هو مسن ومتقاعد قضى حياته بالخارج. بعد رجوعه لوطنه نهائيا وجد نفسه يعيش وسط عائلته لم يحضر أفراحها وأطراحها اليومية لسنوات عديدة، ككل أب يعيش يوميات عائلته. يرعاها ويعرف كل خباياها النفسية، الجسدية والفكرية. وجد نفسه يعيش غربة بعد الغربة. وجد رفيقة دربه في ملامح أخرى، لقد غاب عنها سنوات طويلة وتركها في عنفوان شبابها وقوتها ونشاطها. فزياراته السنوية للعائلة عموما دامت شهرا كل سنة كان يعيشه كالضيف في عطلة واستجمام. فلا يلاحظ التغييرات في الملامح والطباع في خضم الضيافة السنوية.
ترك زوجته يافعة، جميلة، شابة ونشيطة فوجدها لا تبعد عنه في عدد التجاعيد لكنه لم يعش معها تكون هذه التجاعيد ولا تقلص حركتها وتدهور صحتها. وأبنائه أيضا فهو لا يعرفهم جيدا. لا يدرك مستواهم الفكري، الثقافي، والمهني فقد عهدهم أطفالا ضعافا لا حول لهم ولا قوة أو شبان في عنفوانهم. وحين يقضون معه العطلة يكونون هم أيضا في عطلة سنوية فلا يرى من حياتهم إلا جانب الراحة، النوم والكسل أحيانا. فلم يكن له عنهم أي رابط بخصوص حياتهم اليومية النشيطة. وجدهم كبارا كل واحد يعيش نسق حياته عل وتيرته الخاصة. أغلبهم تزوج وكون عائلته. غربة بعد الغربة التي يعيشها مأتاها الفراغ التي أحسه حين عودته نهائيا.
فعاش عملية عودته كإسقاط في وسط العائلة. فلا مزاجه قريب لمزاج الزوجة ولا الأولاد. فالعائلة تكتشفه من جديد. وتتعرف على طباعه اليومية.
في هذا الخضم، يباغته إبنه الثاني بموضوع هجرة مهنية له صحبة زوجته وأبنائه. فالأبناء كبروا وحان موعد مزاولتهم تعليمهم العالي في الخارج. صعقه الأمر وأحس بفراغ يملأه. فالهجرة لم تعد مقتصرة على هجرة السواعد للخارج كما هو الحال في الستينات إنما نحن في عهد هجرة الأدمغة. مال الرجل لحالة شبه إكتآب. ولم ينعم بالنوم العميق ليالي كثيرة.
طبعا إنشغلت العائلة بأمره واحتارت فيما عساها تفعل.
وقبل أن تتفاقم الحالة، حدثت معجزة. معجزة قلبت الوضع من شبه مكتئب إلى ضاحك.
ماذا حصل؟ يا ترى؟ البقية في الجزء الموالي بعنوان: من شبه مكتئب إلى ضاحك.
You must be logged in to post a comment.