تخيل أن تغمض عينيك والمصعد يتجاوز طابقًا بعد آخر لكن عوضًا عن سماع صوت انفتاح ضلفتيه يرتج المصعد إثر توقفه المفاجئ بين طابقين، المعدن البارد يحيط بك من كل جانب والضوء الأبيض يسطع بشدة، تبدأ كفاك بالتعرق وتبلع ريقًا محاولًا ترتيب أفكارك والتصرف بعقلانية لكن أنظارك تغيم والقرع الصاخب لقلبك يسحق أنفاسك، الجدران تضخم وتطبق عليك، تحاول جذب نفسٍ عميقٍ إلى صدرك لكن الهواء قد نفد والصورة تتحول رويدًا رويدًا لظلام دامس. هذا ما يشعر به المصابون برهاب الأماكن المغلقة. تلك الهواجس التي روادتنا في الطفولة عن انغلاق الباب خلفنا وعجزنا عن فتحه مجددًا، ألا يسمع أحدٌ صوت ندائتنا المتكررة، هذه الصور المرعبة المترسبة في أذهاننا والتي نتجاوزها مع تسلق عتبات العمر، فتتحول إلى ذكريات سخيفة نضحك عليها، أحيانًا ترافق البعض لبقية حياتهم، عاجزين عن التخلص من قيدها والفرار من سطوتها. الكلستروفوبيا هي نوع من اضطرابات القلق الذي يجعل المصاب يخشى الأماكن المغلقة، الضيقة والازدحام، لذا تراه يقف منكمشًا على ذاته في الطوابير الطويلة والمواصلات العامة، ويحاول بطريقةٍ واعية تجنب كل المواقف التي قد تؤدي به إلى إحدى هذه الظروف. في العادة تترافق الكلستروفوبيا مع نوبات ذعر يتعاظم فيها إحساس الشخص بأنه ليس هنالك مهرب أو وسيلة للمساعدة، تتسارع ضربات قلبه بشدة ويعتقد بأنه يصاب بأزمة قلبية أو بأنه يموت. بالرغم من أن 2-5% من سكان العالم مصابون بهذا الاضطراب إلا أن أقل من 1% يتلقون علاجًا مناسبًا يساعدهم على عيش حياة طبيعية، يصيب رهاب الاحتجاز النساء أكثر من الرجال وعادةً ما يظهر في أواخر سنين المراهقة أو السنوات الأولى للبالغين، وعندما يبدأ منذ الطفولة قد تكون الأسباب بيئية أو حيوية وربما فقدان أحد الوالدين وظروف الحياة المجهدة: كالتعرض للاساءة والأذى النفسي من قبل الأخرين. إن لم تُعالَج الكلستروفوبيا قد تطور وتتحول إلى أمراضٍ أشد خطورة: الاكتئاب والإدمان وتعاطي المخدرات والاضطرابات العقليَّة الأخرى. أفضل وقاية من الكلستروفوبيا هو تشخصيها المبكر، إن لاحظت أن نوباتٍ من الهلع تنتابك في الأماكن المغلقة أو المزدحمة؛ بدأت في تجنب الأماكن خوفًا من إحراج نفسك، هنا عليك زيارة الطبيب وبسرعة، فالكشف المبكر يساعد على وضع خطة مناسبة للمشي في طريق الشفاء.
You must be logged in to post a comment.