فن المقامة العربيّ.

 

فن المقامة

المقامة لغة هي الجماعة من الناس أو المجلس, أما اصطلاحَا فهي حديث أو قصة تظهر فيها براعة الأدباءك.

نشأت المقامة في القرن الرابع الهجري أثناء حالة الوعي بضرورة اهتمام الأدب بالمهمشين من الناس في الوقت الذي كان فيه الشعراء منشغلين بالأمور السياسية ومدح السلاطين وقد مثلت المقامة فن نثري يبث الوعي على المستوى الشعبي او الاجتماعي ووجهت النقد الى ما يسود من عادات وسلوك.

وبالحديث عن أسباب نشأة المقامة لا بد أن نذكر أنها نشأت لتعليم الناس اللغة واعطائهم مخزونَا كبيرًا من الكلمات البليغة والنصوص المليئة بالسجع والطباق والمحسنات البديعية الأخرى,كما أنه في كثير من المقامات ذكر فضل النثر على الشعر وذلك لدعوة الناس لبناء علاقة ايجابية مع النثر بعد أن كان قد أهمل من قبل الكثيرين الذين صبوا اهتمامهم على الشعر فقط.

بديع الزمان هو الذي أسس لفن المقامة وتبعه الحريري الذي زاد عليه ثقافة وكان أحكم صياغة وأقوى تعبيرا.

وعكف على المقامة الكثير من الطلاب والأدباء في شتى الأقاليم ,يتدارسونها ويحفظونها كما حفظوا المتون الدينية واستمر اعجابهم بالمقامات برغم حواجز الصناعة التي وضعها الحريري من كنايات وأمثال وألغاز أحيانَا.

منذ ابتكار بديع الزمان للمقامة وهي تنحو نحو بلاغة اللفظ وجمال اللغة فالجوهر ليس مهمَا فيها قدر العرض الخارجي والحلية اللفظية,وكان لذلك وجه من النفع حيث انساق الأدباء الى الثروة اللفظية ينهلون منها ويظهرونها للناس عامة وللأدباء خاصة عبر استخدام المقامة هذا بالنسبة لأبرز سمات المقامة وصفاتها.

أما أهم مواضيع المقامة فكانت عند بديع الزمان قائمة على الكدية والاستجداء,حيث اختار شخصية أبي الفتح الاسكندراني ليكون شحاذ يخلب الجماهير ببيانه العذب,ويحتال بهذا البيان على استخراج الدراهم من جيوبهم وهو يتراءى في البلدان بصور مختلفة ولعل هذا ما دفع بديع الزمان لتسمية مقاماته بأسماء البلدان ومعظمها بلدان فارسية.

أيضَا فان المقامات لدى الحريري تقوم على الكدية والاستجداء لكنه أدق في هذا الجانب من بديع الزمان اذ كانت مقاماته تدور بشكل كبير حول هذا الموضوع,لكنه أشرك معها موضوعات أخرى فلم يقف عند موضوع الكدية فقط,وهذه الموضوعات الأخرى اما أنه تفرد بها أو اشترك بها مع غيره,فكان الوعظ من المواضيع التي اشترك فيها مع غيره.

أما المواضيع التي لم يشترك بها مع غيره فكانت في البلاغة حيث يذكر أنه حل بديوان المكاتبات ببلدة البراغة وأبهرهم ببلاغته حتى أنه جعل كلامه يحتوي على كلمات منقوطة أو فيها نقاط وما بعدها كلمات لا تحتوي نقاطَا وهكذا كلمة كلمة.

أما أسلوب المقامة فكان بشكل عام اسلوبًا حواريَا قصصيًا يستخدم الجناس والطباق والمحسنات البديعية التي تشرح الصدر بسماعها وتمتع السامع وتجذبه للمتابعة حتى نهاية الكلام وحل الحبكة في القصة, لكن مقامات الحريري أكثر حبكة من مقامات بديع الزمان.

ليس الحريري وحده من حاول تقليد بديع الزمان وانما كان هناك قبله من حاول أن يكتب المقامة من مثل أبو نصر عبد العزيز بن عمر السعدي وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن ناقيا الذي كتب تسع مقامات جعل لها بطلَا أسماه اليشكري وتدور على الكدية ولكن ليس فيها من جمال اللفظ كما في مقامات الحريري وبديع الزمان من حسن اللفظ والصياغة.

عند ذكر المقامة فان أول ما يتوارد الى اذهاننا هي مقامات الحريري وهي المقامات التي انتشرت كثيرا لجودتها من حيث اللفظ والاسلوب والمواضيع التي تناولتها ولا نستطيع أن نغفل مقامات بديع الزمان الذي كان قد وضع حجر الأساس لهذا الفن برمته,لهذا اخترت بعد التعريف بالمقامة ذكر مواضيعها وسماتها وأسلوبها لدى كل منهما حيث يمكننا من بعد ذلك تعميم هذه الخصائص على جميع المقامات.

أستطيع أن أقول أن المقامة قد اتت ثمارها المرجوة في وقتها ,فقد أظهرت للناس أهمية النثر وساهمت في تعليم اللغة العربية حيث كان الأدباء والطلاب يتدارسونها ويحفظونها ويتعرفون الى ما فيها من صنعة لفظية وأساليب بيانية وقصص وحبكة وامتاع,كما أنها حوت كنوزًا من البلاغة كما لدى الحريري, وقد ظهرت هذه الأهداف بشكل مبطن في بعض المقامات من مثل المقامة الكوفية للحريري ,حيث أنه يمكن للقارئ أن يفهم ما فيها من اشارات رامت للمقارنة بين الشعر والنثر,الشعر الذي اهتم به الكثيرون والنثر الذي أهمل على الرغم من امكانية الابداع فيه,كما فعل أصحاب المقامة حين كتبوها ونقلوها للناس حاملة الوعظ والفكاهة والامتاع ودعوة الناس الى الايمان والابتعاد عن ملذات الدنيا في بعض أجزائها ولدى بعض كتابها.

 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author