سر الغزل في العيون عند العرب

لو تأملنا الشعر الغزلي وخاصة الغزل العذري منه سنجد أن العين أخذت موضع السحر والخيال والتأمل أكثر من أي شيء آخر ومن هذا الذي ينسى قول جرير:

إن العيون التي في طرفها حور ... قتلنا ومن بعد قتلنا لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به... وهن أضعف خلق الله أركانا

وتجد الروح عبقة والمعاني أخاذة فيما قاله جعفر الحلي:

يا  قاتلي باللحظ أول مرة...أجهز بثانية على المقتول

مثل فديتك ولو بي مثلوا...شمس الضحى لم أرض بالتمثيل

 

وكذلك عند إيليا أبو ماضي في قوله:

ليت الذي خلق العيون السودا...خلق القلوب الخافقات حديدا

 

هذا ونحن نعلم أن جزاء المؤمنين من المخلدات المخدرات في القصور هن (الحور العين) والسمة البارزة في الحور واضحة في العين كذلك ...

وقد تسأل لماذا العين؟ 

إن العين بوابة القلب فبها يعشق وبها يحب والعين بوابة النفس ومدخل الشعور وعنوان الحديث الذي يتكون بالشعور دون المصارحة وطالما أن النفس عاشقة لما يلطف بشفافية لا ما يكون جرما ومادة ثقيلة فلا زالت تعشق ما ترى فيه انعكاس الأنوار...

 

إن العين هي دفء القلب ولا زالت البراءة تنعكس في البريق الذي بحث عنه إبراهيم ناجي في أطلاله حينما قال:

وبريق يظمأ الساري له ...أين في عينيك ذياك البريق

 

لا زالت العين سلطة حكاية وعنوان جمال ومحل التعبير ولهج الشعور وصدق الحس فإذا أراد العربي من قديم أن يرعى لك فضلاَ قال: "أبرد ربي لك عيناَ" 

 

هذا ما جعل الشعر يتأمل في العيون ويتأمل في الخلق ويختصر البحر في العين أو السماء أو يتمثل بهن التعب أو الشقاء هو ما جعل العين متحركات في الشعر مع صمتهن... صادقات في الكلمة ملهمات للقريض حتى عز غزل ليس في ذكرهن ...

 

ولذا مع كثرة الأوصاف لكن بقي الوصف بالمها والغزال حاضر فما السر؟ ألا ترى أن العين في أساسها مستترة؟ وكذلك فإن الغزال حيوان خجول كثير الحياء كالعذراء فإذا ضرب العرب المثل به ليس بأن عينه أجمل به هناك ما هو أجمل لكن انعكست سيرة المها على عينيه فمن دلال الغزال ومشية الغزلان إلى التأمل في العين التي تستتر وتتثنى وإلى الخجول التي لا تتبع النظرة النظرة وهو من جنس وصف الله لعباده المتقين :"قاصرات الطرف" والملحوظ أن في وصف جرير المشهور في بعض روايات بيته سالف الذكر: "إن العيون التي في طرفها مرض" كأنها من تغنج العين والأهداب كادت تتحنى وتتستر كما لو بها مرض... هو وصف ينطلق من قمة الشفافية وفي مرحلة الوصف الذي يحب التثني المؤدب الحيي الذي لا يمسه إنس ولا جان ...

 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٦ ص - Mahmoud Magdy
مايو ٤, ٢٠٢١, ١:٢٣ م - زهور
مارس ٤, ٢٠٢١, ١٢:١١ م - Hager Abd Elsamad
يناير ٢٨, ٢٠٢١, ٣:٢٣ ص - Ahmad hussam khalid abed
يناير ٢, ٢٠٢١, ٤:٠٣ م - امل سلامه
About Author