حي بن يقظان

من هو ابن طفيل؟           

كان محمد بن عبد الملك بن محمد بن طفيل القيسي (500-581هـ/1106-1185م)، فيلسوفاً، ولغوياً، وأديباً، وشاعراً، وفقيهاً، ومبتكراً، محيطاً بمعارف عصره، يكنى بأبي بكر، ولد في وادي آش، إحدى قرى غرناطة بالأندلس، نشأ شغوفاً بالآداب والعلوم، حريصاً على جمع الكتب، ودرس الفلسفة، على ابن باجة، كما درس اللغة، والحديث، والفقه، على أبي محمد الرشاطي، وعبد الحق عطية، وقد نقد نظريات بطليموس في الفلك، ويقال أن له نظريات في علم الفلك، خاصة بتركيب الأجرام السماوية، وأنه وفق إلى صياغة نظام فلكي جديد، يخالف ما جاء به بطليموس، وعمل في مراكز سياسية عالية، فكان مقرباً من أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، ثاني خلفاء الدولة الموحدية، فولاه منصب الوزارة في غرناطة، واعتزل مناصبه، في عام 578هـ/1182م، مخلفاً مكانه لتلميذه أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد.     

الأسلوب     

تجلت براعة ابن طفيل، في أسلوبه القصصي الممتع، حيث مزج أفكاره الفلسفية بالقصص الشعبي، وقام بتسويغ مسائله، منطقياً وفنياً، من خلال نهجه الأسلوب التحليلي الاستقرائي، وفي قصة (حي بن يقظان) جوانب من النضج القصصي، وقد ثمن كثير من النقاد هذه القصة، فاعتبروها أفضل قصة عرفتها العصور الوسطى على الإطلاق.      

المذهب       

بسط ابن طفيل الفلسفة في قصته، فنسجها بلغة سهلة قريبة، وكان هدفه من هذا التبسيط، التوفيق بين الشريعة والفلسفة، فـ(حي) من أرباب الفلسفة، و(آسال) من أرباب التأويل، و(سلامان) من أرباب الظاهر، واتفاق (حي) و(آسال)، يعني اتفاق أغراض الفلسفة ومقاصد الشريعة، وترك (سلامان) في جزيرته، يعني الرضا بما عليه الجمهور، من الأخذ بظاهر الشريعة، وهكذا جاء ابن طفيل بمذهب الجمع، بين الإيمان التقليدي، والاقتناع العقلي، والذوق الصوفي.          

القصة      

ذكر بعض مؤرخي الأدب والفلسفة، أن لابن طفيل عدداً من الكتب والرسائل، إلا أنه لم يصل إلينا، من آثاره هذه، سوى قصة (حي بن يقظان)، وهي حكاية عربية فلسفية أصيلة، كتبها ابن طفيل في القرن السادس الهجري، وهي على النحو التالي:   

  • مقدمة القصة: وفيها نقد للفلاسفة العرب والمسلمين، وهم، ابن سينا، وابن باجة، والغزالي، والفارابي.    
  • مسرح القصة: وهما جزيرتان، الأولى: مأهولة، والثانية: غير مأهولة.
  • أبطال القصة: وهم (حي بن يقظان)، و(آسال)، و(سلامان)، و(ظبية).   
  • بداية القصة: أشار ابن طفيل في بداية قصته، إلى ولادة (حي)، وافترض افتراضين، الافتراض الأول: أنه ابن شرعي لزواج سري، جعل أمه تلقيه في اليم، فوصل إلى جزيرة معزولة غير مأهولة، والافتراض الثاني: هو أن (حي) ولد ولادة طبيعية ذاتية، من طينة تخمرت بفعل الشمس، فدخلها روح من أمر الله تعالى، وحين ولد أعتنت به ظبية.    
  • مراحل القصة: احتوت القصة على عشر مراحل، وهي على النحو التالي:    

[المرحلة الأولى: اكتشاف الروح]: ينشأ فيها (حي) ويترعرع، وبعد أن يتعلم الغذاء من الشجر، وتقليد أصوات الحيوانات، والاكتساء من ريشها وجلدها، تموت الظبية، فيحزن لفراقها حزناً شديداً، ويبدأ بتأمل الكون، ويفتش عن سبب موت الظبية، ليكتشف من خلال اختبار التشريح، أن سبب الوفاة، يكمن في التجويف الأيسر الفارغ من القلب، ويعلم (حي) عندها، أن الظبية رحلت ولن تعود، ومن اختبار التشريح، يتأكد أن الجسم عبارة عن آلة، توحدها الروح وتوجهها.    

[المرحلة الثانية: اكتشاف قانون السببية]: يعمل (حي) على مراقبة دورة المطر، ويلاحظ أن الماء يتبخر ويهطل، فتتكون السواقي، ليتأكد مما شاهده، أن الكون خاضع لهذا الناموس.

[المرحلة الثالثة: اكتشاف وحدة الكون]: يتأمل (حي) حركات الحيوانات وسكناتها، ويكتشف أن كل الكائنات تحركها نفس واحدة، ويلاحظ أن الحيوان يفوق النبات منزلة، ويتفرد عنه بالحركة، والحس، والإدراك، أما الجماد فأصل واحد، ومن هذه الصفات كلها، يعرف أن أصل الكون واحد، بكل ما فيه.

[المرحلة الرابعة: اكتشاف اتصال الموجودات]: يدرس (حي) جوهر الأجسام، فيتبين له أنه لا يوجد جسم معرى، من الثقل والخفة معاً، فهما صورتان، أو عرضان لمعنى الجسمية، وهكذا يتوصل إلى أن الصور، لا يتم إدراكها بالحس، بل بالنظر العقلي، فيهتدي إلى العالم الروحاني، والعالم النفساني.  

[المرحلة الخامسة: اكتشاف الفاعل الأول]: يدرس (حي) الماء وتحولاته، فيعلم بالضرورة أن كل حادث، لا بد له من محدث، وأن للكون فاعل واحد، ما دام نظامه واحد، وأنه لا يهرب من هذا الافتراض.

[المرحلة السادسة: التفكر في العالم]: يرى (حي) الأجسام السماوية ممتدة، في الأقطار الثلاثة: الطول، والعرض، والعمق، ويتفكر في العالم، ليسلم بالحاجة إلى مطلق كامل قديم، بريء من الجسمية وصفاتها، والذي لا يعزب عنه مثقال ذرة، في السموات ولا في الأرض، وصانع الموجودات.

[المرحلة السابعة: المكاشفة والتسامي]: يدرك (حي) وجود الفاعل العظيم، فيميل إلى التجرد من العالم المادي، ويتصفح حواسه، ويرى أنها لا تدرك، ويفكر في القوى المدركة، ليكتشف أنها مدركة بالقوة تارة، وبالفعل تارة أخرى، فإذا فاتها الإدراك، فإن ألمها يعظم ويشتد، فتدرك نفسه القوى، ويشعر بالغبطة، ليعلم أنها إذا طرحت البدن، واستمرت لها المشاهدة، فإنها سوف تحار، في لذة لا نهاية لها.

[المرحلة الثامنة: الاجتماع بآسال وسلامان]: يلتقي (حي) بـ(آسال)، في الجزيرة غير المأهولة، فيتعارفان ويكتشفان أنهما متفقان، في إدراك الحقائق، وقد كان (آسال) رجلاً يحب العزلة، حيث ترك مدينته العامرة، ورئيسها المتدين (سلامان).    

[المرحلة التاسعة: التوفيق بين الفلسفة والدين]: يعتنق (حي) دين (آسال)، بعد إيمانه بأن من جاء بالشريعة، في جزيرة (آسال)، هو رسول من عند الله تعالى، ليتطابق ما كشفه التأويل لـ(آسال) من الشريعة، مع ما أوصله التفكر لـ(حي) من المكاشفة، فما المعقول والمنقول، إلا وجهان لحقيقة واحدة.  

[المرحلة العاشرة: ضرورة الشريعة للمجتمع]: يرى (حي) أن الناس متحزبون متفرقون، وأن الشرائع هي الأصلح لهم، فينسحب مع (آسال)، وينتقل إلى جزيرته.  

الفائدة      

من الدروس المستفادة من هذه القصة، أنه يمكننا الوصول بالفطرة إلى الحقيقة المجردة، عن طريق التأمل الذاتي، وذلك على المستوى الفردي، أما على المستوى الجماعي، فقد يحتاج بعض الناس إلى طريقة آسال، في ضرب الأمثال الحسية، لأنه لا قدرة للعامة، على إدراك هذه الحقيقة، التي قد يصل إليها بعض الأفراد، ممن يتمتعون بالنظر العقلي، وتؤكد القصة على أهمية التجربة الذاتية، في الخبرة الدينية والفكرية، وقد تركت هذه القصة أثراً بالغاً، في كثير من العلماء والمفكرين، وتمت ترجمتها إلى عدة لغات أجنبية.

المراجع                                                  

  • الموسوعة العربية العالمية، مجموعة من العلماء والباحثين، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1999.
  • موسوعة عباقرة الحضارة العلمية في الإسلام، أحمد محمد الشنواني، مكتبة دار الزمان للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 2007.      

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author