ثمة تشابه واضح بين فيلم (الإرهابي)، الذي قام ببطولته عادل إمام، عام 1994، وفيلم (في بيتنا رجل)، الذي قام ببطولته النجم المصري العالمي (عمر الشريف)، عام 1961، إلا أن ذلك التشابه لم يكن كافيًا لاعتبار فيلم (الإرهابي) بنفس قيمة فيلم (في بيتنا رجل) الذي تم تصنيفه، عام 1996، ضمن أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
وبعيدًا عن التصنيف في القائمة، التي تُعبر عن أراء متخصصين، والتي لا يُشترط أن تكون أراءً صائبة أو دقيقة، ففيلم (في بيتنا رجل) يُنظر له – حتى الآن – باعتباره تجسيدًا لقيم الوطنية والتضحية من أجل الحرية والكرامة، في حين ظهر فيلم (الإرهابي) بشكلٍ مُشَوَّه أفقده رسالته التي من المفترض أن تكون محاربة التطرف الديني.
تدور أحداث فيلم (في بيتنا رجل) عن الشاب الوطني إبراهيم حمدي (عمر الشريف) الذي يلجأ للعنف ويغتال رئيس الوزراء، عبدالرحيم باشا شكري، لمحاربة الاحتلال الإنجليزي لمصر، وبعد أن يتم القبض عليه ينجح في الهرب ويلجأ لمنزل زميله محيي (حسن يوسف) لكي يختبئ عنده، ويوافق والد محيي (حسين رياض) – مضطرًا – على إيواء إبراهيم عندما تتغلب لديه مشاعر التعاطف والأُبوة على مشاعر الخوف من المشاركة في أي عمل سياسي. ويعيش إبراهيم عدة أيام مع ذلك الموظف البسيط وابنه، وزوجته، وابنتيه (زبيدة ثروت وزهرة العلا).
وتدور معظم أحداث الفيلم داخل شقة عبدالحميد زاهر لنتعرف على هذه الأسرة التي يمكن أن نقول إنها نموذجًا للأسرة المصرية ببساطتها وطيبتها وخوفها وشجاعتها وغيرها من تلك المشاعر التي تم تقديمها بشكلٍ جيد جعل المُشاهد يتعاطف معها في مختلف المواقف.
وعلى الجانب الآخر نرى الإرهابي (علي عبدالظاهر) الذي نفذ عملية إرهابية وفي طريقه للهرب تصدمه سيارة سوسن (شيرين) ليتم نقله إلى الفيلا التي تعيش بها مع والدتها (مديحة يسري) ووالدها (صلاح ذو الفقار) وشقيها محسن (إبراهيم يسري) وشقيقتها فاتن (حنان شوقي).
شاب هارب يختبئ عند أسرة مكونة من الأب والأم والابن والابنتين ويرتبط عاطفيًا بالابنة الرومانسية (زبيدة ثروت في فيلم في بيتنا رجل، وشيرين في فيلم الإرهابي).
أراد المؤلف لينين الرملي – وكما يبدو لي – أن يقول إننا مجتمع متدين وليس كافر كما تراه الجماعات المتطرفة، ولكن يبدو أنه لم يجد الطريقة المناسبة التي يُوصل بها هذا المعنى الذي أخذ يُلح عليه طوال أحداث الفيلم من خلال حوار مُفتعل جعل الفيلم أشبه بالمناظرة، فنجد في الدقيقة 39 من الفيلم الأم (مديحة يسري) تقول لعلي عبدالظاهر بعد أن أفاق من غيبوبته"إحنا يابني ناس بنعرف ربنا". وتؤكد على نفس المعنى في الدقيقة 122 من الفيلم، فتقول له: يا ابني الدين يُسر.. نور ورحمة.
حالة من التخبط يعيشها من يشاهد الفيلم، فالكاتب يقول على لسان أبطاله إن تلك الأسرة متدينة وملتزمة، في حين نرى الابن (إبراهيم يسري) في الدقيقة 107 من الفيلم وهو يشرب الخمر في عيد ميلاد شقيقته سوسن ، كما نشاهد فاتن (حنان شوقي) وهي ترتدي (شورت استرتش) في الدقيقة 74 وتدخل الغرفة المتواجد بها على عبدالظاهر مع أمير الجماعة (أحمد راتب) بعد أن دفعت الباب بمؤخرتها، وكأنها تقدم مشهد إغراء، وهو ما يدفع أمير الجماعة لتشجيع علي عبدالظاهر على التحرش بها، دون أي مبرر، لنشاهده في الدقيقة 78 وهو يتحرش بها خلال تواجدها معه بمفردها في الفيلا وهي ترتدي ملابس تكشف عن فخديها.
ولسنا هنا بصدد الحديث عن التحرش وأسبابه ودوافعه، فقط سأكتفي بالتأكيد على رفضي لتحرشه بها، كما أرفض أن تكون هذه هي صورة الأسرة التي يمكن اعتبارها نموذجًا للأسرة المصرية المتدينة.
ولم يكتف المؤلف بتشويه الدين الإسلامي بتأكيده على أن تلك الأسرة متدينة، بل تجاوز ذلك إلى تشويه الدين المسيحي أيضًا، فنجد الجار هاني (مصطفى متولي) يؤكد أكثر من مرة على أنه متدين ومؤمن، مع أنه يعمل مديرًا لشركة تقدم مشروبات كحولية ولم يمانع من تناول تلك المشروبات في حفل عيد ميلاد سوسن مع محسن.
وإذا تحدثنا عن هاني، فلنتحدث أيضًا عن زوجته (ماجدة زكي) التي أظهرها الفيلم كشخصية متسلطة. ووصفها محسن بأنها الإرهاب ذاته لأنها ترفض شرب زوجها للخمر.
أظهر الفيلم السيدة المتدينة الملتزمة (ماجدة زكي) كشخصية متسلطة ومعقدة ومثيرة للسخرية، وأظهر العائلة المستهترة كشخصية متدينة، وألح على فكرة التدين بشكلٍ جعل الأمر مثيرًا للشفقة فكان ينقص فقط أن تعلق تلك الأسرة لافتات على الحائط مكتوب عليها "نحن متدينون"، "نحن لا نخطئ"، "نحن دائمًا وأبدًا على صواب".. إلخ.
من المؤسف أن يقدم كاتبًا كبيرًا، مثل لينين الرملي، عملًا بتلك السطحية والسذاجة. والأمر لم يقتصر على النقاط السلبية التي ذكرتها فقط، بل يمكن أن نسرد بعض سقطات السيناريو في النقاط التالية:
1 – الاعتماد على الصدفة لحل أزمة
في الدقيقة 27 من الفيلم وبعد هروب (علي عبدالظاهر) بالسيارة المسروقة يستوقفه أمين شرطة ويطلب منه إبراز رخصته ورخصة السيارة، وهو ما يجعله _علي_ في ورطة أخرجه منها المؤلف باتصال يستقبله أمين الشرطة على جهاز اللاسلكي ويخبره المتصل بضرورة التوجه إلى طريق الأوتوستراد، ليترك أمين الشرطة علي عبدالظاهر ويجري مبتعدًا قبل حتى أن يستمع للرسالة كلها ويستوعب التعليمات.
ويبدو أن الكاتب قرر منذ البداية أن يلجأ إلى الحلول السهلة، فنجده يعتمد على صدفة أخرى بعد دقيقتين فقط، فنرى الإرهابي في محطة مترو الأنفاق وقد استوقفه ضابط شرطة يطلب منه إبراز بطاقته الشخصية ليجد الإرهابي نفسه في ورطة أخرى أخرجه منها المؤلف بصراخ سيدة تستغيث بعد تعرضها للسرقة فيتركه الضابط ليمسك باللص، ويفلت علي من مواجهة مع الشرطة.
2 – أظهر المؤلف شخصية الإرهابي المطارد في حالة من البلاهة والاندفاع، فنجده يكشف عن أفكاره المتطرفة لكل من هب ودب، فنراه في الدقيقة 52 وهو يتحدث مع الأسرة التي تستضيفه عن المطربين قائلًا "كلهم عند الله واحد"، كما يقول لهاني في الدقيقة 75 من الفيلم "الحكومة هي اللي ابتدت بالعنف، ولا حل إلا بإقامة المجتمع الإسلامي، انت عاجبك هذه الحكومة الكافرة التي لا تقيم الحد؟!. ويدافع بشكل شبه صريح عن الإرهابيين في الدقيقة 105 من الفيلم فيقول لضابط أمن الدولة "الأمن مش هيقدر يعمل حاجة، ظابط البوليس في النهاية موظف يهمه المعاش وبس، والشرطة هي اللي ابتدت بالعنف والبادئ أظلم".
3 – من المفترض أن يكون الفيلم يناقش قضية هامة بشكلٍ جاد، إلا أن مشهد عادل إمام وهو يتحرش بالسيدات في الحفلة ويلامس أجسادهن بشكلٍ صريح لكي يثبت لضابط أمن الدولة أنه شيوعي بعيد عن الدين جعل الفيلم يبدو كفيلم هزلي أحداثه غير منطقية.
4 – الإلحاح المتكرر على أن تلك الأسرة متدينة وتراعي الله في تصرفاتها،
- في الدقيقة 39 تقول الأم: "إحنا يابني ناس بنعرف ربنا".
- في الدقيقة 81 يستيقظ الأب الطبيب في الساعة الثالثة صباحًا على صوت الهاتف ويقول لزوجته إنه سيضطر إلى الخروج لزيارة مريض موضحًا أن "واجب الدكتور مالوش مواعيد".
- في الدقيقة 85 يقول محسن لعلي إن والده الطبيب "الفيزيتا بتاعته رخيصة لإنه مزاجه كده ونصف العمليات بيعملها ببلاش وكل فلوسه ضايعة ع المستشفى المجاني اللي بيبنيها في البلد"، وهي معلومات لا يوجد أي سبب منطقي لذكرها، هي فقط للتأكيد على نفس المعنى.. هذه الأسرة متدينة وتراعي الله في كل تصرفاتها.
الإلحاح المتكرر على توصيل هذا المعنى للجمهور لا يعبر إلا عن ضعف الحُجة والعجز عن تقديم أدلة واضحة مقنعة، مثل اللص المتهم بالسرقة ولا يجد أمامه إلا أن يقسم بالله على أنه لم يسرق دون أن يقدم دليلًا على براءته.
5 – ينتهي الفيلم على أن الإرهابي يغير أرائه وأفكاره بعد أن عاش مع تلك الأسرة، في حين أن تلك الأسرة لا تتغير بأي شكل، وهو ما يتنافي – في رأيي – مع العقل والمنطق ومع طبيعة الأفلام من تلك النوعية، ويمكن أن نتفهم ذلك بمشاهدة فيلم green book الذي تم تقديمه عام 2018 والذي ينتهي بتغير أفكار الشخصيتين (الأبيض العنصري والأسمر) بعد رحلتهما الطويلة معًا.
ظهور فيلم "الإرهابي" بهذا المستوى لم يعبر سوى عن حالة من العجز والتخبط التي كانت تعيشها الدولة أمام الجماعات المتطرفة التي لم يتم القضاء عليها إلا بالقوة.
ظهور فيلم "الإرهابي" بهذا المستوى المتدني يجعل الكثيرون يتذكرون فيلم "طيور الظلام"، الذي كتبه وحيد حامد، كنموذج للفن الذي واجه جماعات الإسلام السياسي، أما "الإرهابي" فنادرًا ما يتذكره أحد رغم أنه من بطولة عادل إمام أيضًا وتم تقديمه في نفس الفترة الزمنية.
You must be logged in to post a comment.