تعلم أن العرب كانوا أسرع الأمم الناهضة في فتوحاتهم ، فإنهم وضعوا أيديهم على ملك الفرس والروم في زمن يسير . وذلك يرجع إلى أسباب معروفة أهمها : حبهم النشر كلمة الله ، والقضاء على المظالم التي ترزح تحتها تلك الأمم ، التي قضى عليها جور 6 الحكام وعسفهم وكان فتح مصر في عام ۲۰ من الهجرة ، فتحها عمرو بن العاص ، ولم يلبث أن تطلع إلى ما وراءها غربا ، فغزا برقة وطرابلس ، وغلب عليهما سنة ۲۲ ۱ ثم تعاقب الولاة على مصر ، وكل تتجه همته أو يأمره الخليفة بالغزو والفتح في بلاد إفريقية . حتى كان من عقبة بن نافع الفهري عامل معاوية على المغرب ، أن اختط مدينة القيروان سنة 50 ه،
فكانت حصن المسلمين يحمي ظهورهم ، و بذلك ثبتت قدمهم في تلك البلاد . وما زال عقبة يفتح حتى بلغ البحر المحيط ( بحر الظلمات ) فقال : يارب لولا هذا البحر المضيت في البلاد مجاهد في سبيلك ! ولم يكن إخضاع البربر أمرا لا رجعة فيه ، فإنهم كانوا لبداوتهم أقوياء الشكيمة ، فكانوا لا يلبثون أن يخرجوا على العامل إذا رأوا منه ضيا لحقهم ، فيقتلونه ويهزمون جيوشه ، ولكن الخلفاء من بني أمية ما زالوا يعالجون أمر هذه البلاد ، ويشدون أزر ولاتهم عليها بالجنود الكثيفة يعدونهم بها ، حتى استتب لهم الحكم ، وكان الإسلام قد خالط نفوس البربر ، قالان من طباعهم ودرجوا عليه بعد أن آمنوا ، ثم كفروا ، ثم آمنوا ثم كفروا ، قيل إنهم فعلوا ذلك اثنتي عشرة مرة .. وكان والى إفريقية الذي جرى على يده فتح الأندلس ، هو موسى بن نصير ، الذي ولاء الوليد بن عبد الملك إفريقية وما خلفها سنة ۸۸ ه . وقد مهد له أمر فتحها ( مع توثب العرب دائما للفتح ) ما ذكر من أن آخر ملوك القوط بالأندلس وهو لريق ( ردر ك ) كان قد عسف بأهل البلاد ، وسولت له نفسه الاعتداء على كرامات الأشراف من رجال حاشيته . وكانت العادة أن تنشأ بنات أشرافهم في القصر الملكي ، فأعجبته ابنة رجل منهم يسمى يثيان ، كان حاكم مدينة سبتة فاعتدى عليها ، فأضمر أبوها الضغينة عليه . واتفق أن الملك ولاه قتال العرب بالمغرب فبدل أن يقاتلهم ألقى إليهم السلم ، وأطنب لموسى بن نصير في وصف البلاد وما تحوي من خيرات ، وجعل يدله على عوراتها ومداخلها حتى اطمأن إلى نصيحته فأذن لمولييه : طارق بن زياد ، وطريف بن مالك المي ) ، أن يعبرا البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء ، فعبراه في سفن قدمها لهم يثيان ، وكان معهما من العرب ثلاثمائة ، ومن البربرژهاء عشرة آلاف ، جعلوها عسكرين ونزل طارق بجنده جبلا سمي باسمه ، ونزل طريف في مكان سمیبعد مدينة طريف . ويقال إن طريقا كان قد سبق طارقا ، أرسله موسى ليخبر صدق ما يقوله يليان ، ولم يرسل معه إلا خمسمائة جندي نقلتهم أربع سفن من سفن يليان . و بلغ الخبر لذريق ( ردريك ) فهد إليهم بجيوشه التي كانت زهاء سمعين فزحف العرب إليه ، وكانت قيادتهم قد توحدت تحت إمرة طارق ، والتقوا بفحص شريش ، فهزم الله الذريق ، وتقل ( ۳ ) العرب أمواله ورقاب جنده ، وكتب طارق إلى موسى بن نصير بالفتح والغنائم ، خركته الغيرة ، وكتب إليه يتوعده إن توغل بغير إذنه ، ولكن طارقا خاف إن توقف ولم يستمر في مطاردة الأعاجم ، أن يستجم أمرهم وتجتمع قلوبهم ، فضي قدما في الفتح حتى دخل طليطلة عاصمة البلاد وكان قد أقبل بجيش آخر عدته ثمانية عشر ألفا ، راجيا أن يسجل له التاريخ فتح البلاد ، ولكن طارق كان قد سبقه بالاستحواذ على هذا الفخر العظم لما علم طارق بمقدم موسی خرج للقائه ، ولكن موسی بادره بالسوط ، وأنبه على عصيان أمره ، ثم افترقا ، فسار موسى يفتح شمالا ، وطارق شرقا حتى عما البلاد فتحة ، وأشرف موسى على جبال البرانس شمالا وماء المحيط غربا وفي أول القتال حين علم طارق بقدوم لذريق إليه ، وأنه أقبل في سبعين ألف فارس ، ومعه العجل تحمل الأموال والمتاع ، وهو على سريره بين دابتين وعليه مظلة ) مكللة بالدر والياقوت والزبرجد ، قام طارق في أصحابه يحثهم على الجهاد ، ويحملهم على الثبات ، و يعدهم ، ليرتجل بعد ذلك خطبته المشهورة .
You must be logged in to post a comment.