فضل الموسيقى على الذات

سنبلغ مرحلة الصدق المطلق اذا ما تألمنا لمصير الموسيقى كما نتألم من جرح جسدي مفتوح. ما الذي يمكن إيلامي بالذات إن كنت متألماً لمصير الموسيقى؟ لربما تنكر الموسيقى لطابعها الإثباتي المشع، بحيث انها غدت موسيقى انحطاط وزيف؛ كفّت عن كونها أوتار هينريش شويتس

 

وإذا ما كان للمرء إحساس تجاه قضية الموسيقى كما لو كانت معضلته الفكرية الخاصة، بخضم وجوده وصراعه الذاتي الخالص؛ أي كقضية معاناته مع الوعي، فإنه سيجد في بيتهوفن وفاغنر كثرة المداراة لقاء الروح مع الوعي فوق كل الحدود.. أن يظل الإنسان في مثل هذه الحالة الإنتشالية مع الصراع النفسي مرحاً وقادراً على السخرية من النفس بطيبة خاطر في الوقت الذي يستهزئ فيه بالآخرين، أو المصارحة بالحقيقة بفم ضاحك في جسد يحترق ألماً، في حين أن تكون كل أنواع الشدة مبررة بفعل الواقع المضحك، فذلك هو عين الإنسانية، تلك هي اسطورة الموسيقى.. 

وفي خلاصة الأحاديث، لا يسعني سوى الإقرار انه ما كان لي أن أقدر على تحمل سنوات شبابي من دون الموسيقى الباخية، الفاغنرية وبعض نغمات تشايكوفسكي. فقد كان محكوماً علي باليأس المضني! وعندما أردت في أشد لحظاتي قسوة أن أتخلص من عبء ضغط شديد مباغت، كنت ألجأ إلى تشايكوفسكي، إلى بحيرة البجع، تلك الأسطورة التي مضى على تراثها المضيء مئة وخمسون عاماً يتداول سمعها معظم البشر ب رقة وحنان، مازالت ملجأي في أوج نطاقي الإدراكي عندما أُبعث مشككاً بوجودي

الموسيقى هي سم، هي السم المضاد لكل بؤس، إنها سم! ذلك ما لا أنكره ما استطعت .. عبثاً ما زلت أبحث بين أصناف الكتب، في تفاصيل الحروف وعقول الكتّاب عن غرائب تجول في خاطري أميالاً دون حاجة للتوقف ولو للحظة للإستماع إلى أفكاري. لكن، كل عجائب شكسبير وغرائب دي فينشي وأينشتاين تفقد سحريتها لدى الاستماع إلى أولى نغمات تشايكوفسكي

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author