عندما يكثر النسيان من شخص ما، قد نسأله على سبيل الفكاهة إذا ما كان مصاباً بالزهايمر! ولكن في حقيقة الأمر، هذا المرض لا يتوقف عند النسيان فحسب، بل يؤثر على وظائف المخ بصورة عامة ويشمل حتى شكله داخل الجمجمة. وإذا تطور المرض، فإنه يُفقد المصاب قدرته على التذكر والتعلم والتركيز، وقد يتمادى ليؤثر في شخصيته، فيتنج عن ذلك شخص مكتئب كثير النسيان قد يضل طريقه إذا خرج من المنزل، يحتفظ بالقليل من الذكريات عن حياته، وقد تنمحي هذه أيضاً من ذاكرته مع مرور الوقت. وتختلف هذه الأعراض والوقت الذي تستغرقه من شخص لآخر.
يرجع اسم المرض إلى العالم الألماني "ألويسيوس ألتْزهايمر" Aloysius Alzheimer الذي وصفه؛ حيث تبدأ الأعراض على المريض بنسيان الوقت، وتتسلل أحداث الماضي هرباً من شريط ذاكرته، وحتى المفردات التي كان يستخدمها تصبح محدودة، وبالتالي يؤثر هذا في تركيب الجمل والعبارات التي يقولها، فيتفوه بعبارات لا معنى لها، كما يميل إلى العزلة والانطواء. وتبدأ المرحلة الثانية من الأعراض بفقدان المهارات اليدوية البسيطة التي كان يعتاد عليها، مثل شبك أزرار قميصه، ويتبع ذلك نوبات من الغضب والإحباط. وفي المرحلة الأخيرة بعد أن يتمكن المرض من المصاب فإنه يعود طفلاً كما كان! أي أنه يفقد معظم قدراته التي كان يتمتع بها، ولا يمكنه فعل شيء دون مساعدة الآخرين، ويعجز عن الاعتناء بنفسه ويحتاج لمن يقف بجواره.
أجريت الكثير من الأبحاث حول هذا المرض لمعرفة مسبباته، ولم يجزم أحد حتى الآن بمسبب واحد مسؤول تماماً عن هذا المرض، ولكن تتعدد العوامل المتصلة بظهوره وأولها عامل السن، فقد أكد العلماء من أنه بتقدم العمر تترسب بروتينات لها بنية تعرف بـ" صفيحات بيتا المطوية " وهي التي تتراكم داخل الخلايا العصبية المركزية مما يؤخر التيارات العصبية أو يعطلها أو يدمر المسارات نفسها. حيث يظهر احتمال الإصابة بالمرض عند سن الخامسة والستين ونادراً ما يظهر قبلها، وتزيد فرصة الإصابة إلى الضعف كل خمس سنوات، وتصل إلى 50% عند سن 85. كما يجدر الإشارة هنا للعوامل الوراثية، ولكن لا يعرف أيضاً على وجه التحديد ما هو الجين المسؤول عن توريث المرض. كما أن هناك نسبة عالية من الذهب وجدت في فحوصات الدم والبول عند أغلب المصابين بالمرض. ويذهب البعض إلى أن تركم الكثير من المعلومات غير المرتبة مع تقدم العمر يجعل مقدرة المخ أضعف في معالجة الذاكرة، وغيرها من العوامل التي تلاحَظ من حين لآخر من خلال الدراسات، وكلها تتفق في النهاية على أن خلايا المخ حدث لها تدمير جزئي واضح يمكن رؤيته من خلال الصور التي تُظهر المخ متقلصاً وقد فقد شكله الطبيعي.
لا يوجد علاج جذري حتى الآن لمكافحة هذا المرض، بل يتم استخدام عقاقير مساعدة لتخفيف حدة التوتر وإزالة الاكتئاب وتحسين الحالة الصحية للمصاب. ولكن الأبحاث المتزايدة في مجال المخ والأعصاب، خاصة فيما يتعلق بما يسمى بالواجهات الدماغية الحاسوبية يفتح المجال للمزيد من التركيز حول التعامل مع دماغ الإنسان من خلال ربطه بالعالم الرقمي، فالإشارات الكهربية التي ترسل من المخ عبر الجهاز العصبي بات بالإمكان قراءتها ونقلها للتحكم بأجهزة خارجية. ومن تلك الدراسات ما نشر في مجلة "نيو ساينتيست" حول إمكانية زراعة ذاكرة في مخ الإنسان! يبدو الأمر ضرباً من الخيال العلمي، ولكن من يتولى هذا البحث قام بالفعل بزراعة ذاكرة، ولكن ليس في دماغ إنسان بل في أدمغة فئران، وبدأ دراسته بزراعة ذكريات 30 فأراً في دماغ أحد الفئران، وبذلك أكسبه خبرة 30 فرداً من بني جنسه، ولتأكيد ما قام به كان عليه أن يجري تجربته على 100 عينة على الأقل. وبعد عشرة سنوات من التجربة نشر البحث، وقد توصل إلى أنّ التبرع بذكرياتٍ من فئرانٍ عديدةٍ إلى فأر آخر يمكنها أن تُعِيد بعض الوظائف الدماغية.
وستكون المرحلة القادمة هي التطبيق على الإنسان، بحيث يمكن مساعدة المرضى المصابين بفقدان الذاكرة أو مرض الزهايمر على استعادة ذكرياتهم أو إنشاء ذاكرة جديدة من خلال رقاقة يتم زرعها في المخ لتقوم بتنظيم الإشارات الكهربائية ومساعدتها على الوصول إلى أجزاء الذاكرة في الدماغ. ولكن مثل هذه الأبحاث لا تزال حديثة العهد وتبقى مجرد آمال مالم يتم تطبيقها سريرياً على الإنسان. كما توجد محاولات أخرى غير رقمية لإنتاج لقاح لهذا المرض.
أما الوقاية من الزهايمر فتتم عبر اتباع العديد من الوصايا الطبية، ومع ذلك فهي لا تضمن عدم الإصابة المطلقة، ولكنها أثبتت عن طريق التجربة أنها تحسن من وظائف المخ، وهذه النصائح بعضها مرتبط بالغذاء والعادات الصحية، كالابتعاد عن التدخين وعدم تناول الكحول، وكذلك باتباع نظام غذائي متكامل، حيث أظهرت أكثر من دراسة أن زيادة فيتامين (هـ) المتوفر في الزيوت النباتية مرتبطة بتحسن مستوى الذاكرة، كما أن انخفاض مستويات فيتامين (د) في الجسم تزيد من خطر الإصابة بالزهايمر، وكذلك زيادة مستوى الجلكوز في الدم له علاقة أيضاً بمشكلات الذاكرة. هذا بالإضافة إلى الحفاظ الدائم على نشاط الدماغ من خلال تعلم أشياء جديدة أو لغات جديدة، وممارسة ألعاب محفزة للعقل مثل الكلمات المتقاطعة لعبة السدوكو، فمثل هذه الألعاب تسهم فعلياً في زيادة حجم الدماغ، وفقًا لدراسة جديدة قُدمت في المؤتمر الدولي لجمعية الزهايمر عام ٢٠١٤.
من خلال النصائح السابقة يمكن الوقاية من الزهايمر، أو تأخير الإصابة لوقت لاحق، ولكن تبقى مسؤولية هؤلاء المرضى من كبار السن على عاتقنا، فالبيئة المحيطة والتعاون مع المريض له أثر مباشر على رفع روحه المعنوية وتخفيف آلامه، فيجب علينا المداومة على تلطيف الجو من حوله، ووضع برنامج متجدد يحفز من مقدراته العقلية، وعدم اعتزاله فالعزلة تسبب الاكتئاب، كما يجب علينا ألا نتضايق من تكرار كلامه، وقد يقول كلاماً غير حقيقي أو لا معنى له، فيكفي هاهنا الابتسامة في وجهه بدلاً عن جداله، كما يمكن تغيير الموضوع وشغله بأشياء أخرى يحبها.
ولا ننسى أننا عرضة أيضاً لهذا المرض عندما يتقدم بنا السن- عافانا الله وإياكم.. ودمتم بخير.
You must be logged in to post a comment.