هروبي إلى الحرية

هروبي إلى الحرية

       كتاب لم يُكْتب ليُقْرَأُ دفعة واحدة، بل لإن تستمتع بالقليل منه كل صباح مع فنجان قهوتك، ليمنحك بعض الحرية قبل أن تبدأ يومك بالروتين الممل ذاته. وما عنوانه إلا تعبيرًا عميقًا عن ذلك، بالرغم من الظروف المختلفة التي كُتِبَتْ به نصوصه؛ ذاك أن علي عزت بيجوفيتش _مؤلف الكتاب_  دوَّن كلماته في سجنه، ولكي لا ينسى انسانيته سرَّحَ روحه للهروب نحو العالم الجميل الذي تراه، ولا أظن أن حياتنا تختلف كثيرًا؛ فنحن أيضًا نريد الهروب نحو حريتنا. 

وكأن الكاتب أرادنا أن نقرأ نصوصه تلك بالكثير من الرجاء، لذا فإنه نوّع من مضامينها ليتناسب كلٌّ منها مع أذواقنا المختلفة، فكتب عن الحياة والناس والسياسة وانتقل في أحد فصولها للشيوعية والنازية التي ذكر بأن بعض حقائقها  يجب أن لا تُنسى، كتب عن الدين ولازم الفصل ذاك بالأخلاق، وبالطبع كتب عن الحرية؛ لأن كل ما كتبه كان يحتاج لحرية في روحه للتتمكن من الوصول إلى تلك الفلسفة المذهلة. وطبعا وضع إطارًا لأفكاره كي لا تخرج من الإنسانية إلى المثالية، لقد أكد أننا يجب أن نكون "إنسانًا" قبل أيِّ شيء آخر. 

"الأوراق تتساقط، تتساقط كأنها آتيةٌ من السماوات البعيدة 

كأن حدائق تموت بعيدًا في الفضاء

كل ورقةٍ تسقط وكأنها تومئ قائلةً (لا) 

وفي الليل تسقط الأرض المثقلة 

تهوي في عزلةٍ بعيدًا عن كل النجوم 

ونحن جميعًا نسقط، هذه اليد، هنا، تسقط

وانظر إلى تلك اليد الأخرى، إنّه السقوط يطوقها جميعًا 

ولكن هناك أحد، تُمسك يداه، بكل رحمةٍ 

بهذه الأشياء المتساقطة جميعًا "

هكذا ابتدأ علي عزت بيجوفيتش كتابه. وهي قصيدة الخريف لراينر ماريا ريلكه. ثنائية التساقط والإحتواء، إن كل شيء يسقط لابد أن يصل لشيء، لا يمكن أن يبقى في الفراغ إلى الأبد. إننا نصل في سقوطنا نحو شيء ما، شيء يُشْعِرُنا بالطمأنينة؛ أننا لم نعد معلقين، كأكياس مثقلة بالهواء لا تستطيع التوقف والاستقرار. وذلك الاحتواء ما هو إلا رحمة لنا. وإن يبدو غير ذلك. نحن نحصل في نهاية الأمر مكان ثابت نستطيع أن نقف عليه. وكهذه المقدمة المذهلة ،نجد نصوصًا وخواطر ومشاعر إنسانية عاشها بيجوفيتش في سجنه ونقلها لنا، ليس لأنها ذاتية، بل لأننا كلنا نمتلك ذات المشاعر وذات الأفكار، لكنه صاغها لنا، ليدهشنا كم نحن متشابهون. وأن كل هذه الاختلافات لم تكن لتكون لولا أننا سمحنا لها بأن تكبر فينا. 

"لقد أنقذتني هذه المحنةُ الكبرى من مئات المحن الصغرى التي كان من الممكن أن تأكلني وتستنزفني كل يوم وبشكل منتظم شيئًا فشئيًا".                                                                                علي عزت بيجوفيتش                                                   هروبي إلى الحرية

               

مروة الكردي

   

      

 

 

 

 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author

مروة إبراهيم علي الكردي Marwahalkurdi@gmail.com طالبة خدمة اجتماعية متطوعة لدى فريق يلا نقرأ، و مطر للتسجيل الصوتي