المقطع الأول:
يقول إيليا أبو ماضي:
1- نسي الطينُ ساعة أنـه طـيـن حـقـيـر فـصـال تـيها وعربـدْ(3)
2- وكسى الخزُّ جسمَه فتـباهى ، وحـوى المالَ كـيـسُـه فتـمـردْ
3- يا أخي لا تَمِل بوجهك عني ، مـا أنـا فـحمة ولا أنت فرقـدْ
يبدأ التكوين التكراري في البيت الأول بتكرار كلمة "الطين" ولكن دلالة كل كلمة حيث وردت تختلف عن دلالتها في الموضع الآخر، فالمقصود بالكلمة الأولى هو الإنسان والمقصود بالكلمة الثانية هو التراب المجبول بالماء وقد ساهم التكرار بلفت الانتباه إلى كلمة الطين بدلالتيها فساعد على إبراز العلاقة الوثيقة بين الدلالتين التي تتمثل في أن الطين أصل للإنسان، وبذالك شكل هذا التكرار حسا دلاليا انفعاليا كوَّن مركز الثقل في البيت ، وقد استخدم القدماء هذا النوع من التكرار وسموه الترديد وقد عرّفه ابن رشيق بقوله : "أن يأتي الشاعر بلفظة متعلقة بمعنى ، ثم يرددها بعينها متعلقة بمعنى آخر في البيت نفسه أو في قسيم منه "(1)
وفي البيت الثاني يلفت النظر شكل من التكرار يتمثل في الأفعال الماضية التي تنتهي بمقطع طويل يتمثل بألف المد وهذه الأفعال هي: كسا ، تباهى ، حوى" وهذا الطول الصوتي في المقطع الأخير يوحي بالحالة التي كانت سببا في تكبر الإنسان وتمرده ، فالفعل "كسا" يشي بالغنى والسعة ورغد الحياة وكذالك الفعل "حوى" وقد منح المد كلا الفعلين قوة إيحائية إضافية ، أما الفعل "تباهى" فقد كان نتيجة للغنى ورغد العيش ، وقد ساهم المد في آخره بترسيخ صورة الأنسان بعد الغنى ، فقد بالغ بالتباهي والتكبر ، وإضافة إلى ذلك فقد كان لتكرار هذه الأفعال أهمية كبرى في رفد الإيقاع الداخلي للبيت.
وفي البيت الثالث يبرز التكرار في تطابق التركيب النحوي وهذا ماثل في عجز البيت ، فقد جاءت عبارة "ما أنا فحمة" موازية لعبارة "لا أنت فرقد":("ما" توازي "لا" و "أنا" توازي"أنت" و"فحمة" توازي "فرقد") وقد عمل هذا التكرار على لفت الانتباه إلى دلالة التركيبين المكررين، وساهم في صنع مقارنة بين الشاعر،الذي يمثل الفقير،وبين مقابله الغني، الذي تكبر على الناس، فقد جاءت العبارة الأولى لتنفي أن يكون الشاعر"فحمة" أي عبدا أسود وقد برزت دلالة هذه العبارة عندما قابلها الشاعر بالعبارة الثانية التي جاءت لتنفي أن يكون الغني فرقدا ، ومما ساعد على تأكيد دلالة كل من العبارتين وجعلها أكثر أثرا في المتلقي استخدام الطباق داخل العبارتين المتوازيين في "فحمة" و "فرقد"، والطباق بحد ذاته يعد عنصرا للانفعال والتجاوب لدى المتلقي لأنه يقوم على عرض المتضادين، و عرض المتضادين سبيل سوي لفهم حقيقة كليهما فالإنسان يعي الشيء عندما يستحضر ضده، وبذلك يكون التضاد في البيت قد ساعد على إثارة الحالة النفسية لدى المتلقي لينشأ بعد ذلك الإدراك لحقيقة المتضادين داخل التركيبين المتقابلين ، يقول حازم القرطاجنِّي : " إن للنفوس في تقارن المتماثلات ، وتشافعها، والمتشابهات، المتضادات وما جرى مجراها ، تحريكا وإيلاعا بالانفعال إلى مقتضى الكلام ؛ لأن تناصر الحسن في المستحسنين المتماثلين ، والمتشابهين ،أمكن في النفس موقعا من سنوح لهما في شيء واحد "(2)، و يقول يوسف اليوسف: "فبهذا التضاد اللغوي تستطيع إن تثير تحركا في الخيال ذا اتجاهين متنابذين ولكنهما مندغمان في الحركة الواحدة وبذلك تستطيع أن تحرك عاطفة مضطرمة "(3) .
المصادر والمراجع :
1- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ، ج ،1 ص 333 .
2- منهاج البلغاء وسراج الأدباء ، ص44- 54 .
3- مقالات في الشعر الجاهلي ، ص 338 .
أحسنت النشر سلمت اناملك
You must be logged in to post a comment.