموسيقى قد تكون "مثبتة" في تركيبتنا الجينية، وقد أظهرت نتائج مراقبة السلوك الموسيقي للأطفال الرُّضع قدرتهم على اكتشاف التغيرات اللحّنية أو الإيقاعية وإدراكها. وهناك بعض الأدلة على أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين (٦-٨) أشهر قد طوّروا بالفعل ذكريات طويلة المدى للموسيقى، ويمكنهم التمييز بين الموسيقى المألوفة والجديدة. وفي دراسة توائم كبيرة أُجريت في عام 2001، تم القيّام باختبار الألحان المشوهة (DTT)، حيث يحكم المُشاركين على ألحان بسيطة معروفة تحتوي على نغمات غير صحيحة تجعلها غير مُتناغمة، وكانت النتيجة تقدير مُرتفع للوراثة بنسبة (71- 80)% دون وجود تأثير للبيئة المشتركة ! مما يؤكد وجود مكوّن وراثي كبير يؤثر على قدرة الإدراك اللحّني . كما ساهم اكتشاف النغمة المطلقة (AP) أو "النغمة المثالية" وهي القدرة الموسيقية النادرة على تحديد أو إنتاج النغمات دون الاعتماد على مرجع خارجي، في توليد اهتمام بحثي كبير بسبب ندرته، فيبلغ معدل انتشاره أقل من 1 من كل 10000. وتم ربط قدرة (AP) وإدراك الموسيقى بالموقعين (8q21, 8q24) على الكروموسوم 8q وبالمثل الموقعين (4q22,4p14) على الكروموسوم 4 ورُبط الجين (AVPR1A) الموجود على الكروموسوم 12q بالاستماع للموسيقى وإدراكها والجين (SLC6A4) بذاكرة الموسيقى كل ذلك تم التوّصل إليه من خلال طُرق وراثية جزيئية مثل رسم خرائط الارتباط، أو نهج الجينات المرشحة. ويتم التوجه الآن إلى الطُرق الحديثة مثل تسلسل الاكسوم (Exome) الذي يوفر بديلًا أقل تكلفة، وأكثر فاعلية لتسلسل الجينوم الكامل . في النهاية على الرغم من أن الأبحاث في علم الوراثة الموسيقية مازلت في مهدها، إلا أن نتائجها الأولية المُتوصل إليها واعدة، مِما يجعل لدينا دافع لبذّل جهود بحثية حديثة ومُستمرة، والذي سيسمح بدوره باكتساب فهم أعمق للطريقة التي تتشكل بها التفاعلات بين العوامل الجينية والبيئية، و تطور قدرة الموسيقى البشرية على مدى العمر .
المراجع : https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4073543/
You must be logged in to post a comment.