علاج التوحد بين التأهيل والتجارة
"وحيد" الطفل ذو الخمس أعوام حجروه وحيدًا ووصفوه "بالمريض" عرضوه للأكسجين المضغوط بعد أن فشلت الطاقة الكونية بعلاجه تدلك والدته "وحيدة" جسده كل ليلة بالزيوت العطرية وتطعمه ملعقة كبيرة من خليط الزيوت العلاجي، وحيد وحيدٌ جداً وحزينٌ أيضًا دون أن يفهم ذلك، ما زالت علامات الضرب واضحة على جسده الصغير عندما حاولت احدى السيدات استخراج جنيٍ منه، "وحيد" ابن"وحيدة" ضحية الاعلانات المضللة التي تنادي بالعلاج، متى سيفهم العالم يا وحيد بأن التوحد ليس كفايروس كورونا"
عزيزي القارئ أعلم أنك ما أتيت لتقرأ هذا المقال إلا لأن هناك أمرًا شائكًا في ذهنك زرعته بعض الإعلانات المضللة عن علاج اضطراب التوحد لذلك سأقوم معك بعرض مجموعة من الحقائق المثبتة عن هذا الاضطراب النمائي لنشكل منطقًا يرضى عقولنا لا أمانينا، لأننا ندرك جميعًا أن صدق المظهر أهم بكثير من رونقه، إذن لنبدأ هنا بالتحدث عن التعريف المعتمد عالميًا ومنطقيًا لاضطراب التوحد.
- ما هو اضطراب التوحد؟
اضطراب التوحد يعتبر اضطراب نمائي شديد ويقصد "بنمائي" أي (وجود ضعف في بعض أو كل جوانب النمو) يتم التعرف عليه سلوكيًا أي أن أعراضه تظهر على سلوكيات الطفل في أول 3 سنواتٍ من عمره، وتأخذ شكل ضعف في ثلاث جوانب وهي:
- التفاعل الإجتماعي
- التواصل اللغوي
- استخدام الخيال
- الشكل العام للتوحديين
يتم تشخيص اضطراب التوحد من خلال اختبارات مقننة مخصصة لقياس انعكاسات الطفل النفسية وقياس نسبة الذكاء، وللحصول على درجة صحيحة يتم ذلك بعد فترات طويلة من ملاحظة سلوكه والقياس العيني من قِبل أخصائيين نفسيين وأخصائيين التربية الخاصة كما يحتاج معظم أطفال التوحد إلى تدخل علاج طبيعي ووظيفي وعلاج اللغة والنطق "إذا كان الطفل ناطقًا" وذلك لما يؤثر به التوحد على مفاصلهم وسلوكياتهم الحركية والتي تبني جسدًا توحديًا يعشق الضغط على مفاصله والمشي على رؤوس أصابعه.
دعنا الآن نفكر بصوتٍ عالٍ بعد أن وضعنا الشكل التوحدي كما نراه جميعًا، ولنتطرق للسؤال الأكثر أهمية، ألا وهو:
- تأهيل أم علاج؟
من الجدير بالذكر عزيزي القارئ أن اضطراب التوحد خاصًة قد عانى الكثير من العلاجات الوهمية والمزيفة والتي تخفي أعراضه بل وتكبتها دون أدنى اهتمامٍ لجاهزية الطفل الادراكية والحركية والحسية لمواجهة الحياة كالأطفال الآخرين ومنها:
- العلاج بالأوكسجين المضغوط:
أحد الادعاءات العلاجية لاضطراب التوحد هو تعريض الطفل التوحدي لاستنشاق أوكسجين بنسبة 100% تحت ضغط عالٍ بظن أنه سيخلص أجسادهم من المعادن السامة وتخلصهم من اعراض التوحد الإدراكية، يقوم الطبيب بعرض برنامج العلاج وتقسيمه على أكثر من 40 جلسة يخرج منها الطفل التوحدي كما هو، بينما يخرج الطبيب منها قادرًا على الاستثمار برأس مالٍ كبير! ولحسن الحظ نفت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) فاعلية الأوكسجين المضغوط في تحسين أعراض التوحد مؤكدة على أنه برنامج علاجي فاسد.
- العلاج بالزيوت والزيوت العطرية:
إن تعرض الطفل التوحدي لصعوبات في الإدراك والتركيز وفرط في الحركة وصعوبات في الهضم وشد على المفاصل يجعل أي شخص لديه خبرة في الأعشاب والزيوت يتطلع لأن بداوي أعراض التوحد من خلال نظام غذائي يعتمد على بعض أنواع الزيوت "كزيت الزيتون" و"الأوميجا3" المعروف بزيت السمك وزيت "اللافندر" وتدليك الجسم بالزيوت العطرية كزيت جوز الهند والبخور، لقد لاحظت العديد من التجارب أن العلاج بالزيوت قد أدى إلى نتائج مرضية بتخفيف حدة الأعراض ولكنها مهما تطورت فإنها لن تصل إلى مرحلة الإصلاح فهي تعمل عمل الأدوية المثبطة التي يصفها الطبيب للتخفيف من حدة الأعراض.
- علاج التوحد بالشعوذة:
من الطريف أن نتكلم عن هذا الأمر وكأنه علاج حقيقي ولكن للأسف الشديد نعم، لقد تكلم الكثيرون عن التوحد وكأنه أثر لسحر وشعوذة يعالجونه بالطرق التقليدية كضرب الطفل التوحدي وتعذيبه حتى يخرج منه الجن، وهذا الأمر غير منطقي اطلاقًا ولكن من الجدير بالذكر أن ذلك قد يكون منطلقًا من احساسنا بالذنب الذي من المريح لنا أن نلقيه على عاتق هذه المصطلحات.
-علاج التوحد بالطاقة البشرية:
من الأمور الدارجة بين العديد من الناس في الآونة الأخيرة هو العلاج بالطاقة والذي يقوم به أشخاص على اطلاع واسع بهذا الأمر، ومن الجدير بالذكر أن العلاج بالطاقة يعود للآلاف من السنين إلى الديانات القديمة في الصين والهند، لم يتكلم العلاج بالطاقة عن علاج التوحد فقط بل يدعي أنه قادر على علاج الكثير من الاضطرابات والأمراض ولكن لا يوجد أي اثبات لوجود هذا العلم حقًا كما يعتبر من العلوم الزائفة بحيث لم تحدث أي حالة تحسن للتوحد على يد علوم الطاقة.
- التأهيل المتخصص:
التأهيل المتخصص هو العلاج الوحيد المعترف به لتأهيل التوحديين واستخدام كلمة تأهيل هنا ضروري جدًا لأنه يتفق مع تعريفات التوحد وأعراضه ويعمل على تنمية قدراته وتقوية نقاط ضعفه بناءً على تشخيص الخبير النفسي أي أنه يعامل كل طفل على حدا بناءً على قدراته الإدراكية الفردية ويشمل هذا التأهيل على ما يلي:
- وضع خطط تأهيلية تربوية لتنمية المهارات التعليمية.
- وضع خطط تعديل سلوك لتصحيح سلوكه بناءً على السلوك المقبول اجتماعيًا.
- وضع الخطط الفردية.
- المتابعة مع فريق كامل ضمن بيئة تعزز التواصل.
- بناء علاقة وثيقة بين الطفل وبين اشخاص غير العائلة.
- هل يمكن لطفل التوحد أن يمتلك قدرات الطفل العادي؟
إن المقارنة بين طفل توحدي وطفل عادي مقارنة غير عادلة أبدًا وذلك لأن كل طفل يمتلك بالنهاية خصائص فردية ولدى كليهما نقاط ضعف ونقاط قوة كما ذلك لدى كل إنسان أيضًا، لذلك عليك فقط بتنمية مهارات طفلك ومقارنته مع قدراته السابقة ومتابعة جدول نموه دون وضع آمال مزيفة تصل بنا الى طريق التحطيم النفسي.
وفي النهاية عزيزي القارئ فإن اختيارك الصحيح للطريقة التي تساعد طفلك بها هي نصف العلاج والطريق، أتمنى لكم التوفيق في المسيرة الأبوية العظيمة.
You must be logged in to post a comment.