ميزان الشعر

العَروض لغة

جاء في معجم تاج العروس للزبيدي أن للفظ العَروض (بفتح الحاء) أربعة عشر معنى، منها الطريق الذي يكون في عرض الجبل، والمكان الذي يعارضك في مسيرك، ومن الكلام هو المعنى والفحوى، ويطلق أيضاً على مكة والمدينة، والعَروض اسم جنس، فهي مؤنثة ولا تجمع.

العَروض اصطلاحاً

للعَروض تعريفات متعددة منها، أنه العلم الذي نعرف به وزن الشعر، واستقامته من انكساره، وكما أن النحو معيار الكلام، نعرف به معربه من ملحونه، فإن العَروض ميزان الشعر، نعرف به مكسوره من موزونه، وقيل أن الغاية من وضعه، هي معرفة أشعار العرب، وبمعرفته يأمن ناظم الشعر على نفسه، من اختلاط البحور بعضها ببعض، من خلال إدخال جنس من الشعر على جنس آخر، وذلك لعظيم التشابه، ودقة الفروق بين هذه الأجناس، فقد حدث الاشتباه في أجناس الشعر كثيراً، وكل هذه التعريفات تختلف في اللفظ، لكنها تتحد في المعنى، وزبدة القول، العَروض هو ميزان الشعر، وعلم بأصول وقواعد، يعرف بها صحيح أوزان الشعر وفاسدها، وما يعتريها من العلل والزحافات.

من هو الخليل؟

كان العالم الجليل أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، الأزدي اليحمدي البصري (100-170هـ/718-786م)، إماماً في اللغة، والنحو، والرياضة، والموسيقى، ولد في عُمان، ونشأ في البصرة، وهبه الله تعالى فطنة خارقة وذكاءً متوقداً، كان مضرباً للمثل في عصره، حتى قيل: "لم يكن بعد الصحابة الكرام رضي الله عنهم أذكى من الخليل، ولا أجمع لعلم العرب منه".

صفة الخليل

كان الخليل ورعاً، وتقياً، ومتواضعاً، وزاهداً، وذا همة عالية، يحج كل سنتين مرة، ويعيش في خُص من أخصاص البصرة، والخُص هو بيت من قصب أو شجر، قال فيه تلميذه النضر بن شميل : "أكلت الدنيا بعلم الخليل وكتبه، وهو في خُص لا يقدر على فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال"، وقال سفيان بن عيينة : "من أحب أن ينظر إلى رجل، خلق من الذهب والمسك، فلينظر إلى الخليل بن أحمد".

أساتذة الخليل

كان الخليل مولعاً بالبحث والدرس، ومن العلماء الذين كان يلزم حلقاتهم، عالمان جليلان، هما أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، وهما إمامان من أئمة القراءات واللغة والنحو، فاجتمع له من العلوم والمعارف، ما أتاح له أن يكون أستاذ البصرة في ذلك الزمن.

تلاميذ الخليل

من تلاميذ الخليل، سيبويه، والكسائي، والنصر بن شميل، ومؤرج السدوسي، والأصمعي، وعلي بن نضر، ومن الجدير بالذكر أن المرويات والحكايات، المذكورة في مصنف سيبويه (الكتاب) -وهو أول وأفضل كتب النحو- كلها مروية عن الخليل، فإننا حين نقرأ في (الكتاب)، كلمة (سألته)، أو كلمة (قال)، من غير أن يذكر الضمير، نعرف أن سيبويه يعني الخليل بن أحمد.

ابتكار العَروض

كان الخليل شاعراً، عالماً بالنظم والإيقاع والنغم، وقد فتحت هذه المقدرة له باباً، لابتكار علم العَروض، فقد نظر في شعر العرب، وأحاط بإيقاعاته ونظمه، وهداه ذوقه المرهف، إلى أوزان الشعر وبحوره وقوافيه، وقد قدم بمجهوده هذا، فتحاً جليلاً للشعر العربي، والذي لم يتعلمه من أستاذ أو معلم، وقد حاول كل من أتى بعده، مجاراته في هذا العلم، إلا أنه ظل ينسب إليه إلى يومنا هذا، وقد ألهمه الله تعالى علم العَروض وهو في مكة، فسمى العلم بـ(العَروض)، تيمناً بـ(مكة)، واشتغل الخليل بهذا العلم طويلاً، حتى غلب التقطيع عليه، وصار يردد أوزانه، عن غير وعي أو إدراك، ولا غرو، فقد كان يقضي الساعات ذاهلاً عن نفسه، يرفع أصابعه تارة، ويحركها ببطء تارة أخرى، وذلك من أجل ضبط وتنسيق الأوزان الشعرية، التي يتمتم بها، وقد استطاع ضبط أوزان خمسة عشر بحراً، يجري عليها النظم الشعري، وقد زاد عليه تلميذه أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي، المعروف بالأخفش الأوسط، بحر (المتدارك) أو (الخبب)، فصارت ستة عشر بحراً، ثم لم يزد عليهما أحد بعدهما.

بحور الشعر

استقرأ الخليل أشعار العرب، ووجد أنها تنحصر في خمسة عشر بحراً، وهي الطويل، والمديد، والبسيط، والوافر، والكامل، والهزج، والرجز، والرمل، والسريع، والمنسرح، والخفيف، والمضارع، والمقتضب، والمجتث، والمتقارب، وبإضافة (المتدراك) الذي استدركه عليه الأخفش الأوسط، صار عددها ستة عشر بحراً.

مصنفات الخليل

جاء في وفيات الأعيان لابن خلكان، والفهرست لابن النديم ذكر لمصنفات الخليل، منها (كتاب الإيقاع)، و(كتاب العروض)، و(كتاب النقط والشكل)، و(كتاب النغم)، و(كتاب العين).

المراجع

الموسوعة العربية العالمية، مجموعة من العلماء والباحثين، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1999.

الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، لبنان، 2002.