لماذا ننجذب للشخصيات الشريرة في المسلسلات والأفلام؟

لماذا ننجذب للشخصيات الشريرة في المسلسلات والأفلام؟ 

لا شك عند مشاهدة أي عمل فني نجد فيه قصة تتمحور حول مجموعة من الشخصيات وخاصة الشريرة التي يبدا بها قصة العمل الفني. 

فنجد هنا أن  الفنون قد تبدع في محاكاة الواقع بكل صوره وأشكاله وألوانه ضمن ركائز الحياة، ونرى الشر بدون شك في الواقع،  لربما الشر هو المُحرك الأول والأخير للحضارة الإنسانية و  بدونه لن يكون هناك خير ومنطق وتقدم، لن تكون هناك حرب أزلية تكون نتيجتها دائمًا هي دفع البشرية للأمام.

وبما أن الشر جزء من العالم، فهو أيضًا جزء من الفن لذلك نجد الأدب والسينما والتلفاز وعشرات العشرات من الفنون الأخرى، تبدع على الدوام في تقديم شخصيات شريرة ذات بناء ممتاز، وأدوار محورية. لكن السؤال هنا، لماذا ننجذب إليها؟ ألا يجب أن ننجذب للأبطال الذين يحاولون الدفاع عن أنفسهم وحضارتهم ونشر الخير فيها مثلًا؟

إن هذا الأمر قد يبدو غريبًا بعض الشيء، لماذا  نحن البشر لدينا نزعة نحو حب الشخصيات الشريرة بدلًا من الأخرى الخيرة؟

دائما ما يدور هذا السؤال في ذهني عند مشاهدة أي عمل فني، فتراني انجذب دون وعي مني نحو الشخصيات الشريرة إلا أن واقعيتي تكمن بمحاربة الشر، فشعرت أن الأمر بحاجة إلى دراسة أو شيء أخر  فبدأت بالبحث عن الإجابة .

في علم النفس يوجد مصطلح يدعى (متلازمة ستوكهولم) ربما هو السبب الرئيسي في جعلنا ننجذب للشخصيات الشريرة، و دائمًا ما يكون هناك شيء يُعرف بالارتباط الشرطي  أي أنك إذا حققت شرطًا ما في المعادلة، بالتبعية سيتحقق الشرط الثاني. فإذا تعوّد الكلب على سماع صوت الجرس قبل جلب الطعام، سينتظر الطعام في كل مرة يسمع فيها الجرس، لأنه تعوَّد على الأمر. لكن الارتباط الشرطي مرتبط بالتعود والاكتساب وصنع الظروف الخاصة، فماذا إذا قلنا أن هناك كلابًا ولُدت بالفطرة وهي تنتظر الطعام مع صوت الجرس، بالرغم من كونها لم تستمع لجرس أبدًا في حياتها؟ هنا نحن نتحدث عن المتلازمات.

والمتلازمة في علم النفس هي ردة فعل يمكن تعميمها على شريحة كبيرة من البشر، مع وجود نسبة حياد ضئيلة للغاية، لذلك ردة الفعل تلك تكون فطرية، وغير مكتسبة على الإطلاق.

متلازمة ستوكهولم – Stockholm Syndrome هي متلازمة تقول أن الإنسان يمكن له التعاطف مع الشرير، أو الشخص المؤذي له بشكلٍ عام، سواء بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، و تلك المتلازمة هي السبب الرئيسي في حب الناس للشخصيات الشريرة في قصص الفن.

تم تفسير المتلازمة على أنها رغبة في الحصول على الأمان بشكلٍ ما، فإذا تعاطفت مع الشرير لن تصبح بالنسبة له مصدر تهديد، فبالتالي ستكون في أمان من شرِّ. 

نحن نتعاطف مع الأشرار إما للحصول على الأمان في العالم الواقعي عن طريق الإذعان للمؤذي وتقبل فلسفته، أو خلق هذا الأمان عبر إيذاء الآخرين، فنكون نحن المؤذيين هذه المرة ويخافنا الجميع، وبالطبع كلنا لا نستطيع تطبيق الخيار الثاني لأن الإنسانية ذاتها تمنع تلك الأفعال، بجانب القوانين الوضعية. أما بالنسبة لتقبل فلسفة المؤذي بغرض اتّقاء شره، فهذا للأسف موجود بكثرة، وفي المجتمعات العربية خصوصًا.

لكن هذا من ناحية الأمان، هل التعاطف بالكامل شيء مقترن بالأمان فعلًا؟ الإجابة هي: لا.

هناك شخصيات نتعاطف معها لوجود هدف نبيل خلف أفعالها، وأن الإنسان يجب أن يفعل أي شيء مقابل تحقيق أحلامه وأغراضه النبيلة، كل هذا تحت مبدأ(الغاية تبرر الوسيلة) وهذا أيضًا ليس حبًا في الشخصية ولا تعاطفًا معها كإنسان يمر بظروف معينة، لا. 

الأمر كله  مقترن بإسقاط الشخصية على الذات بنسبة كبيرة المشاهد فيرى نفسه في الشخصية الشريرة، يريد أن يكون قويًّا مثلها، يريد أخذ منعطفات حادة في حياته مثلها، ويريد أن يهابه الجميع مثلها، شعور السطوة والقوة والبأس هو شعور قادر على غمر أي إنسان بأطنان فوق أطنان من دوبامين النشوة والسعادة.

بديهيًّا، التعاطف مع الشرير يعني تقبل أفكاره، أليس كذلك؟

لكن هذا لا يحدث في الواقع إذا قال لك أحدهم: "أنا متعاطف مع الشخصية الفلانية" ، ستقول له: "لكنها شريرة، هل تبرر الجريمة مثلًا؟". 

الإجابة مباشرة ستكون لا، لأننا نرفض الشرّ والأذى، لكن نتقبل السطوة والجاه، لذلك إذا فكرنا في الأمر مليًّا، سنجد أن سرّ الحب والإعجاب هو الاحترام والنفوذ والحياة السعيدة والمال، وأيضًا القدرة على استكمال هذه الحياة لوجود ما يساعد على استكمالها من الأساس.

للأسف نحن في حالة يرثى لها المجتمع يشرد افكارنا ويحاول طمس شخصيتنا والدولة أصبحت صغيرة لا تسعها أحلامنا غير قادرة على حمايتنا والقوي ينهش لحم الضعيف في كل زاوية والطبيعة رافضة عناقنا والحياة لا تتوقف عن رمينا بحجارتها كل يوم، فببساطة نجد أنفسنا في الشخصيات، ونُعجب بها لتحقيق ما لم نستطع تحقيقه بعد أجل نحن ننبذ الطريقة، لكن نقدس الغاية أيّما تقديس.

 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
أبريل ١٨, ٢٠٢٣, ٣:٥١ م - Aya Mohammed
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٤ ص - عبد الفتاح الطيب
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:٢٣ م - Abdallah
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:١٤ م - Rasha
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:١٠ م - Areej Alfateh Salah Aldien
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:٠٢ م - ملك حمدي
About Author

كاتبة وصحفية