من هو الجاحظ؟
عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي (163-255ه/776-868م)، ويكنَّى بأبي عثمان، سمي بـــ(الجاحظ) لأن عينية كانتا جاحظتين، وعرف بـــ(الحَدَقي) أيضاً، كان دميم الخلقه لكنه كان ظريفاً، وهو إمام من أئمة البيان العربي، ومن أشهر علماء وأدباء القرنين الثاني والثالث الهجريين، ولد وتوفي في البصرة، نشأ يتيماً في أسرة فقيرة، مات أبوه وهو صغير، فقامت أمه بتربيته، دفعه فقره وعوزه إلى امتهان بيع الخبز والسمك، فكان يعمل نهاراً، ويطلب العلم ليلاً، ثم ترك البصرة وانتقل إلى بغداد عاصمة الخلافة، وهناك اطلع على شتى العلوم والمعارف، ينتمي الجاحظ إلى المعتزلة، وهم (جماعة تركز على المنطق والقياس في الدِّين)، وقد أسَّس فرقة عرفت باسم (الجاحظية)، أعجب الخليفة المأمون بمؤلفاته، فولاَّه ديوان الرسائل، وأصبح أديب البصرة وبغداد وسرَّ من رأى (سامراء)، كما حظي بمكانة رفيعة عند الوزير الجبار محمد بن عبد الملك الزيات.
الأسلوب
عرف الجاحظ بأسلوبه الساخر، وقصر عباراته واستطراداته، ودقة ملاحظاته، ونفاذ بصيرته، وعمق تفكيره، وقد أوتي مقدرة بيانية عجيبة، إلى درجة أن أهل اللغة اعتبروه مؤسس الدرس البلاغي، وذلك بما صنَّف من موضوعات، وعالج من قضايا، وأرسى من مصطلحات، وكان الجاحظ قد تلقى العلم عن الأدباء والشعراء والنحاة واللغويين، فأخذ اللغة والنحو عن أبي عبيدة والأصمعي والأخفش وأبي زيد الأنصاري، وأخذ المنطق والكلام عن أبي إسحاق النَّظَّام المتكلم الشهير، فكان ملماً بمختلف العلوم، من تفسير وأخبار ولغة وشعر وطبيعة وعلم كلام.
التصانيف
كان الجاحظ من أكثر العلماء اطلاعاً، وأوسعهم ثقافة وعلماً، فهو أول من أكثر التأليف والتصنيف في الأدب، وأول من تناول الفكاهات واللطائف بإسهاب، وأول من وضع كتب الدروس الجامعة في الفنون والأدب، وأول من جمع بين الجد والهزل، فكان بحق راوية وعالم اجتماع وأديب ومتكلم ومؤرخ، وقد ترك مكتبة ضخمة من الكتب والرسائل، حيث تعد كتبه ورسائله وثائق، يعتمد عليها الباحثون في معرفة جوانب المجتمع العباسي، وتحيط تصانيفه بمعارف عصره من عربية وأجنبية، إذ لم يترك موضوعاً ثقافياً أو أدبياً أو اجتماعياً إلا كتب فيه، وقد ألَّف الجاحظ أكثر من 350 كتاباً ورسالة، صوَّر من خلالها جميع مظاهر المجتمع الإسلامي، من أشهر كتبه: (البيان والتبيين)، و(البخلاء)، و(الحيوان).
الفالج
أصيب الجاحظ في آخر حياته بالفالج (الشلل) وتوفي به، ودفن بمقبرة الخيزران (أم هارون الرشيد)، وقيل: أنه توفي إثر سقوط عدة مجلدات الكتب عليه، وهذا قول ضعيف، وكان يقول قبل وفاته: "أنا من جانبي الأيمن مفلوج، فلو قرِّض بالمقاريض ما علمت، ومن جانبي الأيسر مُنْقَرِس، فلو مرَّ به الذباب تألمت".
الحيوان
وهو أضخم كتب الجاحظ وأجلها، أهداه إلى الوزير ابن الزيات، ويعتبر موسوعة ثقافية ودائرة معارف، ولا غرو في ذلك، فهو من أمهات كتب الأدب والمعرفة، ومن أغنى المؤلَّفات وأوسعها مادة، لمن يريد دراسة فئات الناس وطبقاتهم ومعارفهم، وقد اعْتُبر الجاحظ بموجب هذا المصنَّف الضخم، أول عالم من علماء الحيوان التجريبيين، حيث احتوى مصنَّفه هذا على تجاربه المباشرة للحيوانات والطيور، كما احتوى على تجارب الصيادين ومربي الأسماك والطيور، وكتاب الحيوان طريف في موضوعاته، تتجلى أهميته البالغة في أنه أول مصنَّف عربي إسلامي جامع، يمزج حياة الحيوانات بعلوم الأدب واللغة، وقد عكس الجاحظ من خلاله صورة عظيمة ومشرفة لثقافة عصره الواسعة، حيث ضمَّنه طائفة ثرية من المسائل الفلسفية، والقضايا الجغرافية، والمعارف الطبيعية، وخصائص البلدان، وأشار فيه إلى تأثير البيئة في الإنسان والحيوان والطبيعة، إلى جانب تناوله المصطلحات الطبية والفيزيائية والكيميائية واللغوية والأدبية، وكتاب الحيوان ذو شقين، الأول: علمي، والثاني: أدبي، حيث يجد فيه القارئ الجانب الأدبي بكل وضوح، كما يلحظ –في الوقت نفسه- بوادر العلم التجريبي، وقد جمع الجاحظ كل أنواع الحيوانات في مؤلَّفه، فلم يترك حيواناً معروفاً في عصره، إلا ذكره في هذا المصنَّف، مثل العنكبوت والنحل والتمساح والفيل والنسر إلى غير ذلك، وكانت مصادر الجاحظ التي اعتمد عليها، هي: القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وأشعار العرب، وما تم تدوينه من كتب الحيوان قديماً، عند العرب والفُرْس واليونان، وزبدة القول؛ إن كتاب الحيوان أو قل إن شئت موسوعة الحيوان، عالم رحب زاخر بالعلوم والمعارف والثقافات، يضطرب بمختلف أشكال الحياة وصورها، وتجتمع فيه ألوان الفكر الإنساني، التي أبدعها عقل الجاحظ النافذ، وذكاؤه الألمعي الخارق، وبيانه الأدبي البديع، ونقده الثقافي الفذ، والكتاب مطبوع في سبعة أجزاء، وضعت له فهارس قيمة وغنية، بهدف الاستفادة من محتوياته والانتفاع بها.
المراجع
- الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية، فاطمة محجوب، دار الغد العربي، مصر، 1995.
- الموسوعة العربية العالمية، مجموعة من العلماء والباحثين، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1999.
You must be logged in to post a comment.