الوراقة

الوراقة لغة                                        

جاء في بعض معاجم وقواميس العربية، مثل معجم اللغة العربية المعاصر، والمعجم الوسيط، ومعجم الرائد، ومعجم الغني الزاهر، ومعجم لسان العرب، الورق: ورق الشجرة والشوك، وورق الكتاب، والواحدة ورقة، والوارقة: الشجرة الخضراء، كثيرة الأوراق، يقال: ورَّقت الشجرة توريقاً، وأورقت إيراقاً، أي: أخرجت ورقها.         

الوراقة اصطلاحاً                

الوراقة هي صناعة توريق الكتب، وقد ازدهرت هذه الصناعة، مع تقدم حركة التأليف والترجمة، وبخاصة بعد انتشار الورق في بغداد، وذلك في الربع الأخير، من القرن الثاني الهجري، وقد أطلقت كتب الأدب العربي، على الثلة التي تولت أمر هذه الصناعة اسم (الوراقين)، وقام أبو زيد ابن خلدون بتعريف الوراقة في مقدمته، قائلاً هي: "معاناة الانتساخ، والتصحيح، والتجليد، وسائر الأمور الكتبية، والدواوين، واختصت بالأمصار العظيمة العمران"، وقال أبو سعد السمعاني معرفاً الوراقة: "الوراق (بفتح الواو، وتشديد الراء، في آخرها القاف)، هذا اسم لمن يكتب المصاحف، وكتب الحديث وغيرها، وقد يقال لمن يبيع الورق (الكاغد) ببغداد الوراق أيضاً، وغلب في العصور المتأخرة، من التاريخ  العربي والإسلامي، اسم (الكتبي)، على الوراق المشتغل بتجارة الكتب، و(الوراق) أو (الكتبي)، هو الذي يمتهن صناعة الوراقة، يقال رجل وراق، أو مؤرق، أي: يورق ويكتب، ويعرف أبو زيد ابن خلدون الوراقين، قائلاً هم: "الذين يعانون انتساخ الكتب، وتجليدها، وتصحيحها، والاشتغال بسائر أمور الكتابة".     

أصناف الوراقين        

تشمل مهنة الوراقة، أربعة أصناف أساسية، هم:

  • النساخ: وهم من اختصوا بنسخ الكتب بأيديهم، وتزويقها، وتذهيبها، وتصويرها، ويندرج في خانتهم، الغالبية العظمى من الوراقين والخطاطين.
  • باعة الورق: وهم من اختصوا ببيع أدوات الكتابة، مثل الكاغد، والأقلام، والأحبار وغيرها.
  • المجلدون: وهم من اختصوا بتجليد الكتب.  
  • باعة الكتب: وهم من اختصوا ببيع الكتب، ويدخل في خانتهم المنادون، أو الدلالون.

عمل الوراقين       

يتلخص عمل الوراقين بشكل أساسي، في الحصول على الورق، بأرخص الأثمان، ثم إجادة خط الكتاب وتزويقه، وهم يختارون الكتب بعناية فائقة، حيث يجتهدون في الحصول عليها، في أول صدورها، وينتقون أجودها، وأنفقها في الأسواق، كما ينقلون الكتب والمصنفات النادرة، من بلد إلى آخر، من أجل استجلاب الفائدة الزائدة، وهم لا يكتفون بنسخ الكتب فقط، بل يقومون بتصحيح النقول ويضبطونها، وقد بلغ من حرصهم، على تنقيح المؤلفات، أن يطلب العالم منهم، تصحيح كتابه، من دون أن يأخذوا أذنه.

غرض الوراقين    

مارس عدد كبير من العلماء، والمفسرين، والمحدثين، والقضاة، والأدباء، مهنة الوراقة، إلى جانب الوراقين المحترفين، وقد ذكرت بطون الكتب، من تكسب من الوراقة، كالقاضي أبي عبيد علي بن الحسين بن حرب البغدادي، الذي ندم على ترك الوراقة، بعد استلامه أمر القضاء، حيث قال: "ما لي وللقضاء، لو اقتصرت على الوراقة، ما كان حظي بالرديء"، إلا أن أبا حيان التوحيدي، كان رأيه مخالفاً، حيث وصف الوراقة بأنها: "حرفة الشؤم"، بسبب كساد سوقها، في معظم الأماكن، لكنه اعترف -في الوقت نفسه- بأن سوق الوراقة، لم تكن كاسدة، في بغداد على وجه التحديد، وقد أقبل على الوراقة، المشتغلون بالعلم والمعرفة، سواء كانوا أساتذة، أو طلاب، حيث اعتمد كثير من المحدثين والفقهاء، على هذه الصناعة، في كسب عيشهم وقوتهم، وثمة عدد من النساخ، زهدوا في ممارستها، مثل الشيخ الإسكندري، تاج الدين علي بن أحمد الغراف، ومنهم من أقبل عليها بشغف، قائلاً: "كتبت من كتب المتكلمين، ما لا يحصى، ولعهدي بنفسي، وأنا أكتب في اليوم والليلة مائة ورقة"، وهناك من اتخذ من هذه الصناعة وسيلة، لتفضيل شاعر على آخر، كما فعل الشاعر الموصلي، الذي قال عنه أبو عبد الله ياقوت الحموي: "اشتغل بالوراقة، فكان ينسخ ديوان كُشَاجم، وكان مغرى به، وكان يدس فيما يكتبه منه، أحسن شعر الخالديين، ليزيد في حجم ما ينسخه، وينفق سوقه، ويشنع بذلك، على الخالديين، لعداوة كانت بينه وبينهم"، والجدير بالذكر، أنه كان لكبار المؤلفين من العلماء الموسوعيين، في القرون الأولى للإسلام وراقون، يتولون تحصيل ما يريدونه، من أجزاء وكتب، ويقومون بنسخ مصنفاتهم وتوزيعها، وهو ما يماثل مهمة دور الطباعة والنشر والتوزيع، في عصرنا الحديث.   

تدهور الوراقة        

افتتح بعض الوراقين دكاكين خاصة بهم، فكانوا يقومون بنسخ الكتب بالأجرة، وذلك حسب كمية المنسوخ، وقام بعضهم بنسخ، ما يطلبه الحكام والأثرياء، مقابل راتب، ثم جاء عصر تدهورت فيه صناعة الوراقة، وتأخرت بسبب تأخر الحضارة العربية والإسلامية، وقد ذكر أبو زيد ابن خلدون هذا التدهور، قائلاً: "ولقد ذهبت هذه الرسوم، لهذا العهد جملة بالمغرب وأهله، وصارت الأمهات والدواوين، تنسخ بالخطوط اليدوية، ينسخها طلبة البربر، صحائف مستعجمة، برداءة الخط وكثرة الفساد والتصحيف، فتستغلق على متصفحها، ولا يحصل منها فائدة، إلا في الأقل النادر"، وخيم الركود الثقافي والعلمي، على كثير من البلاد العربية والإسلامية، ولكن الوراقة لم تضمحل، ولم تنقطع تماماً، حتى بعد ظهور الطابعات، فقد كان طلاب العلم، ينسخون الكتب والمصنفات لأنفسهم.     

أبرز الوراقين      

من أبرز الوراقين، الذين ذاع صيتهم، في العالم العربي والإسلامي:

  • شمس الدين محمد الحسيني، وأحمد بن إبراهيم الكتبي الصالحاني الحنفي، وعتيق بن محمد التميمي، وهم من وراقي بلاد الشام.
  • أحمد بن عيسى بن خلف بن زغبة، وإسحاق بن إبراهيم بن يونس بن منصور، وعمر بن محمد بن حسن السراج، وهم من وراقي مصر.
  • علي بن عبد الله بن موسى الغفاري، وسهم بن إبراهيم الوراق، وعباس بن عمرو الصقلي، وهم من وراقي الأندلس.
  • الحسن بن شهاب بن الحسن العكبري، والحسين بن محمد الكتبي الهروي، وعلي بن إبراهيم بن محمد الدهكي، وهم من وراقي بلاد فارس.

المراجع              

  • الموسوعة الإسلامية العامة، محمود حمدي زقزوق، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر، 2003.                                                            
  • موسوعة الوراقة والوراقين، خير الله سعيد، مؤسسة الانتشار العربي، لبنان، 2011.  

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author