فضل القلم
البيان في اللغة هو الإفصاح والظهور والوضوح، وفي الاصطلاح هو اسم جامع لكل شيء كشف قناع الـمعنى، ليفضي إلى حقيقته، أو هو إيراد الـمعنى الواحد بطرق مـختلفة في وضوح الدلالة عليه، قال تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ{3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن:3،4]، وقد أقسم -تعالى- بـجنس القلم الذي يكتب به، لما فيه من الفوائد التي لا يحيط بـها الوصف، قال تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم:1]، وذكر -تعالى- فضل الـخط وشرف الكتابة، قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق:1-5].
هندسة القلم
الـهندسة كلمة فارسية معربة، أصلها (أندازة)، لكن الألف الأولى تم إبدالـها بالـهاء، وأبدلت الزاي بالسين، والألف الثانية تم حذفها، لتصير الكلمة (هندسة)، وتعني الـمقدار الكمي الـمتصل من حيث التقدير، وتعرف باليونانية جومطريا Geometria، والـهندسة فرع من العلم الرياضي، الذي يبحث في أحوال الـمقادير ولواحقها، وأوضاع بعضها عند بعض، ونسبها وخواص أشكالـها، لاستخراج ما يـحتاج إلى استخراجه بالبراهين اليقينية، وموضوعه الـمقادير الـمطلقة، مثل الـجسم التعليمي والسطح والـخط، ولواحقها من الزاوية والنقطة والشكل، يقول ابن خلدون (732-808ﻫ/1332-1406م) عن علم الـهندسة؛ "وهو النظر في الـمقادير على الإطلاق، إما الـمنفصلة من حيث كونها معدودة، أو الـمتصلة، وهي إما ذو بعد واحد وهو الـخط، أو ذو بعدين وهو السطح، أو ذو أبعاد ثلاثة وهو الـجسم التعليمي"، وقال أيضاً: "واعلم أن الـهندسة تفيد صاحبها إضاءة في عقله، واستقامة في فكره، لأن براهينها كلها بينة الانتظام، جلية الترتيب، لا يكاد الغلط يدخل أقيستها، لترتيبها وانتظامها، فيبعد الفكر في مـمارستها عن الـخطأ، وينشأ لصاحبها عقل على ذلك الـمهيع".
مفتاح القلم
خلق الله تعالى القلم، وأنطقه بثمانية وعشرين حرفاً، وهي أصل الكتابة، ومدار الـخط والأصوات واللغات والعبارات والكلام إلى يوم الدين، وكلها في أبـجد، وكان أول ذلك النقطة، ومن النقطة إلى الـهمزة، ومن الـهمزة إلى الألف، والألف هو مفتاح أول اسم الله تعالى، ومقدماً على الـحروف كلها، وحساب الـجمل في (أبـجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ)، من الرقم: واحد إلى الرقم: ألف، فالألف: واحد، والباء: اثنان، وهكذا دواليك إلى الغين، والغين: ألف، والـحروف -كما ذكرنا آنفاً- ثـمانية وعشرون في اللسان العربي؛ الـحروف القمرية: الألف، الباء، الـجيم، الـحاء، الـخاء، العين، الغين، الفاء، القاف، الكاف، الـميم، الـهاء، الواو، الياء، أما الـحروف الشمسية: التاء، الثاء، الدال، الذال، الراء، الزاي، السين، الشين، الصاد، الضاد، الطاء، الظاء، اللام، النون.
نظم القلم
وضع الفقهاء سنناً وقوانين لجمالية نظم البيان، فجعلوا طول الألف على مقياس سبع نقاط من كل قلم، بحيث يكون العرض سبع الطول، واعتبروا أن ما زاد عن ذلك فهو زائد في الطول، وما نقص عن ذلك فهو ناقص، وعلى ذلك تختلف الـمقادير الـمقدرة بالألف من الـحروف بنقص قدر الثمن من الطول، ففي كل خط الألف واللام قدر سواء، والباء وأختاها والـجيم وأختاها قدر سواء، والعين والغين قدر سواء، والنون والصاد والضاد والسين والشين والقاف والياء الـمعرقة قدر سواء، والراء والزاي والميم والواو قدر سواء، وكل عراقة يبدأ بها في كل خط ما فعلى مثلها يكون انتهاؤها، وذكر الفقهاء أن كمال الصورة الـجمالية للبيان يستند إلى:
أولاً: حسن التشكيل
وتحتاج الـحروف فيه تصحيح أشكالها، وتحسين صورها إلى خمس تقنيات، وهي:
- التوفية: وهي أن يوفى كل حرف من الـحروف حظه من الـخطوط، التي يركب منها: من مقوس ومنتصب ومنحنٍ ومنسطح.
- الإتـمام: وهو أن يعطى كل حرف حظه وقسمته من الأقدار، التي يجب أن يكون عليها: من كبر أو صغر أو طول أو قصر أو دقة أو غلظ.
- الإكمال: وهو أن يؤتى كل خط حظه من الـهيئات، التي ينبغي أن يكون عليها: من انتصاب وتسطيح وانكباب واستلقاء وتقويس.
- الإشباع: وهو أن يؤتى كل خط حظه من صدر القلم حتى يتساوى به، فلا يكون بعض أجزائه أدق من بعض ولا أغلظ، إلا فيما يجب أن يكون، كذلك من أجزاء بعض الـحروف من الدقة عن باقيه، مثل الألف والراء ونحوهما.
- الإرسال: وهو أن يرسل الـخطاط يده بالقلم في كل شكل، يجري بسرعة من غير احتباس يضرسه، ولا توقف يرعشه.
ثانياً: حسن الوضع
وتحتاج الـحروف فيه تصحيح أوضاعها، وتحسين ترتيبها إلى أربع تقنيات، وهي:
- الترصيف: وهو وصل كل حرف متصل إلى حرف.
- التأليف: وهو جمع كل حرف غير متصل إلى غيره، على أفضل ما يحسن وينبغي.
- التسطير: وهو إضافة الكلمة إلى الكلمة، حتى تصير سطراً منتظم الوضع كالـمسطرة.
- التنصيل: وهو مواقع الـمدات الـمستحسنة من الـحروف الـمتصلة.
ثالثاً: حسن الضبط
ويعنى بلواحق الـخط، الـمتمثلة في حركات التشكيل وعلامات الإعجام، والتي تؤدي وظيفة الزينة والتحلية، إلى جانب ضبط القراءة نحوياً وصوتياً.
رابعاً: حسن الطريقة الفنية
ويعنى برؤية الـخطاط ومنهجه الفني، في تصميم وهندسة الصورة البيانية، واختيار نوع الـخط الـمناسب لـها.
المراجع
- أصول اللغة العربية، أسرار الـحروف، أحـمد زرقة، دار الـحصاد للنشر والتوزيع، سورية، 1993.
- الـحروف، الـخليل بن أحمد الفراهيدي، مطبعة جامعة عين شمس، مصر، 1969.
You must be logged in to post a comment.